دعوت على عمرو ….بكيت على عمرو

تاريخ النشر: 18/09/16 | 16:16

كثيرًا ما نردد هذا البيت: دعوت على عمرٍو فمات فسرّني *** فعاشرت أقوامًا بكيت على عمرو
نقول هذا البيت مثلاً عندما نتضايق من شخص، فنتخلص منه، فإذا بنا نلتقي من هو أدهى منه وأمرّ، فنتمنى أن نعود إلى الأول، لنمضي معه سيرتنا الأولى.
فمن الأمثال الي ترد بمعنى الوقوع في مصيبة أكبر: هرب من الدبّ وقع في الجبّ، من بير لبيّارة، و من الدلفة لحت المزراب، أو في الفصيحة- “كالمستجير من الرمضاء بالنار”؛لكن الأقرب إلى معنانا: “بتعرفش خيري حتى تجرب غيري”.ورد هذا البيت أصلاً في عدد من المصادر في الحديث عن شخص اسمه سَلم، وليس عن عمرو:

عتبت على سَلْم فلما فقدته *** وجرّبت أقوامًا بكيت على سَلم ………. رجعت إليه بعد تجريب غيره *** فكان كبُرءٍ بعد طول من السقم
يرى البغدادي في “خزانة الأدب”- ج5، ص 255- أن الشعر هو لابن عَرادة السعدي، إذ كان هذا مع سَلْم، وابن زياد في خراسان، وكان له مكرمًا، وكان ابن عرادة يتجنى عليه، إلى أن تركه وصحب غيره، فلم يُحمد أمره، فرجع إليه وقال البيتين.

انظر أيضًا الأبشيهي: “المستطرف…”، ص 254 (آخر الباب السادس والثلاثين)، وكذلك “زهر الآداب” للحصْري ص 1064، حيث يذكر المصدران أن سلم هو ابن زياد، وفي هذا اختلاف عن البغدادي، وورد البيت أيضًا مستقلاً في كتاب أبي حيان التوحيدي “الصداقة والصديق”- ص 119 ، وكذلك في “عيون الأخبار” لابن قتيبة ج2 ص 6 على أنه لنهار بن توسعة (ت. 702م).
يؤكد أبو حيان التوحيدي اختلاف الروايات في كتاب آخر له هو “مثالب الوزيرين” في (حديث الشاذباذي)، ص 135:”قال ما أخوفني أني إذا دُفعت إلى غيره بعده تمنيته فأكون كما قال الأول:
عتبت على بِشرِ فلما فقدته *** وجربت أقوامًا بكيت على بشر”.
يمضي التوحيدي في القول:”هكذا أنشد، وغيره ينشد على عمرو، والصحيح -على سلْم”.اما الذي ينشد “على عمرو فدليله ما ورد في كتاب “إعتاب الكتّاب” لابن الأبّار (ص 173):أن وزير المعتمد عيسى بن الفاسي هو صاحب البيت التالي:

عتبت على عمرو فلما فقدته *** وجرّبت أقوامًا بكيت على عمرو
وورد كذلك في كتاب “الوافي بالوفَيَات” للصفدي في مادة (أبو محمد الكاتب)، فيقول عن الشاعر أن اسمه عبسي (بالباء)، وهو شخص آخر – كما رأيت في ترجمة كل منهما.
وهذا البيت بهذه الصيغة ” بكيت على عمرو” ورد أيضًا في مكان آخر من كتاب “المستطرف…” ص 48 ضمن الفصل الرابع- في الأمثال من الشعر المنظوم، ولم يذكر لنا الأبشيهي اسم الشاعر هذه المرة.

إذن ثمة اختلاف في تحديد اسم الشاعر، وأنا أرى أن (نهار بن توسعة) هو الأقرب للقبول بشهادتَيِ التوحيدي وابن قتيبة، وفي رأيي أن قول ابن عرادة قد يكون استشهادًا بشعر غيره، وهذا أمر طبيعي في القصة.أما الأسماء التي استجدت في رواية “على عمرو” فهي لاحقة أو متأخرة تتناص مع ما سبقها.
هكذا ظل البيت يتردد حتى تغيرت كلمات في الوزن نفسه:دعوت بدل عتبت . فمات فسرني (للمبالغات) بدل فلما فقدته . فجربت وعاشرت تتناوبان والمعنى واحد.

على ذكر عمرو:سأختم بما رواه الكاتب المغربي عمرو بالحسن، أقتبسه من موقع (أحفير) لخفة ظله:
“قـال الشـعـر :دعوت على عمرو فمات فسرني *** وعاشرت أقواما بكيت على عمرو
وقال عمـرو بن كلثـوم :وما شر الثلاثة أم عمرو *** بصاحبك الذي لا تصبحيناويقـول النحـاة واللغويـون: “ضرب عمـرو زيـدًا”.كـل ذلـك للـدلالـة على أن اسـم “عمـرو” كـان منتشـرًا في المـاضي العـربي عمـومًـا. وقـد استمـر على ذلـك دهـرًا دون أن يمسـه الكـلل أو يهملـه السلـو والنسيـان. وهـم يزيـدون حـرف الـواو في آخـره ليفـرقـوا بينـه وبيـن اسـم “عمـر”.
وقـد ذكـر لي والـدي أنـه، في اليـوم المـوالي لمولـدي، رأى في منـامـه أحـد معـارفـه آنـذاك، وكـان اسمـه عمـرو، فـأصبـح عـاقدًا العـزم على أن يطلقـه علي، فلازمـني إلى الآن، ولعـلي سـوف أقـضي نحـبي وأنـا لـه من الحـامليـن. [….] ولا أختـم دون أن أعـرض إلى بعـض الشخصيـات القديمـة، التي منحـت لهـذا الاسـم قيمـة مضـافـة لا مـراء فيهـا. وأذكـر منهـم على الخصـوص:الصحابي والقائـد الكبير عمرو بن العـاص؛
والفارس العربي المغوار والصحابي عمرو بن معد يكرب؛والشاعر العظيم عمرو بن كلثوم، صاحب المعلقة التي مطلعها :ألا هبي بصحنك فاصبحينا *** ولا تبقي خمـور الأندرينـاثم الشاعر المشهور، الذي قتل وهو ابن السادسة والعشرين، عمرو بن العبد، المعروف بطرَفـة بن العبـد.ولا بد من ذكـر عمرو بن هشـام، أبي الحكـم، الذي لقبه النبي، صلى الله عليه وسلم، بأبي جهـل، لشـدة عداوته للإسـلام.
غيـر أن هنـاك عملاقـًا في تاريـخ العرب الأدبي والفكـري، حمـل هذا الاسـم، ألا وهـو عمرو بن بحـر، الملقب بالجـاحـظ، هذا الرجل الموسوعـة الذي ارتبط اسم اللغـة العربية بـه.
وهكـذا، يتبيـن أن هـذا الاسـم كـان دائمًـا له ألـق جـلي وشـأو بعيـد، رغـم مـا أصـابه، مع مـرور الزمـن، من وهـن وأفـول.”ولو صح لي أن أضيف على مقالة الكاتب لذكّرته برواية الجاحظ كيف أراد كتابة “كتاب المعلمين”، وتردد في ذلك إلى أن التقى معلمًا، فكانت حكايته معه حكاية طريفة، وقد ورد فيها هذا البيت: لقد ذهب الحمار بأمّ عمرو *** فلا رجعت ولا رجع الحمار.

ب. فاروق مواسي

faroqmwaseee

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة