أعط الخبز للخبــــاز

تاريخ النشر: 20/10/13 | 1:03

ها نحن على أبواب الانتخابات، وثمة من رشح نفسه فأرهق عائلته ماديًا ومعنويًا، وأحرج أصدقاءه وأقرباءه، وادعى بطاقته وقدرته، وصال وجال دون أن يراجع أو يحاسب نفسه، ولله في خلقه شؤون أي شؤون! ومن كتابي "حديث ذو شجون"- الناصرة: مكتبة النهضة- 1994، ص 85 أعيد نشر هذا النص لعل هناك من يعتبر، ومن الإشارة يفهم.

أعط الخبز للخباز!

وهذا المثل بالعامية " أعط الخبز للخباز ولو أكل نصه " يحضنا أن نعترف بذوي الفضل والكفاية، ويقابله في أمثله في أمثلة العرب: (أعط القوس باريها)، لأن بري القوس فن لا يحذقه إلا من أوتي المران فيه ، قال الشاعر القديم:

يا باري القوس بريًا لست تحسنُها

لا تفسدَنْها وأعطِ القوسَ باريها

فانظروا حولكم وتفحصوا واقعنا العربي، ولنأخذ شريحة الوظائف:

فهذا مدير قسم نزلت عليه الوظيفة كالوحي.

وذلك قاض لا يحسن قراءة آية.

هذا مفتش كبير بقدرة قادر، وذلك مستشار وزير اسم الله عليه.

هذا رئيس مجلس، أو مرشح للرئاسة،

وذلك أستاذ خطير وفلتة زمانه..

مناصب ومسؤوليات أصحابها كحجارة الشطرنج ليست في خاناتها، ولا تقوم بأدوارها.

بعضكم يهز رأسه عجبًا، وبعضكم سيلعن الزمن/ الحظ / الدَ.. أسفًا..

ومكر أرباب السلطة الذين يخطون وفق رؤاهم ومقتضياتهم لا يخفى على من يحمل دماغًا، يخلقون التشكيك والتردد في مجمل الأحكام،

يقتلون الثقة والاعتماد على النفس حتى تضيع (الطاسة)،أو تختلط الحدود، فلا يُعرف ذوو الفضل والمعرفة.

فإن كنت مختصًا زجّوا لك بمن يتطاول عليك، فإذا أنت مجرد نكرة..

وإن كنت أديبًا "ينــبز" لك أكثر من شويعر تحت ضِبنك – ضعيف يقاويك، قصير يطاولك.

وإن كنت حُجة في موضوعك ستشبع قهرًا وأنت ترى الجهلاء يتربعون على السدة والدست يحكُمون ويحكَّمون، ويأمرون وينهَون، وأنت لا تهش ولا تنش، ولا تصل كلمتك إلى أذن ولا يرددها لسان.

والمسؤولية تقع في تصوري أولاً وقبلاً على الذي يقبل وظيفة ليست في طاقته، على الذي يلبس ثوبًا فضفاضًا ليس مفصلاً على حجمه، ورحم الله امرءًا عرف حدَه ووقف عنده، فبعد عنه التغابي والتجاهل والادعاء.

ورد كذلك في الحديث الشريف: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ..

فهل يتقن المدعي عمله؟ أم يغريه الراتب والسيارة ورضا الحاكم حتى يقبل وجهه مشوهًا؟

كتب د.حامد عمار في كتابه (بناء البشر) وهو يستعرض صفات الشخصية (الفهلوية):

"ويتصل بالنزعة إلى الطمأنينة في الفردية رغبة في الوصول إلى الهدف بأقصر الطرق وأسرعها ، وعدم الاعتراف بالمذاكرة كوسيلة طبيعية للنجاح في الامتحانات، بل أن الفهلوي هو الذي ينجح دون الالتزام للعناء الذي يتطلبه التحصيل".

ومن الغريب العجيب أن بعض هؤلاء (الوُصوليين) يعرفون أنفسهم حق المعرفة، ومع ذلك يتمادَون في الانتهازية والادعاء، ولم يقابلوا الأمر بالسخرية كشأن (بكري) بطل هذه القصة التي سأسوقها:

وأصبح بكري قاضيًا!

……………………..

يحكى أن شخصًا كان يعتدي على الحُرمات، ويكثر من السرقات، وكان اسمه بكري.

رأى الوالي أن أفضل وسيلة للتخلص من شرور بكري هي أن يعينه قاضيًا.

بينما كان القاضي بكري على رأس جنازة ضخمة لعالم من علماء المسلمين، وإذا به يأمر الجنازة أن تقف في عُرض الطريق، ويأمر أن ينزلوا النعش على الأرض، ويكشفوا عن وجه الميت ..

استاء الناس كثيرًا لهذا التصرف الغريب لما فيه من إساءة لحرمة الميت.

لكن بكري تقدم إلى الميت، وأخذ يهمس في أذنه، ثم أمر بمواصلة موكب الجنازة.. …

شكا الناس هذا التصرف إلى الوالي، فلما حضر القاضي إليه أخذ الوالي يعاتبه على فعلته المنكورة، وبكري يطرق رأسه لا يحير جوابًا.

– ولكن ماذا همست للميت؟.. سأل الوالي، ووعده إذا أجاب صادقًا أن يعفو عنه.

– قلت له إن سألوك في العالم الآخر عن أحوال الدنيا فقل لهم:

" لا تسألوا، قل لهم: أصبح بكري قاضيًا".

وهم بالطبع سيستنتجون حقيقة الأحوال يا سيدي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة