قراءة في قصة “خذلان شتاء”

تاريخ النشر: 25/01/17 | 18:30

قرأتُ قصة ” خذلان شتاء ” للكاتبة الفلسطينية شهد عبد الرحيم محمد ، الصّادرة عن منشورات “المكتبة الشعبية ناشرون ” في نابلس وتحتوي على 53 صفحة ، تصميم الغلاف رشا السرميطي.
شهد تقول إنها رسالة وليست قصة. تتحدث عن طفلة من طولكرم (بلدة فلسطينية محتلة وأقام الاحتلال على أراضيها أكثر من 25 مستوطنة) تُصوّر ساعة اعتقال أخيها حسام حيث ترى ناقلات جنود، طائرة تُحلّق، جنود مدجّجين بالسلاح والقنابل، قنابل صوتية تبعث الرعب كمقدمة لاقتحام البيت وكشافات، وساعة الاعتقال الرهيبة حيث سحبوا أخاها المعتقَل ، قيّدوه، عصبوا عينيه، أدخلوه إلى سيارتهم، طرحوه على أرضيّة الجيب، رأسه مغطّى بكيس على الأرض، التفّوا حوله، أقدامهم فوق جسده، أسلحتهم مصوّبة نحوه…
وفي بيت العائلة لم يبق شيء على حاله … الكتب والدفاتر مبعثرة ممزّقة، الألعاب متكسرة، الزيت على الأرض، المعلّبات، الملاعق والسكاكين، الكؤوس والأواني الزجاجية مكسورة ومتناثرة على الأرض بوحشيّة، الملابس على الأرض، زجاجات العطر متناثرة، أجهزة الكترونية محطّمة ودمار عبثيّ، تفاصيل صغيرة كبيرة تأخذنا شهد – أخت المعتَقل لحظة الاعتقال- معها لنعيش معها اللحظة بكل جوارحنا .
في الغد يتجمّع الأقارب والجيران والأصدقاء يستفسرون عما حدث للعائلة ، والأب يُعلم الصليب الأحمر بالاعتقال، وبعد 12 يوما من الانتظار والترقب الذي يختزل سنوات العمر تخبر المؤسسة عن وضع المعتقَل (مكان وجوده، وضعه رهن التحقيق، التوقيف، السجن ، الاعتقال، إداري أو وُجّهت له تهمة ليحاكَم عليها ) ويتبيّن أن التحقيق في الجلمة (لا زيارة خلال فترة التحقيق، ضغوطات نفسية، شتائم للمعتقل والعائلة، الضرب الاستفزازي، عذابات السجن والسجان) لمدة 66 يوما وبعدها يُنقل حسام إلى سجن مجيدو. فحُق قول بلزاك وقد حضرني: ” كأنهم ملوا رتابة الجمال، فوجدوا في صنع البشاعات خصوبة لا تنتهي”.
تُعاني الأسرة الأمرّين لتقوم بزيارة الابن حسام ، الزيارة تبدأ باستصدار تصاريح ، استيقاظ الساعة الخامسة صباحًا، سيارة أجرة إلى مركز الصليب الأحمر، حافلات تنقل الأهالي إلى معبر (لماذا لم تستعمل كاتبتنا شهد كلمة حاجز ؟!؟) الطيبة، وهناك تلتقي بمدخل لولبي، زاوية كبيرة، ساحة صغيرة، ساحة أكبر عبر أبواب دائرية تُسمّى ب”المعّاطة”، غرفة كبيرة محاطة بالكاميرات وأجهزة المراقبة، آلة تفتيش الكترونية ، آلة المسح الضوئي، غرف صغيرة وتسليم الهويات وراء نافذة عازلة، ساحة أكبر وتفتيش آخر ، أشبه بالمتاهة اللا متناهية والتي لا تخلو من أذلال لتصل بعدها موقف الباصات التي تُقلّها إلى السجن حيث يقبع المعتقل/الأسير خلف القضبان.
في السجن انتظار مقيت نحسب فيه أن عقارب الساعة متآمرة علينا هي الأخرى .. قاعة الزيارات مقسّمة إلى ممرات ، كاميرات مراقبة، مقاعد خشبية، نافذة من الزجاج العازل الشفاف السميك، وسيلة الاتصال بين الأسير وعائلته هي الهاتف ، 45 دقيقة ، بدون أمكانية التواصل الجسدي ولو بقبلة … والعودة الساعة السادسة مساءً.
وبما أن الزمن لا يتوقف، يأتي هنا ما يسمى بالزمن الموازي (parallel time) الذي يعيشه كل سجين، الأخ يتزوج وأخوه سجين، الأم تموت والابن سجين، العالم وما فيه يتغيّر وهو سجين والجميع بانتظار ساعة تحريره لتبدأ الاحتفالات ويتحرّر من أسره ليُصدم بالواقع المرير ويصعب عليه التأقلم بعد خروجه من السجن لعدم التأهيل والرعاية، فلا عمل ينتظره غير سوق العمل الأسود ، وهنا توجّه أصابع الاتهام للسلطة ومؤسساتها، فيشعر بالغربة فتصرخ شهد : “غربة الذات أقسى أنواع الغربة”.
القصّة تُصور معاناة عائلة الأسير وأهله وما يمرّون به منذ ساعة الاعتقال حتى تحريره ، ومعاناتهم يوميّة وهي نصيب كل عائلة فلسطينية ترزح تحت نير الاحتلال وتذكّرني بستائر العتمة لوليد الهودلي.
قراءة القصّة ذكّرتني بكتابات بسام الكعبي : “في يوم الأرض : الطريق الطويلة إلى النقب المحتل” ، “جمر المحطات في الطريق إلى نفحة الصحراوي”، هداريم : جدران عازلة وقامات عالية” حيث عالج قضية عائلات المعتقلين والأسرى بأسلوب سلس ومُميّز.
شهد صوّرت السعادة في حياتنا كأنها جزر صغيرة يتيمة وسط محيط من الأحزان، أو سعادة معطوبة الأعماق حيث أنهت القصة بقولها “الحياة موسمية الفرح ، دائمة الأحزان” – نظرة تشاؤمية لا تليق بقضيّة أسرانا.
وأخيرًا أضم صوتي لشهد التي أعادتني إلى أيمن العتوم بمقولته: “شروق الشمس لا ينتظر النائمين”. وشهد : “أردت أن أكتب شيئًا يستحق، لكي أطرق جدران الخزان، وحتى خذلان شتاء أردت نشرها لسبب واحد، هو أنها تسد ثغرة، وتسلط على أوضاع عائلات الأسرى” – فهل من مُجيب ؟!ّ؟

المحامي حسن عبادي
7sn3bade

12

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة