التلفون والمتطفلون

تاريخ النشر: 26/01/14 | 23:31

عندما اخترع (غراهام بل) جهاز التلفون (سنة 1876) لم يكن يعرف أن هناك من سيسيء استخدامه بتطفل وعبث، ومن هذا التطفل ما قرأناه من تهديدات تلفونية وشتائم بذيئة وصلت إلى أسماع أحد الفنانين، حتى لقد صرح:

"بتَ أخاف من تهور أحد المهووسين والاعتداء عليَ".

نكرات تتصل هاتفيًا وخلويًا وتوجهك بالشتائم آناً، أو بالسكوت الواجم آناً آخر. تكرر اتصالها فتسمع صلصلة تلو صلصلة. وبعضهم تمادوا واعتدوا على الحرمات، وهم لا يرعوون عن خلق، فيجد الواحد منا نفسه مضطراً للجوء إلى الشرطة، أو لقطع التلفون، أو لتغيير الرقم حتى يقطع دابر المتطفلين السادرين في فراغهم وقتاً وذهنية.

ومن المكالمات الثقيلة الظل ما أدى ويؤدي إلى عواقب وخيمة، كأن يتصل مجهول بزوجة ما، ويخبرها عن علاقة زوجها بفلانة، أو أن يتصل هذا ليشكك بفتاة أو بامرأة ما. وهنا تبدأ المشاحنات، وقد يؤول الأمر الى تعكير صفو حياة عائلية، كانت بالأمس في هناءتها.

ومن العابثين من يتصل متطوعاً ليخبر شخصاً بعيداً عن مقر سكناه، بأن أحد ذويه قد توفي أو أنه أصيب بحادثة أو… (تبعاً لتنازله في صنع الحوادث)، فينسى هذا ما يمكن أن يؤدي بالمتلقي إذا انفعل من صدمة أو انفعال، ولا أنسى في هذا السياق كيف أن عابثاً أخبر المناوب المسائي في جريدة (الاتحاد) قبل بضع سنوات عن إعلان فيه نعي لأحد الشخصيات المحلية، فطلعت (الاتحاد) بالنعي صباح اليوم التالي، ولا إخالكم تجهلون كيف كان وقع الخبر على الكثيرين ممن يعرفونه. (وما ذنبه حتى يستعجل العابث وفاته؟)

ولا إخالكم كذلك تجهلون رد فعل الشخص نفسه وهو يقرأ نعيه.

عجيب أن يكون إزاء كل نعمة نقمة، فهذا الجهاز الذي وفَر على الإنسان طاقة ووقتاً، وأوصله سريعاً إلى تنظيم عمله وتطوير حياته هو الذي يأتي إليه من بعيد (والهاتف لغة هو الصوت أيضاً) يأتي بالمعتدين مجاناً والمتطفلين عدوانا…

والآن وبعد هذه (المعاكسات) و(المشاكسات) أعود الى حلول كأن يهدد المرسل بالشرطة، أو أن تحتال الفتاة على من يتصل بها لتتعرف عليه، وعندها يجب ألا يكون في عقابه هوادة، ردعاً له ولسواه…

وبعضنا يقابلون هذه (المشاكسات) بسعة صدر التي يغبطون عليها. ومن هؤلاء صديق تلقى مكالمة فيها شتيمة من العيار الثقيل، فما كان منه إلا أن قال بهدوء:

"لا تشتمه، فقد يؤدي ذلك إلى الشر، وعلى كل فهذا ليس منزله"النمرة غلط" مع السلامة!"

وحكاية هذا الصديق ذكرتني بقصة تبين حلم معاوية:

يُروى أن معاوية كان في خيمته، فسمع رجلاً يسبه، ولم يكن هذا الرجل يعلم أنه الخليفة، فخرج معاوية إليه وقال:

"يا هذا، اذهب بعيداً لئلا يسمعك معاوية فهو قريب من هنا".

فلهذا الصديق الحليم كل التقدير. ولكن، هل يبقى هذا حلاً؟!

أعود إلى الموضوع وأقول:

لنعالج هذه الآفة بكل وسيلة متاحة، ولنتذكر كيف وردت "وسمعت هاتفاً يهتف…." في سياق يؤنس ولطف يعين.

وهنا سمعت صلصلة الهاتف، فرفعت السماعة وأنا أتوجس خشية من الكلمات النابية، ولكني نعمت هذه المرة بصوت عذب وكلمات رقراقة، وما أكثرها كذلك!

– إضافة: بعد كتابة المقالة التقيت مؤخرًا بالدكتور علي الجريري من القدس المحتلة، وقد ذكر لي أنه يقيم دورات خاصة بالاستخدام اللائق للهاتف، كأن يتحدث الشخص إلى الموضوع وفي الموضوع، دون لت وعحن، وزيادة واستقصاءات غير ضرورية،

وأن يخفض صوته إذا كان الإرسال طبيعيًا،

وأن يبتعد قليلاً عن أناس هو بينهم، لأن الاتصال شخصي، والمجتمع الذي حوله له حق بألا يسمع المكالمة، وأن وأن…..

فللهاتف آداب!

………………………………………………………………………….

المقال في الأصل نشر في كتابي "حديث ذو شجون- مقالات اجتـتِـأدبية". الناصرة: مكتبة النهضة- 1994- ص 91.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة