إرسميني لوحة بائسة بعد موتي

تاريخ النشر: 24/02/17 | 12:38

بينما كنت على فراش الموتِ قلتُ لصديقتي الفنانة التشكيلية المهمشة: ارسميني لوحةً فيها كل البؤس.. ارسمي معاناة الوطن على جسدي.. لوّني عيني بلونِ الحزن.. لا تبخلي علي بالألوان، كثّري من اللون الأسود، ارسمي الحزن بكل تفاصيله على ملامح وجهي الحزين.. كانت الصديقة تحزن لكلامي وتقول سأرسمك كما أنت بكل حزنك، فقلت لها حينما دنتْ مني لا تبكي، ولا تحزني ستتذكرينني حينما سترسمينني بملابسي الرثة.. سترسمين دموعي وهي تتساقط. فهزّت برأسها، لكنّها ظلّت تدمع، لأنها رأتني على وشكِ الموْت، وبعد صمتٍ قصير ظلتْ عيناها تنظران صوبي فقلتُ لها: ستذكّرينني في لوحتكِ التي ستعلقينها على حائط غرفتك الرطبة، ستظلين تنظرين صوبي وستقولين ما أروعك أيها الصديق، لماذا تركتني أحزن عليكَ؟.. وقالتْ قبل أن ألفظ أنفاسي: سأرسمكَ بكلِّ حُبٍّ، لن أرسم سوى معاناتكَ، سأرسمُ حبّنا الحزين، فقلتُ لها: إياك أنْ ترسميني بلا أي حزن، ولكن لا تكوني حزينة بعد موتي، ظلّي تذكري بؤسي، فبعد موْتي اذهبي إلى غرفتكِ المبعثرة بأقلامِ الرّصاصِ والتّلاوين والفراشي وعلب الألوان، وابدئي برسمي لوحة فيها كلّ البؤس، ولا تنسي أنْ تكتبي تحت اللوحة أحبُّكَ أيها الصديق، فلوحتكَ يا صديقي بائسة ليس لأن البؤس فيها، بلْ لأنّكَ متّ قبل أنْ ترى الوطنَ محرّرا..

عطا الله شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة