مع أبيات لقيط التحذيرية

تاريخ النشر: 09/10/16 | 0:03

لَقيطِ بنِ يَعمُر بن خارجة الإيادي ، شاعر جاهلي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، وهو من أهل الحِيرة، كان يحسن الفارسية، فاتصل بكسرى، وعمل مترجمًا، في بلاطه، وكان من المطلعين على أسرار دولته.

وهو صاحب القصيدة المشهورة التي مطلعها:
يا دار عمرةَ من تذكارها الجرَعا *** هيّجتِ لي الهمَّ والأحزانَ والوجعا

قصة القصيدة:

كان بنو إياد عربًا قد غلبوا على سواد العراق في أيام سابور ذي الأكتاف ملك فارس، وقد كان الملك يعدّ للعرب العدة لينتقم منهم.
علم (لَقيط) ما يدبّر الفرس، فأرسل لقومه رسالة ينذرهم بالخطر، وقال شعرًا بدأه بـ:
سلام في الصحيفة من لقيط *** على من في الجزيرة من إياد

أتاكم منهم سبعون ألفًا *** يجرّون الكتائب كالجراد

ثم أتبعها القصيدة العينية، وفيها ينذرهم بأن الفرس يتحينون الفرصة لغزوهم، والاستيلاء على بلادهم، وينصحهم بالتأهب للعدو، وأخذ الحيطة، وترك ما هم فيه من أعراض الدنيا:

ياقوم لاتأمنوا إن كنتمُ غُيرًا ***على نسائكم كسرى وماجمَعا
أَبْلِغْ إِيادًا، وخَلِّلْ في سَراتِهِمُ *** إِنِّي أَرَى الرَّأْيَ، إِنْ لَمْ أُعْصَ قد نَصَعا
يا لَهْفَ نَفْسِيَ إِنْ كانَتْ أُمُورُكُمُ *** شَتَّى، وأُحْكِمَ أَمْرُ النَّاسِ فاجْتَمَعا
أَلاَ تَخافُونَ قَوْمًا لا أَبَا لَكُمُ *** أَمْسَوا إِليكمْ كأَمْثالِ الدَّبا سرَعا
(الدبا- صغار الجراد)

في كُلِّ يومٍ يَسُنُّونَ الحِرابَ لكم *** لايَهْجَعُون إِذا ما غافِلٌ هَجَعا

مالِي أَراكُمْ نِيامًا في بُلَهْنِيَةٍ*** وقد تَرَوْنَ شِهابَ الحَرْبِ قد سَطَعا
صُونُوا جِيادَكُمُ، واجْلُوا سُيُوفَكُمُ *** وجَدِّدُوا للقِسِيِّ النَّبْلَ والشِّرَعا

قُومُوا قِيامًا على أَمْشاطِ أَرْجُلِكُمْ *** ثُمَّ افْزَعُوا، قد يَنالُ الأَمْرَ مَن فَزِعا
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمُ، للّهِ دَرُّكُمُ *** رَحْبَ الذِّراعِ، بأَمْرِ الحربِ مُضْطَلِعا
ما انْفَكَّ يَحْلُبُ هذا الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ *** يكُونُ مُتَّبَعًا يومًا ومُتَّبِعا(1)
لقَدْ بذلتُ لكمْ نُصحي بِلا دَخَلٍ *** فاسْتَيْقِظُوا إِنَّ خَيْرَ العِلْمِ ما نَفَعا

مع ذلك ورغم هذا التحذير الخطير إلا أن قومه لم يستعدوا، فأوقع فيهم الفرس شر وقعة، وحكم عليهم سابور بأن خلع أكتافهم، ومن هنا لُقّب (ذا الأكتاف).
أما لقيط فقد غضب عليه كسرى بعد أن عرف بأمر الرسالة، فقطع لسانه ثم قتله.

من المصادر:

الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، دار الفكر، ج22، ص 356.
الشعر والشعراء لابن قتيبة، ج1، ص 199- 201.
معجم الشعراء لعفيف عبد الرحمن، ص 231- الشاعر 1570.

ليسمح لي القراء أن أثبت هنا مقاطع من قصيدة لي حذرت فيها أبناء شعبي مما يكاد لهم، وكنت كتبت القصيدة سنة 1970 متمثلًا قصيدة “العَوْدَةُ إلى حِكايَةِ لَقِيط”، والشيء بالشيء يُذكر:

سَوْطُ حَظِّي ذابَ في حَرْفِي مَشَقَّهْ
دَلَّني دَرْبًا خَفوتَ الأُخرَياتْ
كانَ في دَرْبِيَ خَصْمًا
يَدُهُ َزْرقاءُ
لَفَّها بين الثَّنايا الواجِماتْ
حِقْدُ سِكِّينٍ تَلَظَّى
(وَقعُهُ خَلْفَ العُيونْ
كادَ أَن يَغتالَ رِقَّةْ)
– بعضَ صَبْرٍ بَعْضَ تَأساءْ!
***
الدَّبَا أَمْسَوا سِراعْ
والإيادي لا يُجابْ
قومنُا وُقْرُ السَّماعْ

– أَينَ شَهْمٌ جاهِدٌ رَحْبُ الذِّراعْ
يَبْذُلُ النُّصحَ بلا غِلْ
( قَدْ أبَنْتُ النُّصْحْ )
يَسْتبينوا النُّصْحَ بَعْدَ الذُّلْ؟

– أيْنَ شَهْمٌ جاهِدٌ رَحْبُ الذِّراعْ
يَبْذُلُ النُّصحَ بلا غِلّ
يَمْزُجُ الأشْواقَ بالأشْواكْ
في سَماءٍ أَرْيَحِيَّهْ
في أراضٍ عَبْقَرِيَّهْ
عُمْقَ تَسبيِحِ الرُّؤى
عَبْرَ تمزيقِ السُّدودْ
يَسْكُبُ المَزجاتِ غَلَّةْ
يَجْمَعُ الأحْزانَ فُلَّهْ
كادَ يَسْقينا البِحارْ
في روابي ثأرنا نَهْلَهْ
أَينَ شَهْمٌ جاهِدٌ رَحبُ الذِّراعْ ؟

(في انتظار القطار- 1971، ص 20)

1- “حلب الدهر أشطره” أصبح القول مثلًا بمعنى جرب الدهر، ويقال المثل للخبير الماهر الذي يعرف الخير من الشر، وأصل المثل أن الرجل يحلب الناقة في شطر منها- أي في خِلْفين من أخلافها، ثم يتحول إلى الشطر الآخر أي الخِلفين (الضَرعين) الآخرين، وبذلك يتم حلبها.
قال الحارث بن ربيعة:
ولقد حلبت الدهر أشطره *** وأتيت ما آتى على علم

(الزمَخْشَري- المستَقْصَى في أمثال العرب، ص 64)

ب. فاروق مواسي

faroqmwaseee

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة