هذيان

تاريخ النشر: 03/10/17 | 14:40

قبل عدة عقودٍ بينما كنتُ أسير ذات مساء بارد، في غابة موحشة لزيارة صديقةٍ تعرّفت عليها في الجامعة حينا التحقت في السنة الأولى من دراستي، وعلمتُ من صديقاتها بأنها مريضة، وأردتُ زيارتها لمعرفة حالتها الصحية، فحاولت أن أهاتفها قبل الزيارة، لكنّ هاتف منزلها لم يكن يرد، فقلتُ لربما تعطل الهاتف من العاصفة الثلجية، بعدما تعبتْ من معاكسة شبّان مراهقين لها، فسرت في جوٍّ عاصفٍ، والثلج ظلّ ينزل بغزارة على قبّعة رأسي الفاخرة، لم أسمع هناك سوى خطواتي وهي تغرز في الثلج، وكانت أنفاسي تتجمد في الهواء البارد الذي ظل يلفحني، لكنني بقيت أسير حتى رأيت امرأةً ترتدي معطفا أبيض، وقلتُ في ذاتي لربما من البرْدِ أنا أهذي الآن، لكنني وجدت نفسي نائما على أريكة من جلد فاخر بعدما أشرقتْ الشمس وتوقّفَ سقوطُ الثلج، فقمت من على الأريكة، ونظرتُ في كل الاتجاهات، فأيقنتُ بأنني متواجد في كوخٍ بدت ديكوراته غريبة عليّ، ولم يكن هناك غيري، فيبدو أنني ولجتُ إلى داخل الكوخ هربا من العاصفة الثلجية، التي أرغمتني على الاحتماء فيه، لكنني تذكّرت بأنّ دفئا غريبا كان يلسعني ليلة أمس، فذاك الدفء يشبه دف امرأة، لكنني لم أرها ، فيبدو بأنني كنتُ أهذي، مع أنني شعرت بدفء امرأةٍ، لأنني لم أرتجف في العتمة ليلة أمس رغم جوّ الكوخ البارد، ربما لأنني كنت في ثياب ممزقة، يبدو أن دبّاً حاول افتراسي، أو أن تلك المرأة افترستني، لا أدري، ربما كنت حينها أهذي، لكن تلك الصديقة المريضة، حينما رأتني رحّبت فيّ، وأعدت لي فنجانا من الشاي، وجلسنا سوية خلف زجاج النافذة، وصرنا نتحدث عن أيام الجامعة، وقبل المغيب استأذنتُ منها، وسرتُ في طريق أخرى، وقلت في ذاتي لربما سأصل بيتي هذه المرّة بلا هذيان.

عطا الله شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة