ملاحظات حول فيلم “مفرق 48”

تاريخ النشر: 04/06/16 | 17:36

تسنى لي يوم الأحد الفائت مشاهدة فيلم “مفرق 48” وذلك في اطار حفل التدشين والذي جرى في مدينة الناصرة. أنا وجمهور غفير في قاعة وباحة مؤسسة “سينمانا” تأثرنا بما شاهدنا من مشاهد تجسد الواقع الذي تعيشه الأقلية العربية في مدينة اللد، وتفاعلنا مع أحداث الفيلم والتي تصاعدت بإيقاع مثير وسريع.
هذا الايقاع والأحداث المتسارعة وليدة مَنْتَجَة متناغمة مع قصة الفيلم، وهي قصة حب تدور بين شاب وشابة يعشقان موسيقى الهيب هوب، ويستعملانها سلاحا ضد قمع السلطات ولمحاربة الجريمة في المجتمع العربي.
قصة الحب في الفيلم هي بمثابة الأرومة التي تعطيه نكهة وبعدا، القصد أن الفيلم بمضمونه يعرض قصصا يعيشها الانسان العربي في البلاد، وهذه أول مرة يوضع فيها العربي في اسرائيل في مركز صناعة الافلام الاسرائيلية والعالمية.
انحسار فرص العلم والعمل أمام المواطن العربي وانعدام جودة الحياة في المدينة، قضايا جسدها الفيلم بحبكته وأبطاله: كريم (تامر النفار)، مغني الراب ابن مدينة اللد، التي تعيش واقعا صعبا للغاية تستحوذ وتهيمن عليه مظاهر العنف والتجارة بالمخدرات والتمييز، يموت والده (بيان عنتير) في حادث سير ليبقى مع والدته (سلوى نقارة) المُقعدة نتيجة الحادث. كريم بالكاد يسترزق من عمله في مكاتب التنفيذ، يعشق منار (سمر قبطي) ومعا يحلمان باحتراف الفن، لكن القوى المحافظة في المجتمع العربي تحول دون ذلك.
منار مغنية شابة جميلة وموهوبة تريد بشدة احتراف الفن لكن عائلتها النواة والموسعة – المتمثلة بأولاد عمها –تقف عقبة أمامها. فنهج وطريق منار يتعارض مع المجتمع ومع العادات والتقاليد.
قضية الأرض والمسكن أيضا طرحها الفيلم من خلال مواجهة كريم أوامر تنفيذ هدم بيت صديقة طلال لصالح بناء متحف للتعايش العربي اليهودي. هذا التناقض يمكن ملامسته وإسقاطه على مدينة اللد التي يراها البعض غيتو يُضيّق فسحة الأمل ومتنفس الحياة والبعض الآخر يرى بها محمية للتعايش المشترك. في الفيلم نرى ضيق العيش في اللد وفي احدى السهرات زملاء كريم اليهود يشاركونه “طرفة” الاعتداء على مسن فلسطيني في حاجز قلنديا، لنعود فيما بعد لوالدة كريم التي أمست غداة الحادث معالجة روحية وطاردة للعين والجن، حيث نراها تقصد بيتا تقطنه عائلة يهودية متدينة طلبت مساعدتها.
رغم الصعوبة الهدم والاعتداء من جهة، إلا أن الفيلم يوثق ولو للحظات الوجود المشترك من خلال زيارة والدة كريم للعائلة اليهودية ونظرات الاعجاب التي يتبادلانها أخ كريم وابنة العائلة اليهودية.
كريم يفقد صديقة طلال الذي راح ضحية التجارة بالمخدرات أو بالأحرى ما يقوله الفيلم أن طلال هو ضحية المؤسسة فالمخدرات التي كان عليه بيعها دفنت تحت أنقاض بيته الذي هدم ولم يكن بالإمكان ايجادها.
قضية الهجرة والتهجير تصلنا بدمعة ترقرقت في عين الممثل طارق قبطي الذي جسد حياة الفلسطيني. الإنسان الفلسطيني الذي تم ترحيله في العام 1948 لكنه أصر على العودة لبيته وماشيته وفي النهاية بيته هدم.
قوة الفيلم بأبطاله الذين يجسدون الشباب المعاصر الرافض للخنوع. لا شك أن لتامر النفار الذي أبدع غناءا أداءا وتمثيلا بصمة جلية على سيناريو الفيلم والموسيقى التصويرية، كذلك كان هنالك حضور لافت للممثلة سمر قبطي التي جسدت بدورها صراع المرأة العربية ضد التمييز المجتمعي الممارس ضدها ونضالها من أجل حريتها في تقرير المصير والمساواة وتحقيق الذات.
“مفرق 48” من اسمه يجسد صراعات الهوية والصراعات اليومية التي يعيشها العربي في البلاد عامة وفي مدينة اللد المختلطة خاصة. هذه الصراعات بين التطلعات القومية وبين المواطنة، المفاهيم داخل المجتمع التقدمية من جهة والمحافظة من جهة أخرى، العنف مقابل الإبداع، والفردانية أمام العائلية. صراعات عميقة يطرحها أو بالأحرى يلامسها الفيلم، وشخصيا لا أتوقع أن يعالجها كونة دراما روائية – موسيقية في المقام الأول والأخير.
أنصحكم بمشاهدة هذا الفيلم المميز الحائز على جائزة أفضل فيلم سينمائي عالمي في مهرجان تريبكا في نيويورك، وجائزة أفضل فيلم روائي في فئة بانوراما في مهرجان برلين السينمائي وفقا لاختيار الجمهور.

بقلم: ربى ورور

1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة