احمد ملحم بقصيدة "الهي.. قد رضينا الصبر"

تاريخ النشر: 16/07/11 | 8:02

احمد ملحم -عرعرة-

بلاد الروحة(الروحاء): قبل ايام، قررنا القيام بجولة الى بعض القرى التي دمرها الاحتلال سنة 48، ورحل عنها اهلها، وقطعت اوصالهم وشتت شملهم، فتشتتوا مكرهين بين البلدان والمخيمات والاقطار والامصار القريبة منها والبعيدة.تاركين خلف ظهورهم قراهم واملاكهم، حلهم وحلالهم.

جولتنا هذه كانت ضمن الفعاليات التي نقوم بها على مدى مدى عقود، احياءا لذكرى النكبة، كي نؤكد للمحتل اننا لم ننسى لن ننسى. كانت جولتنا مخصصة لزيارة بلاد الروحة(الروحاء) التي افرغت ممن كان فيها بتدمير عشرات البلدات والقرى، وقد رحل منها خلق كثير.

اول ما حطت به اقدامنا كانت على اطلال قرية بير الصفصاف، التي سميت بهذا نسبة لكثرة الصفصاف فيها، تجولنا نتحسس انقاض هذه البدة، حجارتها، ليمونها، الصفصاف والعليق والعكوب والزعتر، وقد سرح بنا الخيال الى بعيد، الى ما هو ابعد من عمر النكبة، وكانت هناك لوعة في القلب، و دمعة في العين تصارع المشاعر التي لا مكان هنا لوصفها، في محاولة منها للتدفق خارج بيئتها. لكننا تجاهلنا تلك الدمعة وتلك المشاعر وشأنهما مكابرة منا، ثم اعتلينا السيارة متوجهين الى موقع آخر، الا وهو قرية الكفرين، ترجلنا متجهين الى مركز القرية وقمنا بما قمنا به من قبل، ثم خرجنا منها مزودين بشحنة اخرى، اضيفت لسابقتها من بير الصفصاف وهكذا .

وهذه المرة توجهنا الي دالية الروحاء التي كانت فياضة بالخيرات كما بدا لنا وكسابقاتها، وهذا عمليا ما كان يميز هذه المنطقة عن غيرها من حيث غناها بالينابيع والخيرات والمساحات السهلية الشاسعة. ومن هناك توجهنا نحو الريحانية ثم الى وادي فرير، حيث كانت المحطة الاخيرة في هذه الزيارة.

في هذه المحطات التي اسغرقت مناعدة ساعات، وجدتني اعثر بين تلك الانقاض، على ما هو وارد في هذه القصيدة، عثرت على مفردات ومعاني كان حاضرة وظاهرة للعيان مبعثرة بين الانقاض، وقد عثرت على مصطلحات بارزة بين البساتين والمساحات والخيرات وكل مكوناتها الحياتية الجميلة، مما دفع بي القيام بنظم تلك المفردات والمعاني لاسهل عليكم مشاهدة المنظر والموقف، عساكم تعيشونه كما شهدناه ولو للحظة، او تستعيدون من خلالها شيئا من الذاكرة، ذكرى تلك الايام الحلوة، متضرعين الى الله العزيز القدير عودة اللاجئين الى اوطانهم واملاكهم.

كما ارجو اعتبار هذه القصيدة، بمثابة هدية مني ومن افراد المجموعة المشاركة في هذا الموقف، الى كل لاجئ متمسكا بمفتاح باب بيته الذي حطمه ذلك العسكري المزمجر.

 الهي قد رضينا الصبر
وطن قد تدمر:

هنا كانت مضاربنا ، هنا كانت حقول القمح والسمسم وما اثمر

هنا كانت مراعينا

هنا كانت مقايلنا

هنا كانت بيادرنا

هنا بيدر

هنا حقل

هنا واد كمثل النهر

هنا بستاننا الاخضر

هنا التفاح والرمان والعنبر

هنا ليمونة خضرا

هنا ،،، توتة طفولتنا ..تارجحنا كاجنحة، تنطنطنا كمثل الطير

هنا عين

هنا العليق قد ثور

الهي انت يا اكبر * فهل ابكي مصيري المر؟

هنا كانت سرايانا،

هنا كانت مصايفنا،

هنا كانت مشاتينا

هنا كانت مجالسنا

هنا في ظل خروب تبادلنا حكاوينا

تسامرنا حواديثا عشقناها وعشناها، نسجناها خيالا حر

حكايات نحاكيها، تحاكينا، يعطلها طلوع الفجر

الهي انت يا اكبر * فهل نبكي غياب الفجر؟

هنا مقيل

هنا بيدر

هنا عنبر

هنا مر

هنا مرمر

هنا امي عطتنا خبزها محمر

هنا خالي هنا عمي، وكان الخير في فمي عسل مصفر

الهي انت يا اكبر * على الاطلال هل ابكي بكاءا مر ؟

نعم، واكثر!!!!

هنا الصبار والنعناع والشومر

هنا العكوب والخبيز والزعتر

هنا الصفصاف والطيون والعبهر

هنا بيت، هنا دار، هناك الحوش والبندر

هنا ديوان قريتنا، هنا الكتاب والمحضر

هنا طابون جارتنا !!! خبزها منقش بزعتر

الهي انت يا اكبر * وللرحمن ما شاء وللرحمن ما قدر!!!!!

هنا كانت ملاهينا

هنا، عشنا طفولتنا

وما للطفل كي يذكر، سوى لعب ونسيان؟ وعين فيها بستان؟ وخبز الام كالسكر

وما بالطفل ان يذكر سوى ليل ثقيل الظل ؟

وطال الليل مسودا، فغاب البدر

وشمس لم تعد تشرق، فتاه الدهر

واذ نادى منادينا بصوت الذعر

يا سامعين الصوت” يا سامعين الجهر،

طبوا عليكم قوم، اصحوا وصلوا الفجر

طبوا عليكم قوم، اصحوا وصلوا الفجر

******************

اطل علينا صهيوني عن الانياب قد كشر

يباغتنا مثل عنتر

فحطم باب شقتنا وقد زمهر وقد زمجر

وقلب ما حواه البيت والاغراض قد بعثر

وقد دمر وقد كسر

وما بدل وما غير

وصوب نحو خالتنا وعمتنا وجارا كان مؤنسنا بوحشتنا

وكنت انا صغير السن، لم اكبر

صغيرا لم ارى عسكر

سالت ابي ومرعوب، اهذا يا ابي العسكر؟

وصال وجال في الميدان،

يسب ويشتم النسوان والصبيان كالازعر

ويقتل عنزة حبلى، بمقتلها عسى ينصر

وينحر نعجة اخرى، وصغرى لم تزل تكبر

ويصرخ : ان نطيع الامر كي نترك وان نرحل:

الهي انت يا اكبر * فهل نبكي رحيل الدار والدوار والبيدر؟

هنا سارت جحافلنا تجر الذيل للعسكر

فهل نيكي جحافلنا ؟ وهل نبكي عروبتنا ؟

وهل نبصق على حكام امتنا ؟ وقد باعوا قضيتنا، بلا فر ودون الكر

نعم يا حامي ضيعتنا، لقد بيعت قضيتنا، فلا تبكي عليك الصبر

وهل نبكي مشاعرنا ؟ وهل نطوي قضيتنا ؟ وهل نطفي مشاعلنا قبيل الفجر؟

لا ولا، والف لا، ولا،

فا لـــحلو مـــر

والارض جمر

والـــحر حـــر

فالصــبر امــر.!!!

عليك الصبر اسمعه لمن يسمع ، ومن في القبر.

الهي انت يا اكبر *

الهي ،،،،، قد رضينا الصبر

‫2 تعليقات

  1. رائعه جدا..

    لقد اثقلني الشوق والحنين …

    سلم قلمك وبوركت اخي احمد

  2. الف تحيه لك اخي احمد فهذه وصيتي لكل فرد من شعبنا”ان اكتبوا وصورا وانشروا عن اي شبر حللتم به في ارضنا لان الذاكره كالجسم ان لم تغذيها تضمحل.
    خالد حموده –

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة