جولة أدبية (13)

تاريخ النشر: 22/08/16 | 7:44

لو كل كلب عوى

س- هل لك أن تذكر لنا معنى هذا البيت، ومن هو قائله، وما هو إعراب (مثقالاً) فيه:
لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا *** لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ
الشاعر يعبّر إيحاء عن كثرة أعدائه المتربصين به، وهو لا يرى أن من الضروري أن يردّ عليهم، فهو يشبّههم بالكلاب، ويصف هجماتهم بأنها العُواء، فلو أراد أن يردّ على كل عواء لما بقي من الحجارة (التي نطرد بها الكلاب) إلا القليل الأقلّ، وبهذا يرتفع سعر الصخر أو الحجر- حسب قانون العرْض والطلب.
في هذا يقارب شاعرًا آخر في المعنى إذ يقول:

لقد جلّ قدر الكلب إن كان كلما **** عوى وأطال النبح ألقمته الحجر
ورد هذا البيت في شعر علي الغراب الصفاقسي (تونسي ت. 1767)- ، وقد ذُكر ذلك في الموسوعة الشعرية، وفي ديوان الشاعر.
لكن القائل يبقى مجهولاً إذا ما علمنا أن (الفارسكوري) قبله استشهد بالبيت، حيث يصف من صاغه أنه “حاذق في نظمه داري”، وإليك بيان ذلك:
يقول السخاوي (ت. 1497 م)- صاحب كتاب (الضوء اللامع) ج10 ص325:

الفارسكوري:
هو يوسف بن علي الفارسكوري الشافعي. أصله من فارسكور، فانتقل به أبوه إلى القاهرة، في سنة تسعين وسبعمائة تقريباً أو قبلها، وقرأ بها القرآن، ثم تحول إلى فارسكور، وكنت ممن كتب عنه بفارسكور، وكانت عُدمت عينه، فرأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في منامه فلمسها بيده الشريفة فصحّت.
ومما كتبته عنه قوله:

كم من لئيم مشى بالزور ينقله لا يتقي الله لا يخشى من العار

يود لو أنه للمرء يهلكه ولم ينله سوى إثم وأوزار

فإن سمعت كلامًا فيك جاوزه وخل قائله في غيه ساري

فما تبالي السما يومًا إذا نبحت كل الكلاب وحق الواحد الباري

وقد وقعت ببيت نظمه درر قد صاغه حاذق في نظمه داري

لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

إذن فالبيت قديم جرى مجرى المثل، وهو ليس للصفاقسي الذي ذكر البيتين:
ما بقبق الكوز إلا من تألمه *** يشكو من الماء ما يشكو من النار
لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا *** لأصبح الصخر مثقالٌ بدينار

وجولة نحْوية:
اختلاف في إعراب (مثقال)

أ- النصب- مثقالاً
قد يكون (الصخر) هنا مجازًا مرسلاً علاقته الكلية؛ بمعنى أن نستعمل الكل ونقصد الجزء (الذي هو الحجر الصغير جدًا)،
فعندها نفهم أن الحجر الصغير أصبح مثقالا، ونعرب اللفظة خبر أصبح منصوبًا، ويكون شبه الجملة نعتًا لمثقال. ولا ضرورة لتعمّل البحث عن المعنى بالتساؤل عن الوزن وكيف يكون ذلك في الإعراب، ففي قوله تعالى:
{ومن يعمل مثقال ذرة….}، نعرب (مثقال) مفعولاً به، فهل نحن نقوم بعمل المثقال؟

*ويمكن تأويل مضاف محذوف= لأصبح ثمن الصخر مثقالاً (منه) بدينار، وعندها يظل الإعراب خبر أصبح.
* قد تكون (أصبح ) تامة، وعندها تكون (مثقالاً) حالاً، على غرار (باع أرضه مترًا بألف دولار)، والمقصود مترًا منها.

ب- الرفع- مثقالٌ:
أفضّل قراءة اللفظة بالرفع- – مثقالٌ (وقد لاحظنا أن رواية الصفاقسي بالرفع).
أما الذي يسأل عن إمكان الابتداء بالنكرة هنا فالجواب هو:
ورد في شواهد النحو، وفي باب الابتداء بالنكرة: “السمن مَنَوان بدرهم”، أي منوان منه، أي من السمن.
فـ (مثقال) هي مبتدأ، ويكون شبه الجملة خبرًا عن “مثقال”.
ومن له اجتهاد مدروس فلا يضنّ!

فاروق مواسي

faroqq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة