إنها المكسيك… بلاد المايا والأزتيك

تاريخ النشر: 06/09/16 | 0:00

يصوّر فيلم «فريدا» الذي لعبت بطولته سلمى حايك الحياة التراجيدية للفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، التي خلّفت وراءها تراثًا فنيًا تشكيليًا رائعًا، وملامح حياة تجسّد مقدار الوجع والقلق والمعاناة الذي لفّ سنوات عمرها القليلة.
ولعلّ هذا الفيلم شكّل في ذاكرتنا السينمائية صورًا أخرى للمكسيك التي يداعب سحرها مخيّلة المخرجين الأميركيين، منذ عقود، فانبثقت ولا تزال تنبثق عنها أفلام تعكس صورًا لمهاجرين من المكسيك يعبرون نهر ريو غرانديه دال نورتي، الذي يفصل بين البلدين، بحثًا عن حياة كريمة في بلاد العم سام ليشكل النهر حدودًا متلاعبة بين الماء والوهم، وليكون أيضًا فاصلاً قاطعًا ويقف ماردًا يباعد بين شعبين وحضارتين.

تمتد المكسيك كبلد محكوم بالجغرافيا والتاريخ بين الولايات المتحدة الأميركية شمالاً وبحري المكسيك والكارييب غربًا وبليز وغواتيمالا جنوبًا والمحيط الهادئ شرقًا.
وللوهلة الأولى تكشف زيارتها عن تاريخ عريق لحضارات اندثرت مع سيرورة الأزمنة وتركت شواهد على عظمتها وقدرتها على محاورة الحضارات القديمة في زمن كانت وسائل الاتصال السريع شبه مستحيلة.
ولعل حضارة المايا التي شغلت بال علماء الآثار بأهراماتها التي تشبه أهرامات مصر الفرعونية خير دليل على هذا الحوار التاريخي الذي نقلته مراكب الشمس بين أفريقيا وأميركا اللاتينية.

مكسيكو العاصمة ومتحف فريدا كاهلو
هي أقدم عواصم الأميركتين، بناها ملوك الأزتيك عام 1325 على جزيرة في بحيرة تيكسكوكو. يمكن الادعاء أن مكسيكو هي عالم قائم بذاته، إنها مدينة تحتوي على الكثير من المعالم التي تروي تاريخ الأزتيك المجيد، تنقسم إلى 16 دائرة تضم أحياء، وخلال عقود تم دمج المدن العتيقة مثل كويواتشانCoyoacán وسان أنجيل وتلالبان Tlalpan ضمن الزحف العمراني الحديث، ولكن هذه المدن بقيت محافظة على أصالتها وجمالها المعماري وأناقته.
تضم كويواتشان هذه الضاحية العتيقة، لا كازا أزول La Casa Azul أو البيت الأزرق، وهو متحف فريدا كاهلو منذ عام 1958، كان المنزل الذي نشأت فيه فريدا والذي عادت إليه وأمضت سنواتها الأخيرة فيه.
بنى والد فريدا هذا المنزل عام 1907، وقد سكن فيه ليون تروتسكي صديق فريدا عندما وصل إلى المكسيك عام 1937. يضم المتحف أعمال فريدا الحرفية، إضافة إلى الأثاث الأصلي للمنزل وملابس فريدا وكل تفاصيل حياتها اليومية، وهو الوجهة السياحية الأولى في مدينة مكسيكو.
وبعد متحف فريدا، لا بد لك من المرور بساحه الثقافات الثلاث Plaza de las Tres Culturas التي يدل اسمها على ما تضمه، فهنا في بقعة واحدة اجتمعت هندسة معمارية لثلاث حضارات، الأزتيكية والإسبانية الكولونيالية والمكسيكية المعاصرة، وهنا أيضًا أطلال موقع احتفالي أزتيكي، وكنيسة سانتياغو تلالتيلوكو Santiago Tlatelolco التي تعود إلى عام 1609، وكلية سانتا كروز دو تلاتيلوكو Santa Cruz de Tlatelolco التي بنيت عام 1535.
أما الأطفال فلهم حصتهم التاريخية الترفيهية في زيارة مدينة مكسيكو في لا فيريا دو شابولتيبك ماجيكو La Feria de Chapultepec Magico… يقع هذا المتنزّه الترفيهي في شابولتيبيك، وهو المتنزه الأكثر شعبية لدى الأطفال، ففي هذا المتنزه كان أول Roller- Coaster في البلاد، وفي أرجائه لا بد للأطفال من أن يحوزوا الكثير من الترفيه الذي لا ينتهي.

أهرامات تيوتيهوتشان Teothihucan
إحدى أكبر مدن أميركا الوسطى، تبعد حوالى الساعة من العاصمة مكسيكو، مما جعلها المدينة الأكثر ارتيادًا للسياح الذين تجذبهم الظلال المهيبة لهرمَي: ديل سول del Sol أو الشمس، ولونا Luna أو القمر، والتي تسيطر على أطلال هذه المدينة الشاسعة، حتى بعد قرون من سقوطها في القرن الثامن، بقيت لفترة طويلة مزار العائلة المالكة الأزتيكية.

غواناجواتو Guanajuato
صُّنفت هذه المدينة التي تقع جنوب المكسيك ضمن لائحة التراث العالمي، فهي تضم آلاف الكنوز في واديها الضيّق، وأصبحت هذه المدينة التي اشتهرت بالمناجم، مدينة جامعية تتباهى بالساحات الجميلة، والمتاحف، والقصور الكولونيالية الفخمة والبيوت الزاهية الألوان.
وعندما تتبعين شوارع المشاة، عليك مراقبة ذهاب العابرين وإيّابهم، والاستمتاع بسحر موسيقى المارياشي، يعزفها رجال يعتمرون قبعات السامبريرو وينشدون بالإسبانية أغاني العشق والانتقام على أوتار الغيتار الخشبي والكمان والقيثارة، يرافقها إيقاع وقع أقدام العازفين الذي يتسارع كلما ارتفع إيقاع الآلات.
أو كوني جزءًا من هذه المتاهة المكسيكية، وانضمي مع طلاب الجامعات إلى احتفالات الشارع، وعيشي أجواء المكسيك بكل تفاصيلها.

حضارة المايا وأطلالها
في الوقت الذي لم يكن للجار الأميركي وجود أو سلطان، وكانت أوروبا تغوص في عصور الظلام، كانت إمبراطورية المايا تعيش في أوج الازدهار العلمي والرقي الاجتماعي. علماؤها منكبون على دراسة الكوزموغرافيا (علم وصف مظاهر الكون وتركيبته) وعلم الرياضيات والفلك واحتساب الوقت ووضع رزنامة له، واختراع كتابة هيروغليفية مايوية، فيما عمّالها وفلاحوها يشقون الطرق في وسط الأدغال ويحفرون الآبار لتخزين المياه ويشيّدون الموانئ البحرية لتنطلق منها السفن التجارية إلى ما وراء البحار.
لم يكن شعب المايا شعبًا محاربًا أو غازيًا، بل استطاع من خلال الاندماج السلمي بمجتمعات دويلات الإمبراطورية أن يبث ثقافته وعلومه من دون سفك للدماء. لذا تميّز نظام الحكم السياسي لإمبراطورية المايا باللامركزية، فكانت مؤلفة من دويلات مستقلة على رأس كل واحدة منها ملك، تلي ذلك طبقة النبلاء والكهنة ثم طبقة العامة.
لا تخلو حضارة المايا من الألغاز، خصوصًا أهراماتها التي تعدّ شاهدًا على عظمة هذه الحضارة ورقيّها، والتي تُظهر شغف شعوبها بالفن المعماري الاحتفالي المسرف بالتفاصيل والزخارف، ويبدو ذلك جليًا في المعابد والأهرامات التي شيّدت من دون استعمال آلات معدنية وفق علماء الآثار.

التاجين El Tajin
وسط طبيعة خلابة تبهر الأبصار، وعلى مسافة زمنية تبعد عشر دقائق عن بوتزا ريكا، تقوم أطلال مدينة «التاجين» التي شيّدت في الحقبة الممتدة بين عامي 600 و1150 ميلادية، والتي كانت من أهم المدن المقدّسة لدولة فيراكروز، إحدى دويلات إمبراطورية المايا. والتاجين وفق أساطير المايا تعني «مدينة المطر والرعد والصواعق» وقد أطلق التوتوناك، إحدى قبائل المايا، عليها هذا الاسم.
تزخر المدينة بالمعالم الأثرية الفريدة التي تعود إلى تلك الحقبة، وأهمها هرم لوس نيكوس الذي يمثّل فن عمارة التوتوناك. ترتكز هندسة الهرم على المبادئ الفلكية ولعبة الأنوار، فينبثق من مزيج الظلال والنور سحر يجعلك تعيشين عالم المايا الكوزموغرافي. يتضمن الهرم 365 كوّة ترمز إلى عدد أيام السنة، لوّن باطنها بالأحمر، ومحيطها الخارجي بالأزرق.
ويعرض سطح الهرم نماذج لحيوانات وعالم الفردوس التوتوناكي. وفي البهو الكبير كانت تقام الطقوس الدينية، منها رقصة رجال الطيور والتي تعرف باسم بابانتا أو لوس فولادوريس.

شيتشن إيتزا Chichen Itza
تقع شيتشن إيتزا شمال مقاطعة يوكاتان وتبعد عن ميريدا 120 كيلومترًا. وتقسم شيتشن إيتزا في لغة المايا الى ثلاث كلمات وهي: شي وتعني الفم، وتشين وتعني البئر، وإتزا وهي اسم الشعب الذي بنى المدينة عام 534 ميلادية. استعادت هذه المدينة موقعها الديني والثقافي من يوكاتان في مطلع القرن الخامس، وسكنتها شعوب عدة، منها المايا والتولتيك.
يعدّ هرم كوكولكان، والذي يعرف أيضاً باسم كاستيللو، ومعبد الجاغوار من المعالم الأثرية المهمة في المدينة. تظهر الزخارف التي تصور تجاور أفاعي الريش التي تعود إلى التولتيك، ورموز المايا، قدرة هاتين الحضارتين على تثبيت معتقداتهما في هذه المدينة.
ويكشف بئر سينيتو ساغرادو الضخم الذي يبلغ عمقه عشرين مترًا عن طقوس غريبة للمايا لا تخلو من الرهبة، ففي هذا البئر كانوا يرمون قرابينهم من البشر، خصوصًا النساء والأطفال خلال فترة الشح. وتعكس الأسطوانات الذهبية المحفورة في قاع البئر إبداع فن المايا المتمازج مع قرينه التولتيك.

ريفييرا المايا
عندما يقال ريفييرا، تحضر في بال الواحد منا صور الريفييرا الفرنسية وجمال الكوت دازور وترف العيش فيها. ويبدو أن كلمة ريفييرا ارتبطت دائمًا بهذه الصور وهذا الأسلوب المترف في العيش مهما اختلفت البلدان والأزمنة.
فريفييرا المايا، التي تقع شرقي ساحل يوكاتان، واحدة من أهم المدن الساحلية السياحية في المكسيك، تكشف مناطقها عن سحر الشواطئ اللؤلؤية والحياة المخملية، مما يجعلها مرتعًا ساحرًا لطلاب السُمرة والاسترخاء. تضج منطقة بلايا ديل كار بالبوتيكات التي تعرض لأهم دور الأزياء العالمية، وتجاور مقاهي الرصيف المطاعم التي تفوح منها الروائح الحرّيفة للمطبخ المكسيكي.
وتضجّ تولوم بلايا بالتناقضات الفريدة، إذ تنتشر على شواطئها الأكواخ الخشبية، والمقاهي التقليدية، يزيدها سحرًا وجود «مايا تولوم»، وهو المعلم الوحيد الذي أسّسه شعب المايا على الساحل. وتنقل العبّارات السياح إلى كوزمول أكبر جزر المكسيك، ويعني اسمها بلغة المايا «منطقة العصافير»… تعتبر الجزيرة المكان المثالي لهواة الغطس حيث يكتشفون في أعماق البحر عالمًا مبهرًا.

Untitled-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة