تزوجت إثنتين

تاريخ النشر: 04/07/17 | 20:40

أحل الإسلام الزواج مثنى وثلاثَ ورباعَ بشرط العدل، وهو أمر ليس باليسير، {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}- النساء 129، لهذا كان التنبيه والأمر الإلهي:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}- النساء،3.
..ظل الحديث عن الزواج بأكثر من واحدة مجالاً للفكاهة في بعض المجالس- من جهة، وموضوعًا للنقاش الجادّ من جهة أخرى بين مؤيد ومعارض، وناوٍ على خير/ شر، وخائف، ومتسائل..والأمر ليس جديدًا، فقد دعا إليه وحث عليه رجال، بينما حذّر منه آخرون.غير أن حديثي هنا عن الشعر، وكيف وصف هذا الشاعر القديم الزواج باثنتين، وكيف عارضه الشعراء المحدَثون.  لنبدأ بالقصيدة المشهورة الواردة في أمالي القالي: “قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق حلاوة العيش. فتزوج امرأتين، ثم ندم، فأنشأ يقول:

تَزَوَّجْتُ اثنتينِ لِفَرْطِ جَهْلِي *** بِمَا يَشْقَى به زَوجُ اثْنتينِ
فقلتُ أصيرُ بينهما خروفًا *** أُنَعَّمُ بين أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ

فصِرْتُ كَنَعْجَةٍ تُضْحِي وتُمْسِي *** تُدَاوَلُ بينَ أَخْبَثِ ذِئْبَتَيْنِ

رِضَا هَذِي يُهَيِّجُ سُخْطَ هَذِي *** فَمَا أَعْرَى مِنَ احْدَى السُّخْطَتَيْنِ

وأَلْقَى في المعِيْشَةِ كُلَّ ضُرٍّ *** كَذَاك الضُّرُّ بينَ الضَّرَّتَيْنِ

لهذي ليلةٌ ولتلكَ أُخْرى *** عِتَابٌ دَائِمٌ في الليلَتَيْنِ

فإنْ أَحْبَبْتَ أنْ تَبْقَى كريمًا *** مِنَ الخيراتِ مَمْلُوءَ اليَدَيْنِ

وتدركَ مُلْكَ ذِي يَزَنٍ وعَمْرٍو *** وذي جَدَنٍ ومُلْكَ الحَارِثَيْنِ

ومُلْكَ المُنْذِرَيْنِ وذِي نُوَاسٍ *** وتُبَّعٍ القَدِيمِ وذِي رُعَيْنِ

فَعِشْ عَزَبًا فإنْ لم تَسْتَطِعْهُ *** فَضَرْبًا في عِرَاضِ الجَحْفَلَيْنِ

(أبو عليّ القالي: الأمالي ج2، ص 34)
شرح عجز البيت الأخير:عراض: مصدر عارض الجحفل معارضة وعِراضًا إذا التقيا، يقول تعرّضْ للموت والشهادة كي تستريح.

من معارضة لأبي رُواحة عبد الله بن عيسى الموري:

تزوجْتُ اثنتين لحسْن حظِّي * * * بمـا يسلـو بـه زوجُ اثنتين
لهذي ليلـةٌ ولتلك أخرى * * * سـرورٌ حـاصِـلٌ في الليلتين
رضا هذي يحسِّنُ فِعْل هذي * * * فأحظـى بالسعـادة مـرتين
فعشتُ مدلَّلاً بالودِّ أبقى * * * أنعَّمُ بين ألْـطـف زوجتين
فإنْ سافرتُ عدْتُ على هيام * * * لأقطِفَ زهـرةً من زهرتين
هما سَكَنُ الفؤاد ودِفْءُ عيشي * * * هما نورُ الحيـاة ومِلْءُ عيني
فأمْـرُ الله بالإنكاح شرْعٌ * * * بما قد طابَ من أصْلٍ ودينِ
فذلك كلُّـه خير وأبقى * * * وعنـد الله نيـلُ الحُسْنيين

هناك قصائد أخرى في قافية أخرى، وهي لا تتفق مع الرأي القائل بالاكتفاء بواحدة، فيقول ناصر الزهراني:
أترضى أن تعيش وأنت شهم *** مع امرأة تقاسي ما تقاسي
إذاحاضت فأنت تحيض معها *** وإن نفست فأنت أخوالنفاس
تزوج باثنتينِ ولا تبالي *** فنحن أُولو التجارب والمراسِ
وهذه معارضة أخرى للشاعر ناجي الحرز:
تزوجت اثنتين لضيق صدري *** بما يشقى به زوج الوحيده
وقلت لقد “تخمت” لفرط جهلي *** ثريدًا لا أملّ من الثريده
فصرت كطائر في كل يوم *** أبوََأ عرش مملكة جديده
رضا هذي ينبّه ود هذي *** فتجهد في اجتذابي مستزيده
لهذي جولة ولتلك أخرى *** كذاك تمر أيامي سعيده
وثمة آخر يبدأ قصيدته:
تزوّج باثنتين ولا تبالي *** ولا تقنع بواحدةٍ كحالي!

لا يكتفي باثنتين:هناك من لا يكتفي باثنتين، بل يثق بنفسه وبقدراته أمام أربع.فلنأت إلى التراث أولاً، ثم إلى معارضة شاعر معاصر:

قال الحجاج: “لا تكمل النعمة على المرء حتى ينكح أربع نسوة يجتمعن عنده”، فسمعه شاعر من أصحابه- يقال له الضحَاك، فتزوج أربع نسوة، فلم توافقه منهن واحدة، فإذا بواحدة حمقاء رعناء، والثانية متبرّجة، والثالثة فارِك (تبغض زوجها)، والرابعة مذكّرة، فدخل على الحجاج فقال: أصلح الله الأمير، سمعت منك كلامًا أردت أن تتم لي به قرّة عين؛ فبعت جميع ما أملك، حتى تزوجت أربع نسوةٍ، فلم توافقني منهن واحدة، وقد قلت فيهن شعرًا، فاسمع مني، قال: قُل! فقال:
..
تزوجتُ أبغي قُرّةَ العينِ أربَعا * * * فيا ليتَ أنّي لم أكن أتزوَّجُ
ويا ليتني أَعْمَى أصمَّ ولم أكُنْ * * * تزوجتُ، بل يا ليت أني مُخَدَّجُ
فواحدةٌ لا تعرفُ الله ربَّها * * * ولا ما التُّقَى تدري وَلا ما التَّحرُّجُ
وثانيةٌ ما إن تقرَّ ببيتها * * * مذكّرة مشهورة تتبرَّجُ
وثالثة حمقاءُ رَعْنَا سخيفةٌ * * * فكل الذي تأتي من الأمر أعوجُ
ورابعةٌ مفروكةٌ ذاتُ شِرَّةٍ * * * فليستْ بها نفسي مَدَى الدهر تُبْهَجُ
فهنَّ طِلاقٌ كلُّهُن بوائنُ * * * ثلاثاً بتاتًا فاشْهَدُوا لا أُلَجلَج
..

ضحك الحجاج حتى كاد يسقط من سريره، ثم قال له: كم مهورهنّ؟ قال: أربعة آلاف درهم. فأمر له بثمانية آلاف درهم.(النص وارد في كتاب القالي: ذيل الأمالي والنوادر، ج3، ص 47، وثمة تغيير في الأبيات في المصادر المختلفة، منها- كتاب ابن عبد البَرّ: بهجة المجالس في أنس المجالس، ج1، ص 181)

هذه الجيمية يعارضها أبو رُواحة الموري، ويبدو أنه شاعر سعودي معاصر:

تزوجتُ من أولى فكانت سعادتي * * * وولَّتْ همومي والذي كان يزعـج
فثنَّيتُ بالأخرى فصـرتُ مملَّكا * * * على منزلَي عدْلٍ بمـا كنتُ أنهجُ
فثلَّثتُ بالأخرى فزادت قِوامـتي * * * وزاد اتسـاعُ الملْك والعيش أبهجُ
فربَّعتُ والتـربيع عيشـة راتـعٍ * * * بأنعـم عُـشٍّ للعُـلى يتـدرَّجُ

يمضي الشاعر في قصيدته الطويلة ليدافع عن خطوته، وقد اخترت منها:

فواحـدة كم تتقـي اللهَ ربَّهـا * * * قـد اتصفتْ بالذِّكْـر لله تلهـج
وثانيـة جـاءت تجدِّد ما مضى * * * بحُسْـن تبعُّلٍ وفيهـا تغنُّـج
وثالثـة تهـوى العلـوم ونشْرَها * * * وتبقـى بعقْـر الـدار لا تتبرَّجُ
ورابعة أعطتْ كـريم خصـالهـا * * * تؤانسني حقـًا وللصَّـدر تُثلِـجُ

فهـنَّ حـلالٌ كلُّهـنَّ أطـايبٌ * * * بهنَّ يطيبُ العيشُ والقلـب ُيبهجُ

ما شعور المرأة عندما تعلم أن لها ضَرّة؟

من المقطوعات الجميلة التي وردت في كتاب أبي تمّام- (الحماسة ج2، 367)، وقد قالها أحد الحجازيين:

خبَّروها بأنني قد تزوّجـ *** تُ فظلت تُكاتم الغيظ سرّا
ثم قالت لأختها ولأخرى *** جزعًا: ليته تزوّج عشرا
وأشارت إلى نساءٍ لديها *** ما ترى دونهن للسرِّ سِترا
ما لقلبي كأنه ليس مني *** وعظامي أخال فيهن فَتْرا
من حديثٍ نما إليَّ فظيعٍ *** خلتُ في القلبِ من تلظّيهِ جمرا

كان أولى أن تكون هناك قصائد لشواعر يبدين آراءهن، ويصفن مشاعرهن في هذا السلوك الرجالي الذكوري، فهل قرأ أحدكم نماذج منها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة