قبيلة تميم بين مادح وقادح

تاريخ النشر: 23/02/17 | 16:10

ثمة شعراء يردّ الواحد على الآخر وهو يستوحي من شعر غيره، ثم يوحي، أو يحيلك إلى نص سابق ليغمز من خلاله، أذكر هنا بعض ما يخص قبيلة تميم، خاصة وقد كثر عنها المدح والقدح.
من هذا التلويح أو التلميح أذكر:
اجتمع شعراء على باب أمير من الأمراء في العراق، فمرّ عليهم رجل يحمل بازيًا، فقال رجل من تميم لرجل من بني نُمَير: “انظر ما أحسن هذا البازي!”
فقال له النميري:
“وهو يصيد القطا”.
أراد التميمي قول جرير في بني نُمَير في قصيدته “الدامغة”:
أنا البازي المُطلّ على نُمير *** أتيح من السماء له انصبابا
فغضَّ الطرف إنك من نمير *** فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
وأراد النميري في إجابته قول الطِّرِمّاح بن الحكيم:
تميم بطرْق اللؤم أهدى من القطا *** ولو سلكتْ طرْقَ المكارم ضلّتِ
(في رواية أخرى: قال التميمي: يعجبني من الجوارح البازي، فأجابه شَريك النميري: وخاصة ما يصيد القطا).
انظرالآلوسي: بلوغ الأرب، ج1، ص 23.
حكاية ثانية:
ورد أن معاوية سأل الأحنف بن قيس (وهو من تميم، وقد قيل فيه المثل: أحلم من أحنف):
“ما الشيء الملفّف بالبِجاد”؟ (= الكساء المخطّط)
أجاب الأحنف: “السَّخينة يا أمير المؤمنين”.
أراد معاوية في سؤاله أن يوحي بنَهَم بني تميم وحبهم للطعام، مشيرًا إلى شعر أبي المُهَوِّش الأسَدي:
إذا ما مات ميْتٌ من تميم *** فسرَّك أن يعيشَ فجِئْ بزادِ
بخبزٍ أو بتمرٍ أو بسمنٍ *** أو الشيءِ الملفّفِ بالبِجاد
فكان جواب الأحنف “السخينة”، وهو حساء كانت قريش تتغذى به عند غلاء الأسعار، وذلك علامة بخلهم، فلقّبت قريش “السخينة” نسبة لذلك.
استذكر الأحنف قول كعب بن مالك:
زعمت “سخينة” أن ستغلبُ ربَّها *** ولَيُغْلَبـَنَّ مُغالب الغلاّب
وقول الشاعر النجاشي:
وحُقَّ لمن كانت سخينةٌ قومَه *** إذا ذُكر الآباءُ أن يتقنّعا
(ن.م)
حكاية أخرى:
التقى الفرزدق وهو تميمي شاعرًا من قبيلة (فَقْعَس)، فسأله الفرزدق:
“كيف تركت القَنان”؟
أجابه الفقعسي:
“يساير لَصافِ”.
قصد الفرزدق قول نَهْشل بن حَرِّيّ:
ضمن القَنانُ لفقعسٍ سوءاتِها *** إن القَنانَ بـفقعسٍ لمُعَمَّرُ
أراد أن يغمز به وبقومه أنهم كثيرو السوءات.
وأما الفقعسي فقد أراد قول أبي المُهَوِّش الأسَدي:
وإذا يسرُّك من تميم خَصلةٌ *** فَـلَما يسوءُك من تميم أكثرُ
قد كنت أحسبكم أسودَ خَفِّيّـةٍ *** فإذا لَصافِ يبيض فيها الحُمَّـرُ
المعنى:
قد كنت أحسبكم شجعانًا فإذا أنتم جبناء.
خفية: موضع تنسب إليه الأسد. لصاف: موضع من منازل بني تميم، فجعلهم في لصاف بمنزلة طيور الحُمَّر، متى ورد عليها أدنى وارد طارت، فتركت بيضها لجبنها وخوفها على نفسها.
(انظر: البغدادي- خزانة الأدب، ج6، ص 378.- في رواية أخرى كان جواب مُضَرِّس الفقعسي: “يبيض فيها الحُمَّر”).
ممن هجا تميمًا العباس بن يزيد الكِنْدي في قوله:
لقد غضبت عليك بنو تميم *** فما نكأت بغضبتها ذُبابا
لو اطّلع الغراب على تميمٍ *** وما فيها من السَّوءاتِ شابا
ويقول الفضل بن عبد الرحمن:
إذا ما كنتَ متّخِذًا خليلا *** فلا تجعلْ خليلَك من تميمِ
بلوتُ العبدَ والصُّرَحاء منهم *** فما أدري العبيد من الصميمِ
وظل هجاء الطرماح أوجع، وخاصة في قصيدته التي منها:
تميم بطرْق اللؤم أهدى من القطا *** ولو سلكتْ طرْقَ المكارم ضلّتِ
ولو أن بُرغوثًا على ظهر قملة *** أغار على صفَّـيْ تميمٍ لولّـتِ
أما المدح فهو كثير أيضًا، فهذا ابن قنبر يرد على الطرماح في هجائه السابق:
لعمرُك ما ضلّت تميم ولا جرَت *** على إثْرِ أشياخٍ عن المجدِ ضلَّتِ
ولا جبُنتْ بل أقدمتْ يومَ كسّرتْ *** لها الأزْدُ أغمادَ السيوفِ وسلَّـتِ
ثم يمدح أبو نواس بني تميم ويبالغ:
ودارمٌ خير بني تميمٍ وما *** مثلُ تميمٍ في بني آدم
ونكتفي بقول جرير في بيت مشهور:
إذا غضبت عليك بنو تميم *** حسبتَ الناسَ كلَّهم غضابا
وقوله:
ألسنا أكثرَ الثقلين رَجْلاً *** ببطن منًى وأعظمَه قبابا
تعرفت إلى الأستاذ الباحث مئير كستر (ت. 2010) في الجامعة العبرية، فإذا به موسوعة في بني تميم، يعرف تفاصيل عن أيامهم وقبائلهم، وأخبارهم وأشعارهم، ويبدي إعجابه بهم مذكّرًا بعظمتهم، وقد ردد على مسامعي ما ورد في الأثر:
“لو أبطأ الإسلام لأكلت بنو تميم الناس”،
وهذا دليل عظمتهم وبأسهم وكثرتهم.

ب.فاروق مواسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة