تشبيه في القرآن وفي الإنجيل في معنى الإستحالة

تاريخ النشر: 29/05/16 | 9:58

ورد في الذكر الحكيم وفي سورة الأعراف- 40:(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ).
الكافرون والمستكبرون لا يدخلون الجنة حتى يدخل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسمًَا، في خرق الإبرة، الذي هو من أضيق الأشياء، وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال.
في بعض القراءات الجُـمّـل (بضم الجيم وتشديد الميم) ويعني حبل السفينة الغليظ، لكن الأعلى والأشيع هو الجَمَل – ابن الناقة (انظر ابن حيّان- المحيط ج4 ص 297- 298).
أيًا كانت القراءة فمعنى الاستحالة قائم.
هذا المعنى ورد في إنجيل متّى في الإصحاح التاسع عشر (23- 24)
“قال يسوع لتلاميذه: الحقَّ أقول لكم: إنه يعسُر أن يدخل غنيّ إلى ملكوت السماوات! * وأقول لكم أيضًا: إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله”.
كما ذكر ذلك بتغيير طفيف في إنجيل مرقس (الإصحاح 10، 24- 25):
“ما أعسر دخول المتّكلين على الأموال إلى ملكوت الله *
مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله”.
لاحظنا أن استحالة دخول الجنة كانت في القرآن موجهة للكفار المستكبرين أو المجرمين، بينما هي في الإنجيل تتعلق بالأغنياء الذين لا ينفقون.
في معنى النحول فطن القاضي الفاضل وهو يشرح عن معاناته:
ولجتُ من اللطفِ سَم الخياط *** وأشكو من الحظّ ضيقَ المجال
لاحظنا أن دخول الجمل في ثقب الإبرة هو من أمثال التأبيد، وقد عرفت العرب في أمثالها وأقوالها نحو ذلك، فقالوا “إذا شاب الغراب”، “حتى تطلع الشمس من مغربها”، ” حتى يرجع الدَّر في الضِرع”، “حتى يبيضّ القار”، “حتى تقع السماء على الأرض”. وكل ذلك لا يقع، وإنما هو تعجيز.
من شعر بِشر بن أبي خازم في ذلك:
فرَجّي الخير وانتظري إيابي *** إذا ما القارظُ العَنزيّ آبا
القارظ- رجل من قبيلة عنزة ذهب ليجتني القَرَظ- شجر يُدبغ به، ولم يعد هذا الشخص القارظ، ويقال هما اثنان (حتى يئوب القارظان)، ونحن بالطبع لا نستخدم هذه التعابير في عصرنا لبعدها عن واقعنا.
ومثل هذا قول النمِر بن تَولَب:
وقولي إذا ما أطلقواعن بعيرهمْ *** يلاقونه حتى يئوب المُنَـخّلُ
( المنخل اليشكري هو الشاعر الذي قتله النعمان)
وقول النابغة الذبياني:
وإنك سوف تحلم أو تناهى *** إذا ما شبت أو شاب الغراب
(انظر نماذج أخرى في كتاب أبي سلام الجُمَحي: طبقات فحول الشعراء ج1، ص 184- 185).
إن هذا التمثيل أو أمثال التأبيد واردة كذلك في لهجاتنا المحلية فنقول: إذا بينوّر الملح، أو حتى يطلع الجحش ع الميذنة، حتى تطبّق السما ع الأرض، إذا بيطلع في إيدي شعر… إلخ
يقول البلاغيون في هذا النوع من المبالغة: ” نجد إخراج الممكن من الشرط إلى الممنّع، ليمنّع وقوع المشروط”.
سأحدثكم عن أُحْجية وجّهها لي نجّار من طولكرم بُعَـيد الاحتلال، فقد سألني عن شرح بيت شعر ذكر لي أنه استعصى على الكثيرين، والبيت هو:
ولو أن ما بي من جوًى وصبابة ٍ *** على جملٍ لم يدخل النار كافر
لقد وجهتني الآية إلى الحل:
الشاعر يقول إن الهوى قد جعله نحيفًا هزيلاً، فلو كان ما ألمّ به قد أصاب الجمل، لهزُل واستطاع هذا الجمل أن يدخل ثقب الإبرة، وبالتالي فإن الكافرين لا يدخلون النار، كما أوعدت الآية، بل يدخلون الجنة.
بالطبع هناك مبالغة وإيغال أو غلوّ، ولكن جمال البيت وشرحه مقترن بفهم الآية، وفي حل الأحجية متعة يعرفها من يهتدي إلى الجواب.
بحثت عن بيت الشعر فوجدته باختلاف يسير في (خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حِجّة الحموي،ج2، ص 14 حيث يذكر:
“ومما استشهدوا به على نوع الإغراق بـ “لو” التي يمكن الإغراق بها عقلا ويمتنع عادة
قول القائل:
ولو أن ما بي من جوى وصبابة … على جمل لم يبقَ في النار كافر
يريد أنه لو كان ما به من الحب بجمل لنحل حتى يدخل في سَمّ الخِياط، وذلك لا يستحيل عقلا إذ القدرة قابلة لذلك، لكنه ممتنع عادة وهذا غاية في الإغراق”.

ب.فاروق مواسي
faroqmwaseee

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة