الحرمان

تاريخ النشر: 06/11/16 | 0:00

ذات مساء من أحد أيام شهر آب، وعندما بات الحال لا يحتمل، وقد عدا ذاك الرجل على مساحة البساط الضيق في حجرته الضجرة، كما لو كان في جولة سباق متنائيا عن أثر ضوء عمود الإنارة المكسور، ثم مالَ ذاك الرجل داخل الحجرة بعد أن لقي غايةً أخرى في جنون المرآة، وصحا ليسمع فقط صوت هتافه، والذي لم يلق أي شيء يمكن أن يخفف من حدته، ولذلك فقد علا الحسّ دون عائق، ولم يقدر أن يتوقف حتى عندما بات غير مسموع، انشرع بابٌ في الجدارِ الرقيق أمامه، وظهرتْ امرأة بغتةً من ذلك الممر الدامس الظلمة كالطيف الرهيب، ولم يكن ضوء الحُجرة مشتعلا، ووقفتْ مرتجفة على رجليها. وقد اندهشتْ بلونِ الشفق في حُجرته، فسترتْ سحنتها بيديها، ولكنها هدّأتْ ذاتها بشكل غير متوقع بنظرةٍ سريعة من الشرفة، ركّزت نفسها على الحائط بكتفها الأيسر في المدخل المفتوح جاعلة لتيار الريح من الخارج أن يداعبَ جسدها وشعر رأسها المنسدل على ظهرها.
رنا إليها ذاك الرجل ثم نطق سلام، وأخذ قميصه من على الكرسي الهزّاز، فلم يرد أن يتسمّر هناك وهو ليس لابسا بشكل تام. وعلى حين غرّة جعل شفتيه تتدليان حتى يمكنه أن يمسكَ أنفاسه من سرعة الإغراء. أحسّ بطعمٍ سيء في ثغره واضطربتْ حركة رموش عينيه، وباختصار فقد كان هذا الحضور ضروريا، رغم أنه كان متوقعا، كانت المرأة ما زالت متسمّرة في مكانها ومتكئة على الحائط، وقد ضغطتْ يدها اليمنى عليه، وكانتْ سارحةً بعض الشيء بوجنتيها الورديتيْن في اكتشافِ أن سطح الحائط ذو ملمس خشن، وكانت تفركُ أطراف أصابعها بالحائط. قالَ لها هل ترغبينني حقا ؟ ألا يوجد لغط في الموضوع؟ أُسمّى فلان، وأنا أسكنُ في الطابق الخامس. هلْ أنا الرجل المطلوب؟ فردّت بصوتٍ ناعم يكاد أن يسمع أسكت أسكت، وقالتْ الأمر على ما ينبغي، فقالَ لها تعالي إذن إلى داخل الحجرة الضجرة، وقال لكنْ أود أن أسدّ الباب، فنطقتْ تلك المرأة لقد سددته قبل قليل، لا تقلق. خذ الأمور بيسر، فقال لا يزعجني الأمر، ولكن هناك الكثير من السكان يعيشون في ذلك الممر، وأنا أعرفهم جميعا. وإن سمعوا أحدهم يتكلم في الحجرة فسيحسبون أن لديهم الحقّ في أن يفتحوا الباب ليشاهدوا ما يجري بالداخل. فاتركيني أسدّ الباب.
فقالت له لماذا.. ما المُشكلة؟ لا أكترثُ إنْ دخل جميع أصدقائك هنا، فعلى أية حال وكما أعلمتكَ لقد سددتُ الباب، صدّقني. هل تفكر أنكَ الإنسان الوحيد الذي يمكنه أن يسدّ الأبواب؟ لقد وضعت المفتاح في الزرفيل ولففته.
كل شيء على ما يرام، فقال لها لا يمكنني أن أطلب المزيد. لم يكنْ عليك أن تلفّي المفتاح. والآن أنت هنا، تصرّفي كما لو كنتِ في بيتكِ. أنتِ نزيلتي، وتستطيعين أن تثقي بي. الشقة شقتكِ فلا تجزعي. لن أرغمكِ على المكوث أو على المغادرة. هلْ عليّ أن أعلمكِ ذلك؟ ألا تعلمينني جيدا؟
فقالت له لا، ليس عليكَ أن تعلِمني ذلك، أنا مجرد امرأة تائهة، فلماذا تعاملني هكذا بشكل برستيجي؟
فقال لها أعلم أنه ليس سيئاً، لكنكِ أنتِ امرأة فاجأتني بحضوركِ المباغت، فقالتْ له لقد رغبتُ فقط أن أقول أن معرفتي الجيدة بكَ لا تنجدني، إنها فقط تريّحك من ثقل المضيّ في التظاهر أمامي. أنت الآن تلاطفني، فتوقف عن ذلك، وعلى أية حال أنا لا أعرفكَ في كل مكان وفي كل الأزمنة، وخاصة في تلك العتمة. سيكون من الأحسن إن أشعلتَ الضوء. فردّ لا، فقالتْ له على أية حال سأحتفظ بعقلي أنك كنتَ تتوعّدني.
فقال لها ماذا؟ هل أنا أتوعّدكِ؟ ولكن ارْنوي هنا، أنا فرحٌ جدا أنكِ جئت في النهاية، لا يمكنني أن أدركَ سببَ حضورك. ولكن من الممكن أني وسط سروري برؤيتكِ كنتُ أتكلّم متسرّعاً، وقد أدركتِ حديثي بشكل خاطئ. ويمكنني أن أعترفَ ألف مرة أني قلت شيئا من ذلك القبيل، وأني قمت بكل أنواع الوعيد وأي شيء آخر تحبينه، ولكن أرجوك لا داعي للتصادم. ولكن كيف يمكنك أن تفكري في هكذا موضوع؟ كيف يمكنك أن تخدشيني؟ لماذا تلحّين على تخريب حضورك هنا؟ يمكن أن أسامح أي شخص غريب، ولكن لا يمكنني أن أسامحكِ في ذلك.
فقالت له يمكن أن أصدق ذلك بسهولة، فهذا ليس اكتشافا عظيما على أية حال، فليس بإمكان غريبٍ أن يقترب منك أكثر مني، فأنتَ تعلم ذلك أيضا فلما كل ذلك الاضطراب؟
فقال لها أنت جريئة، وعلى أية حال فهذه حجرتي وأنتِ فيها. هذا حائطي الذي تفركين يديكِ عليه كالمسعورة، ثم خطا إلى منضدة الفراش وأشعل شمعة، لأن في ذلك الوقت الكهرباء كانتْ مقطوعة. قعدَ قليلا على الطاولة حتى تعبَ من ذلك فارتدى قميصه، وتناول قلنسوته من على الكرسي وأطفأ الشمعة واصطدم برجلِ الكرسي بينما خرج، وعلى الدرج لاقى أحد السّاكنين بالطابق الذي يسكن به. فسأله بعد أن توقف بحدة خرجت ثانية أيها التافه؟ فقال له وماذا يمكنني أن أعمل؟ لقد واجهت طيفا بحجرتي، فقال له أنت تقول ذلك كما لو كنت لقيتَ فقط شعرة في المرق، فردّ عليه أنتَ تهزأ من هذا، ولكن سأقول لك: إنه طيف، فقال له: أنتَ جدير بالثقة، ولكن كيف يجري الأمر إن لم يكن المرء يعتقد بالأشباح ؟ فقال له: هل تعتقد أني أؤمن بالأرواح؟ ولكن كيف يمكن أن يسعفني عدم اعتقادي في ذلك، فقال له الأمر ببساطة ليس عليك أن تحسّ بالرعب من طيف يخرج بالفعل، فقال يا، هذا مبعث رعبي الثاني فقط، ولكن سبب رعبي الأول من طلوع ذلك الشبح. وهذا الخوف لا يمكنه أن يبتعد عني. لدي هذا الرعب بقوة إلى حد ما بداخلي الآن، وبدأتُ وسط اضطرابي في التفتيش في جيوب بنطالي، فقال له: ولكن طالما لم تكن مرتعبا من الشبح نفسه، فقد كان بمقدوركَ بسهولة أن تسأله عن كيفية طلوعه لك.
فقال له ذاك القاطن يبدو بأنك لم تكلم شبحا من قبل. ويبدو أن هذه الأشباح ترتاب بشأن وجوها أكثر منا ولا غرابة في ذلك بالنظر إلى ضعفهم الشديد، ولكني سمعت أن المرء يمكنه أن يتسلى بها قليل، ولكن هل يمكن لأي شخص أن يفعل ذلك؟ فقال له لما لا؟ إن كان شبحا امرأة على سبيل المثال تتمايل على الدرجة العليا، فردّ آه، ولكن حتى إن كان الأمر كذلك فهو لا يستوجب التعب.
وفكر في أمر ثانٍ وقال وحتى يمكنه أن يشاهدني كان عليه أن ينعطف عبر درابزين الدرج، فصاح قائلا إن سلبتَ شبحي مني فسيتلاشى كل شيء بيننا، فردّ عليه لقد كنت أماجنك فقط، فقال له الآن يمكنني أن أسير للحظات، ولكني أحسستُ أني بائس ومهمل ومحروم، فآثرتُ أن أصعد الدرجات مرة أخرى وأخطو للسرير.

عطا الله شاهين

36aallhshahen

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة