خطبة جمعة موحدة حول”ضوابط ومحاذير شرعية للفيسبوك”

تاريخ النشر: 18/05/17 | 0:05

جاء الإسلام العظيم لتنظيم علاقة الأفراد فيما بينهم ولتنظيم علاقة الأفراد بالله سبحانه وتعالى .
قال الله تعالى: ” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ” . {النحل:89}.
قال الشوكاني في كتابه إرشاد الثقات:
” إنّ ن القرآن العظيم قد اشتمل على الكثير الطيب من مصالح المعاش والمعاد، وأحاط بمنافع الدنيا والدين، تارة إجمالا، وتارة عموما، وتارة خصوصا، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء ” .
وإنّ من أهم الجوانب الحياتية التّي أولاها الإسلام اهتماما هو الجانب الأخلاقي؛ ذلك أنّ الأخلاق هي ركن الأساس للأمم وبها قوامها وأساس سعادتها وقارب نجاتها…
ولأهمية الأخلاق ومكانتها …
فقد جعل النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – الأخلاق أساسَ الخيريَّة والتفاضل يوم القيامة، فقال: ((إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون)).
وكذلك جعَل أجر حُسن الخُلق ثقيلاً في الميزان، بل لا شيء أثقلُ منه، فقال: ((ما من شيءِ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق ))
بل بلَغ من تعظيم الشارع لحُسن الخُلق أنْ جعَله وسيلة من وسائل دخول الجنة؛ فقد سُئل – صلى الله عليه وسلم – عن أكثرِ ما يُدخِل الناسَ الجنَّةَ؟ فقال: ((تقوى اللهِ وحُسن الخُلق)) .
فالأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، كما قال شوقي:
وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم
فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلا
والأخلاق أيّها الأخوة عبارة عن قيم سلوكية يتحلى المرء بها مع ربه جلّ وعلا ومع أهله ومع كلّ من تربطه به صلة إنسانية بل قد أمرنا الشارع الكريم بحسن معاملة الحيوان والنبات …
ّ والمصدر الاول لتذويت هذه القيم وتغذيتها ينبع من استشعار رقابة الله تعالى في السّر والعلن والخلوة والجلوة….
فما الذي يمنع ذلك الشخص الذي لا تطاله المساءلة القانونية أو العرفية من ارتكاب محظور خلقي تجاه الآخرين سواء أكان ذلك المحظور متمثلا بالأذى أو الضرر الماديّ أو المعنوي… إنّها مخافة الله تعالى … ما الذي يمنعني أن أؤذيك ولو في كلمة نابية ؟ انها مخافة الله تعالى …. ما الذي يمنعني أن أكيد لك المكائد ؟ إنّها مخافة الله تعالى… التي إذا غابت من حياتنا تحولت الحياة إلى حياة غاب ضارية …
والحقيقة أيها الإخوة إنّ معالم استشعار مخافة الله تعالى بدأت تجف من قلوب الكثيرين منّا الأمر الذي أدّى إلى انتشار الظلم بشتى أشكاله وألوانه وأنواعه …
فما أكل حقوق البنات في الميراث إلا نتيجة غياب مخافة الله تعالى من القلوب …… وما أكل حقوق العمال إلا نتيجة غياب مخافة الله تعالى من القلوب …. وما التعدّي على الآخرين وإلحاق الأذى والضرر بهم إلا نتيجة غياب مخافة الله تعالى من القلوب …
ولقد ظهر مؤخرا صورة إيذاء جديدة مبتكرة لم تعرف من قبل وهي إيذاء الآخرين تكنولوجيا وذلك عن طريق إيقاعهم في شباك الإسقاط الخلقي عن طريق الإغراء ونحوه ومن ثمّ تهديدهم بالفضيحة أو دفع مبلغ مالي ….
ومن ذلك أيضا: استغلال صور الفتيات المنشورة عبر صفحات التواصل الاجتماعي( الفيس بوك والواتس اب ونحوه ) … والتشهير بهؤلاء الفتيات أو الابتزاز والاستغلال ….
ولقد عرف في زماننا ما يسمى ” بالهكر ” وهم عبارة عن جواسيس يخترقون حسابات الآخرين ويبتزونهم ويشهرون بهم …
فكم من البيوت أغلقت بسبب ذلك وكم من النساء طلقت بسبب ذلك وكم من حوادث قتل وعنف بسبب ذلك….
نعم نحن ندرك أنّ بعض الفتيات والنساء والرجال وقعوا في هذه المستنقعات بما كسبت أيديهم وبسبب عدم تجنبهم للفتن وبسبب ضعف الإيمان في قلوبهم بسبب عدم النضوج والوعي العقلي والثقافي …. ولكن ما كان ذلك ليكون لولا وجود هذه المصائد وشبكات الفساد من قبل من لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ولا استشعار لرقابة الله تعالى في قلوبهم ونفوسهم ….
ومن هنا تداركا لهذه الفتن رأينا من المناسب أن نضع بين أيدي شبابنا وفتياتنا والآباء والأمهات الضوابط الشرعية لاستعمال الفيس بوك وسائر قنوات التواصل الاجتماعي :
أولا: يحرم إضافة كل من الجنسين للآخر وذلك دفعاً للمفاسد ودرءأ للفتنة …..
ثانياً: يحرم أن تنشر الفتاة صورتها الشخصية على صفحة الفيس بوك ولو كانت محجبة لما يترتب على ذلك من فتنة ومفاسد ، فهنالك احتمال للدبلجة أو الفبركة وقد حصل ذلك مراراً وتكراراً ، فقد ُشهِر بفتيات عفيفات وتمّ عرض صورهنّ عاريات ، أضف إلى ذلك إنّ موقع الفيس بوك يشترط لنفسه حرية استخدام المعلومات أو الصور والإضافة عليها ، وهذا الحكم ينطبق أيضاً على الصّور الشخصية للفتاة التّي تكون على الواتس أب أو الفايبر …
ثالثا : يحرم تبادل التعليقات بين الجنسين ، لأنّ ذلك قد يفتح باباً عريضاً من الفساد ، والواقع يؤكّد ذلك ، وقديماً قال أحدهم: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء …. فهذا التعليق الذّي يبدأ بإعجاب بالفكرة قد ينتهي بنهاية المطاف إلى خراب بيوت وطلاق وعلاقات محرمة ، وقد حصل ذلك مرات ومرات وما زال يحصل فليحذر من ذلك …
رابعا: لا يجوز أن يكون استعمال الفيس بوك على حساب واجبات أو تقصير بحقوق للغير ، كالتقصير بواجبات الزوج أو الزوجة أو الأبناء أو الفرائض أو الواجبات ، فإنّه يحرم حينئذ ، وهذا للأسف واقع في كثير من الحالات حتى بات الفيس بوك سبباً من أسباب تفكيك الأسر واضطراب العلاقة بين الزوجين ، خصوصاً لما يصيب مستعمليه حالة من الإدمان .
خامساً: يحرم نقل ونشر معلومات دينية دون التأكد والإستيثاق من صحتها ودقتها وذلك بعد عرضها على أهل العلم الثقات وأهل الإختصاص الشّرعي.
سادسا : نحذّر من نشر الخصوصيات على الفيس خصوصا إذا كانت هذه التفاصيل من الخصوصيات التي يحرم اطلاع الغير عليها فلا يجوز نشرها ولا عرضها وأمّا إن كانت ممّا لا يحرم اطلاع الغير عليها فإنّ هذا ليس من الذّوقيات ، والأصل استثمار الفيس بوك لما هو نافع وتجاوز مثل هذا الترف وإضاعة الأوقات في أمور لا طائل من ورائها .
المجلس الإسلامي للافتاء
المركز العام للتحكيم الشرعي
رابطة أئمة أم الفحم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة