فيروز… زنبقة الأودية

تاريخ النشر: 11/11/16 | 4:12

ثمانون لؤلؤة وجمانة وزَبرجدة أشكّها عِقدًا جميلًا وأزفّه الى هناك الى بيروت لجارة القمر فيـــــــــــــــــروز ليُزيِّن جِيدها الجميل بعيد ميلادها الثمانين.
كيف لا أفعلُ ذلك ولها في نفسي مكانة خاصّة، راقية، عابقة بشذا الأيام ؟!
كيف لا أفعلُ ذلك وهي قصيدة الفنّ الأجمل والأحلى على شُرفات الصّباح والظهيرة والمساء ؟!
كيف لا افعل ذلك وصوتها العذب، المتهادي، الرقراق، المتعانق بشغَف غريب مع موسيقى الرّحابنة، يسرقني من ذاتي بعيدًا لأجد نفسي هائمًا ما بين الارض والسّماء ؟!
كيف لا افعل ذلك ووقع كلماتها الأثيريّ يتحدّى الريح الحَرون والعواصف العاتية؟!
فكلّ أغنية من أغانيها درّة يتيمة، تدخل القلوب دونما استئذان، فتفعل فعل الخمرة الجيّدة في النفوس العطشى، وتلوّن الحنايا والثنايا والضّمائر بالمحبّة.
تضايقْتُ يومًا من أحد ابنائي الثلاثة حينما صرّح لي قبل سنوات إنّه لا يستعذب فيروزتنا كثيرًا، وأنّ هناك مَن تبزّها، فقلتُ وقتها له : ما زِلْتَ يا صغيري فجًّا حتّى ولو تبوأت أعلى المراتب، الى أن عاد يومًا الى رُشده وبات يترنّح على الصوت الكريستالي، الآتي من فوق، من لدُن السّماء فصرخْتُ وقلْتُ له : مرحى.. لقد نضجْتَ ونضجَ فيكَ الذوق وبات مُرهفًا يعرف النشوة ويتذوّقها.
…. حقيقة فلبنان – ومع كل مواكب مبدعيه العِظام – وهم كثر، يبقى بدونك ولولاكِ يتيمًا، لاجئًا مُشرّدًا،.. عذرًا جبران وعقل والصّافي والصّبوحة والرّومي و….، ففيروز أعطته اللون الجميل، وسبغت عليه المجد والعِزّ، وكتبت حروفه بماء الذَهب.
فيروز الراهبة الجميلة في محراب الفنّ الأصيل…أطربْتِ دُنيانا
فيروز الرّاهبة الصامتة التي ترفع قلبها قبل صوتها، فتسجد عند اقدام الإله مُترنّمةً، خاشعةً، فتغنّي المصلوب والقدس والاوطان والحنين ومواكب الايام… تُطرب أرواحنا
فيروز، الصّبيّة التي لا تعرف الثرثرة ولا تعشق – شوفوني يا ناس- ولا تهوى التباهي تحظى باحترام كلّ مَن غرّدَ وشدا ولحّنَ واستمع.
فيروز، بحياتها الفنيّة العطرة، وحياتها الخاصّة تضفي على رواية عمرها بِسرٍّ جميل غامض، يحاول الكلّ ان يستكشفه ولكن هيهاتِ!
كثيرًا ما تساءلْتُ بيني وبين نفسي :
ماذا تفعل هذه الفيروزجة في هذه الأيام ؟ وماذا تُحبّ من الأطعمة والاشربة؟ ولِمَن تسمع في الصباحات والأماسي ؟ أتُراها تنام وتصحو مثلي على صوت فيروز.
لسْتُ أدري…ولكنني أدري أنّها في القلب والوجدان زنبقة لا ولن تعرف الذبول ولو اضحت مائتين من السّنين، وسيبقى شذاها يُعمِّد الشّرقَ بأريجه وفوْح عطره.
فيروز…جارة القمر والريح، وزنبقة الاودية ونرجسة التّلال : دُمْتِ بخير والعقبى للمائة بعد العشرين، والصّحّة تُظللكِ كما السّعادة وهدأة البال والايمان والتقوى.
فيروز…كلّ عام وأنت محبوبتنا

زهير دعيم

zoher-d

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة