عيون على صهيون…الإرهاب والمقاومة المشروعة

تاريخ النشر: 28/05/16 | 7:18

عاد، مرة أخرى، الحديث عن “الإرهاب”، و”العنف” بعد أن تعرضت الولايات المتحدة لهجمات عن طريق استخدام طائرات أمريكية تتبع شركات داخل الولايات المتحدة فى أعمال عنف شديدة ومؤلمة، راح ضحيتها عدة آلاف من المواطنين . فقد عانت عدة دول فى العالم الثالث بل وفى العالم الأول المتقدم من ظاهرة “الارهاب والعنف المسلح”، وإن كان بدرجات متفاوتة، منذ السبعينات من القرن العشرين، وتزايدت فى الثمانينات، وتراجعت فى التسعينات من حيث الحجم، ودرجة الحدة أو من حيث طبيعتها عموماً.
إلا أنه مع بداية القرن الحادى والعشرين، وفى العام الأول منه (2001م)، فقد اشتعل الاهتمام بالحديث حول هذا الموضوع مرة أخرى، بعد أن تصور كثيرون أن الظاهرة دخلت فى دائرة “الأفول” ودخل مصطلح “الارهاب”– والمقابل له فى اللغة الانجليزية كلمة “Terrorism” إلى دائرة الضوء، وأصبح محور الحديث فى كافة وسائل الاعلام، ومحورًا لتعليقات السياسيين بعد ما سقط برجا التجارة فى نيويورك، وتدمير جزء من مبنى البنتاجون بوزارة الدفاع الأمريكية فى واشنطن، فى الحادى عشر من سبتمبر الماضى. وكان من جراء حجم الخسائر المادية والمعنوية والبشرية التى منيت بها الولايات المتحدة، أن ظهر رد الفعل الأمريكى موازياً لما واجهته هذه الدولة الكبرى فى محنة عصيبة لم تشهدها من قبل. فأعلنت الحرب على الارهاب، وأذاعت أنه لابد من العمل تحت مظلة “التحالف من أجل الأرهاب”.
وبدأت الحرب ضد أفغانستان استنادًا إلى أنها مأوى “الإرهاب”، وتداعت الأحداث والسلوك الدولى بقيادة الولايات المتحدة، حيث امتد الحديث حول الارهاب إلى كل ما يبدو أنه يتعارض مع المصلحة الأمريكية والغرب واسرائيل. وقد اتضح ذلك من خلال ذلك التداخل بين ما يسمى بالارهاب، وبين الحق فى مقاومة المحتل الغاصب للأرض والشعب والثروات.
وامتدت الحرب الأمريكية إلى غزو العراق فى 20 مارس 2003، حتى سقطت بغداد فى التاسع من إبريل 2003، واشتعلت المقاومة العراقية بلا توقف وتكبد الاحتلال الأمريكى خسائر بشرية ومادية بلا حدود. وحاول الأمريكيون أن يلصقوا بالمقاومة العراقية صفة “الإرهاب”.
ومن ثم فإنه من الأهمية إيضاح هذه الحدود بين “الإرهاب” الذى يتسم باللامشروعية فى عمومه، وبين حق “المقاومة” والذى يتميز بمشروعيته وفق القانون الدولى والتاريخ الإنسانى، ولإيضاح حدود هذه العلاقة يمكن تناول عدة نقاط هامة.
أولاً : الجدل المحيط بمصطلح ” الارهاب”
خلصت إحدى الدراسات الهامة إلى أن هناك نحو مائة وتسعة تعريفاً للارهاب وضعها أبرز الدارسين لهذا الموضوع وهو “أليكس. ب سشميد ” (Alex p. Schmid) فى مؤلفه عن “الإرهاب السياسى عام 1983” مما يعكس تعدد الرؤى إزاء مصطلح الارهاب. ومع ذلك فان كثيراً من الباحثين يلتقون حول تعريف شائع للارهاب السياسى هو:
“أنه فعل رمزى، يتم لإحداث تأثير سياسى، بوسائل غير معتادة، مستلزماً استعمال العنف أو التهديد به”(1).
ومن ثم فنحن إزاء أربعة عناصر محددة هى:
– فعل من أفعال العنف، أو التهديد به.
– انطواء الارهاب على سمات معينة غير معتادة أو غير عادية تتجاوز ما هو شائع فى المجتمع خلقاً أو عرفاً أو قانوناً، أى أنه يتضمن انتهاكاً عمدياً للقواعد الأساسية للسلوك الإنسانى.
– الطابع الرمزى للفعل الإرهابى: أى استهداف توجيه رسالة إلى كافة الضحايا المحتملين الآخرين لإيقاع الرعب فى قلوبهم.
– استهداف التأثير على السلوك السياسى للآخرين.
ويرى د. أسامة الغزالى تعليقاً على هذا التعريف، بأنه تعريف للإرهاب السياسى ذات طابع “فنى” بالدرجة الأولى، وهو ما يتسق مع النظر إلى الإرهاب “كأداة” أو “وسيلة” لتحقيق أهداف شتى معينة. ولذلك فان النظر إلى الارهاب يجب أن يرتبط بأهدافه وبالأطر المنغمسة فيه، لفهم وتحليل الظاهرة الإرهابية على نحو أفضل. ويطرح بالتالى ثلاثة معايير تساعد على تصنيف الارهاب السياسى هى(2):
المعيار الأول: الهدف من الفعل الارهابى
للتفرقة بين “الإرهاب الثورى” المتجه إلى قوة أجنبية مستعمرة، أو نظام قائم مستبد غير ديموقراطى، وبين “الإرهاب المضاد للثورة” لتكريس السيطرة والنفوذ الأجنبيين أو تدعيم أشكال الديكتاتورية والاستبداد واللامساواة.
المعيار الثانى: هوية الطرف الذى يقوم بالفعل الارهابى
للتمييز بين القائم بالفعل الإرهابى (فردًا أو جماعة غير رسمية) وبين القائم بذلك مؤسسة رسمية تابعة لجهاز الدولة أو الدولة نفسها، ومن ثم يمكن التفرقة بين “إرهاب رسمى ومؤسسى”، أو “إرهاب غير رسمى”.
المعيار الثالث: النطاق الذى يتم فيه الفعل الإرهابى
ويمكن الحديث إذن عن “إرهاب وطنى أو محلى” (ينتمى أطرافه كلها إلى مجتمع واحد ودولة واحدة)، وعن “إرهاب دولى” (ينتمى أطرافه إلى أكثر من دولة واحدة وتمتد أصداؤه الى المجتمع الدولى ككل).
وفى ظل هذه المعايير الثلاثة وبمزاوجتها ، فانه يمكن استخلاص ثمانية أنماط نظرية للارهاب:
– (إرهاب ثورى– محلى – غير رسمى)، و (إرهاب ثورى – محلى – رسمى)
– (إرهاب ثورى– دولى – غير رسمى)، و (إرهاب ثورى – دولى – رسمى)
-(إرهاب مضاد للثورة– محلى-غير رسمى)،و(ارهاب مضاد للثورة–دولى– رسمى)
-(إرهاب مضاد للثورة–دولى-غير رسمى)،و(ارهاب مضاد للثورة– دولى– رسمى)
وعلى هذا النحو فان التعريف والتحديد وما تمخض عنها من امكانية الحديث عن عدة أنماط للارهاب وفق وجهة النظر الموضحة، يشير إلى التأكيد على استخدام مصطلح “الإرهاب” فى كافة المواقف، وأن التمييز فى الدرجة والنمط وفق الأهداف المبتغاة، وليس باعتباره مجرد وسيلة أو هدفاً فى ذاته. بعبارة أخرى فان هذه الرؤية تسمى كل ظواهر العنف أو التهديد به بالإرهاب.
ولاشك أن هذه الرؤية، قد تسهم فى كثير من الالتباس لأنها تسهل كثيراً من اضفاء صفة الارهاب على أى فعل والذى يتغير هدفه وفق الفاعل أو المفعول بالتوافق أو التعارض.
فكل حركات المقاومة الوطنية، بهذا المعنى، وحركات التحرير الساعية للاستقلال هى ظاهرة إرهابية ولكنها محددة الهدف، بينما هناك ظواهر إرهابية أخرى تعبر عن نفسها باعتبارها هدفاً فى حد ذاته. ويحتاج الأمر إلى تمييز تجنباً للتداخل الذى قد يثير غموضاً أكثر منه وضوحاً، ويعطى الفرصة للمستهدفين بالمقاومة، بالنيل ممن يعارضونهم بحجة أن أعمالهم فى ظاهرها تعبر عن “إرهاب” حتى ولو لم يكن الأمر حقيقة.
وهناك من يرى “الإرهاب” على أنه جريمة ضد الانسانية تتم بترويع أو ترهيب أو الاضرار بالبشر أو الممتلكات أو حقوق الانسان سواء فى إطار دولة أو فى إطار المجتمع الدولى(4). وقد استخلص صاحب هذا الرأى ذلك من واقع معايشته لمؤتمر تطوير وتأكيد قواعد القانون الدولى الإنسانى الذى شاركت فيه جميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة الأعضاء فى اتفاقيات جنيف وكذلك المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان والذى عقدت دوراته على مدى سبع سنوات منذ عام 1971 – وحتى عام 1977 فى مقر الأمم المتحدة الأوربى فى جنيف. فضلاً عن أن هناك من يحدد تعريف “الإرهاب”، بأنه التطرف فى استخدام أو التهديد باستخدام العنف لأغراض سياسية، باعتبار أن العنف المستخدم – أيًا كانت درجته، يستخدم كرمز أكثر منه كفعل مادى. فضلاً عن التأثير النفسى الذى يحدثه استخدام العنف على الطرف المستهدف به، بما يجبره على تغيير سلوكه أو رد فعله من قضية ما وفق التخطيط المستهدف(5).
كما تحدثت الأمم المتحدة من خلال مواثيق دولية عديدة عن ماهية الأعمال الإرهابية وعدم مشروعيتها فى ضوء أحكام القانون الدولى باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، ومن ذلك(6) :
– مجموعة الأعراف الدولية الخاصة بتقرير الحماية الانسانية لكل أفراد البشر وتحريم تعرضهم شخصياً أو ممتلكاتهم لأية اعتداءات. واستقر ذلك منذ مؤتمرات لاهاى 1899، 1907، وكذلك مؤتمرات جنيف لعام 1929، وعام 1949 وجميعها أصبحت قواعد قانونية دولية ملزمة.
– قانون مجلس الحلفاء رقم (10) بشأن معاقبة الأشخاص المرتكبين للجرائم ضد الانسانية الصادر فى 6 ديسمبر 1945 .
– مشروع قانون الجرائم ضد سلام وأمن الانسانية الصادر بوثيقة الأمم المتحدة رقم أ/2693 لعام 1954 .
– مشروع قانون الجرائم التى يتم ارتكابها ضد أمن وسلامة البشرية والتى وضعته لجنة القانون الدولى فى جلستها رقم 48، والذى ورد فى وثيقة الأمم المتحدة رقم 32 لسنة 1996، والذى حدد الأعمال اللاإنسانية التى تدمر السلامة البدنية أو الفعلية أو كرامة الإنسان والأضرار البدنى الشديد وانتهاك حقوق الإنسان.
– كذلك حدد النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية فى المادة السابعة الجرائم ضد الانسانية، فضلاً عما اعتبره المؤتمر الدولى لتحريم استخدام الأسلحة اللإنسانية (البيولوجية والكيماوية وغيرهما)، من أن استخدام مثل هذه الأسلحة يعد عملاً إرهابياً.
وفى ضوء ما حدث فى الحادى عشر من سبتمبر الماضى، فقد سارع مجلس الأمن وبتأثير من الولايات المتحدة، إلى اصدار قرارين لمواجهة الارهاب:
أولهمـا: قرار رقم (1368) فى 12 سبتمبر 2001م.
وثانيهما: قرار رقم (1373) فى أول أكتوبر 2001م.
وقد أشار القرار الأول رقم (1368) الصادر فى 12 سبتمبر 2001م، إلى التأكيد على مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة وعلى عزمه على مكافحة تهديدات السلم والأمن الدوليين الناجمة عن أعمال الارهاب، بكل السبل، وإقرار “الحق الأصيل” فى الدفاع الفردى والجماعى عن النفس وفق الميثاق. وهنا فإن مجلس الأمن يستند إلى المادة رقم (51) من الميثاق فى إقراره لمشروعية الدفاع الفردى والجماعى عن النفس كحق للدولة بمفردها أو ضمن مجموعة من الدول، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلام والأمن الدوليين ثم أدان مجلس الأمن الهجمات الإرهابية فى 11 سبتمبر، واعتبرها شأن أعمال الإرهاب تهديداً للسلم والأمن الدوليين. ثـم عبر المجلس عـن تعاطفه مع شعب وحكومة الولايات المتحدة لما حدث، ودعا كل الدول للعمل معًا وعاجلاً لتقديم الفاعلين والمنظمين والقائمين على تلك الهجمات الارهابية للعدالة مع محاسبة المسئولين عن مساعدتهم أو دعمهم أو ايوائهم. كذلك دعا المجلس المجتمع الدولى لمضاعفة جهوده لمنع وقمع أعمال الأرهاب وفق الاتفاقيات الدولية المتصلة بمكافحة الارهاب، وأكد المجلس على استعداده لاتخاذ الخطوات الضرورية للتعامل مع هجمات 11 سبتمبر الارهابية، ومناهضة كل أشكال الارهاب وفقاً لمسئولياته فى اطار ميثاق الأمم المتحدة.
أما القرار الثانى رقم (1373) الصادر فى أول أكتوبر 2001م، وإن أكد على بعض مواثيق الأمم المتحدة، مذكراً الأعضاء بواجباتهم فى الامتناع عن تنظيم أية أعمال ارهابية فى أية دولة أخرى، أو التحريض عليها أو المشاركة فيها أو قبول أنشطة منظمة فى أراضيها بهدف ارتكاب أعمال إرهابية، إلا أن المجلس حدد أوجه للتعاون الدولى فى مكافحة الإرهاب بتدابير اضافية تتخذها الدول لمنع ووقف تمويل أى أعمال ارهابية أو الاعداد لها فى أراضيها بجميع الوسائل القانونية. ووجه القرار توصياته لجميع الدول بمطالب محددة: تتعلق بمنع ووقف تمويل الأعمال الارهابية، وتحريم السماح باستخدام أراضيها لأغراض إرهابية، وتجميد الأصول المالية والموارد الاقتصادية لمرتكبى الارهاب أو المشاركين فيه والامتناع عن تقديـم الدعم بجميع صوره، والعمـل علـى الحيلولة دون ارتكـاب الأعمال الإرهابية من خلال تبادل المعلومات ذات الصلة، وحرمان القائمين على الاعمال الارهابية من الملاذ الآمن، وكذلك من يمنحونها ذلك. ثم انتقل القرار إلى الصعيد القانونى والتشريعات الداخلية فيطالب جميع الدول باتخاذ عدة اجراءات،ومن أهمها:
– العمل على ادراج جرائم الإرهاب فى التشريعات والقوانين الداخلية بوصفها جرائم خطيرة، وتقديم مرتكبيها أو مدبريها للعدالة.
– تبادل المعلومات والأدلة المطلوبة للتحقيقات المتصلة بالأعمال الإرهابية وتمويلها.
– فرض القيود على منافذ الحدود وتحركات الجماعات الإرهابية.
– التعاون الدولى فى تبادل المعلومات خاصةً ما يتصل بالأعمال الإرهابية.
– تعزيز الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف لمنع وقوع أعمال الإرهاب وقمعها ومحاسبة مرتكبيها.
– التشدد عند نظر طلبات اللجوء والتحقق من عدم اتخاذها مهرباً للارهابيين من المساءلة.
** ومن خلال هذا الاستعراض لموقف الأمم المتحدة من مسألة الإرهاب، إلا أنه يلاحظ عدم وجود تعريف محدد للإرهاب، كما لا توجد اتفاقية شاملة إزاء هذه الظاهرة، فضلاً عن أن الأمم المتحدة تكتفى بتسمية “الأعمال الإرهابية” فقط. وعندما تعرضت الولايات المتحدة – بوصفها المميز كدولة كبرى ولها عضوية دائمة بمجلس الأمن – لهجمات 11 سبتمبر بادر المجلس باتخاذ العديد من الإجراءات ردًا على ما حدث، ويقر للولايات المتحدة استخدام حقها الأصيل فى الدفاع الفردى أو الجماعى، إلى أن يقرر مجلس الأمن اتخاذ التدابير اللازمة، والتى لم يتخذ منها شيئاً سوى الاكتفاء بهذين القرارين، وترك الولايات المتحدة تقرر ما تشاء، وتحدد مرتكبى هذا الفعل الارهابى الذى تعرضت إليه، وقد تصيب الولايات المتجدة وقد تخطئ دون ضوابط عليها من المجتمع الدولى، كما نلاحظ كل يوم منذ أعلانها الحرب على أفغانستان فى الرابع من اكتوبر الماضى وبعد عدة أيام فقط من صدور قرار مجلس الأمن الثانى فى الأول من أكتوبر 2001م .
وفى ضوء ما سبق فانه يمكن القول بأن مصطلح “الإرهاب” يسوده بعض الغموض والتداخل بين اجتهادات التعريف به، ومن ثم فهو مصطلح ليس محل استقرار ويحتاج إلى جهد أكاديمى وجهد سياسى من خلال اتفاقيات دولية ملزمة. وفى المعنى الأخير يمكن الاجتهاد بأن الإرهاب هو “كل فعل من شأنه تخويف الآخرين سواء باستخدام العنف المسلح أو ما دونه من درجات، بقصد إما لفت النظر إلى مسألة ما يعتنقها أصحاب الفعل أو استخدام الفعل كوسيلة لتحقيق مصالح ضيقة، يكون من شأنها ترويع الآمنين”. وهذا الفعل هو فعل مجرم وليست له أية شرعية على أى مستوى.
ثانياً: تحديد مفهوم ” مقاومة الاحتلال ”
هذا المفهوم يرتبط أساساً بأحد أهم حقوق الشعوب فى مقاومة الإحتلال الاستعمارى لمقدراتها ومواردها وأرضها. ويعكس بالتالى طبيعة مرحلة النضال فى مواجهة الإحتلال الغاشم والذى يتخذ من الوسائل العسكرية ما يحاول أن يضمن به سيطرته على هذه الشعوب، واستعبادها بما يحقق مصالح المستعمرين، ويلغى إرادة هذه الشعوب.
وتستند مشروعية قيام الشعوب بمقاومة الاحتلال داخل الأراضى المحتلة، إلى عدم مشروعية الاحتلال الحربى طبقاً لقواعد القانون الدولى المعاصر. وفى هذا الصدد يشير البعض بأن الحاضرين فى مؤتمر القانون الدولى الانسانى حرصوا عند وضع قواعد الحماية للمدنيين فى الأراضى المحتلة وتقنين حق المقاومة على التمييز بين الارهاب غير المشروع والمقاومة المشروعة وذلك حتى لا تختلط قواعد الحماية الانسانية للمدنيين وقواعد تحريم الارهاب بأشكاله المختلفة، إلا أنهم لم يصلوا إلى نتيجة محددة، وأوصوا بأن تقوم الأمم المتحدة بالعمل على تنظيم مؤتمر لوضع معاهدة خاصة بالجرائم ضد الانسانية(7).
فالقانون الدولى عرف الاحتلال بأنه مرحلة من مراحل الحرب تلى مرحلة الغزو مباشرة وتسبق مرحلة استئناف القتال للمرة الثانية ضد قوات الاحتلال المعتدية. ومن ثم فهو جريمة عدوان وعمل غير مشروع فى القانون الدولى.
وطالما أن الاحتلال لأراضى الغير والذى يعد انتهاكاً لسيادة وسلامة أراضى الدولة المحتلة أراضيها، غير مشروع طبقاً لنص المادة 2، فقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة والذى يلزم أعضاء المنظمة الدولية جميعاً بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لأية دولة، وكذا لتعارضه مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 216 (21) الخاص بحظر التهديد باستعمال القوة أو استعمالها فى العلاقات بين الدول، فان مقاومة هذا الاحتلال حتى يتم انهاؤه، تعتبر عملاً مشروعاً يتفق ونصوص القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المختلفة. ويرى البعض أن الاحتلال العسكرى هو عمل غير مشروع، بل أصبح يشكل جريمة ضد السلام والأمن العالمى، ويترتب على ذلك ثبوت الحق المشروع للشعوب المحتلة أراضيها فى مقاومة الاحتلال داخل أراضيها(8).
وفى ضوء ذلك فان حركات التحرر الوطنى التى قامت فى بلدان العالم الثالث ضد الاستعمار، اكتسبت شرعية كبيرة، ولم يستطع أحد تجريم أفعال هذه الحركات لأنها ارتبطت بانهاء الاحتلال وطرد المستعمر خارج أراضيها.
وبالنظر إلى حالة الشعب الفلسطينى، فانه يمكن الاكتفاء بقرارات الأمم المتحدة، دون النظر أساساً فى مدى مشروعية هذه القرارات التى بموجبها فرضت دولة لاسرائيل على حساب الشعب الفلسطينى. فإذا ما سلمنا بمرجعية هذه القرارات، فان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 ، الخاص بتقسيم الدولة الفلسطينية إلى دولة يهودية، ودولة للفلسطينيين، واعتبار القدس مدينة تخضع للاشراف الدولى، وما تبع ذلك من قرارات أقرت ذلك التقسيم. ومن ثم فاعتداء اسرائيل على أراضى الدولة الفلسطينية المنصوص عليها فى قرار الأمم المتحدة فى الضفة الغربية وقطاع غـزة والقدس يوم الخامس مـن يونية 1967، واحتلالها، يعتبر عملاً عدوانياً واحتلالاً عسكرياً يستوجب مقاومته المشروعة بكافة السبل. فضلاً عن اتفاقيتى أوسلو 1 ، 2، وقرارات الأمم المتحدة [242، 338] التى أشارت إلى ضرورة عدم جواز احتلال هذه الأراضى بالقوة وضرورة العودة إلى حدود الرابع من يونيه 1967 وانسحاب اسرائيل من هذه الأراضى التى احتلتها. فضلاً عن اعتبار مؤتمر مدريد للسلام فى أكتوبر 1991، أن أسس إقامة عملية السلام فى الشرق الأوسط هى العمل بمرجعية قرارات الأمم المتحدة العديدة.
لذلك فإن الشعب الفلسطينى له الحق الكامل فى مقاومة قوات الاحتلال الاسرائيلية، وتستوجب نصوص القانون الدولى حماية الشعب الفلسطينى الأعزل من اضطهاد المحتل الاسرائيلى، وهو ما تقره أيضاً مواثيق الأمم المتحدة العديدة.
ومن ثم فان هناك تمييزاً واضحاً بين فعل يقصد من ورائه تخويف الآخرين، وبين فعل يقصد به إعادة الحقوق لأصحابها وتحرير الأراضى المحتلة. فى نفس الوقت فإنه لا يلاحظ جدلاً حول مشروعية مقاومة الشعوب للاحتلال العسكرى، بل هناك اجماع على ذلك من كافة المواثيق والمفكرين. ولا يستوجب ذلك أن يوضع فعل المقاومة على نفس تسمية فعل “الإرهاب” مهما كان التمييز مستندًا إلى الهدف من وراء هذا أو ذاك. ولذلك فإن محاولة الخلط العمدى من ناحية الغرب وخاصة الولايات المتحدة، واسرائيل معًا، يقصد به إلصاق هذه الصفة الإرهابية على فعل المقاومة المشروع للاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وهو ما يندرج تحت فعل “التشهير الاعلامى” بحركات التحرير الوطنية.
ثالثاً : الرؤية العربية للارهاب ومقاومة الاحتلال
لاشك أن هناك اصرار يدعو للدهشة على الصاق صفة “العمل الارهابى” على حركات مقاومة الاحتلال الاسرائيلى، وعلى أى جماعة أو منظمة إسلامية غير مرضى عنها من قبل الولايات المتحدة واسرائيل بحجة قيام هؤلاء بدعم وتمويل حركات المقاومة فى الأراضى الفلسطينية. وقد انتهزت اسرائيل الفرصة، أن لم تكن هناك نيـة واضحة لدى الولايات المتحدة أصلاً، فى أعقاب الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن، لممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية لإدراج المنظمات الإسلامية فى الأراضى المحتلة والجنوب اللبنانى ومنها: حزب الله، وحماس، والجهاد، وجبهة التحرير الشعبية وغيرهم، ضمن القائمة الثالثة بالمنظمات الإرهابية. ويأتى ذلك فى اطار التنسيق الخفى فى تحقيق المصالح المشتركة بين البلدين (الولايات المتحدة واسرائيل). وقد نجم عن هذا الإعلان الأمريكى فى نفس الوقت الذى كانت الولايات المتحدة تشن هجومها الساحق على أفغانستان بحجة تطهيرها من نظام طالبان وتنظيم القاعدة وزعامة أسامة بن لادن، تحفظاً عربياً واضحاً. فهذا الإفصاح الأمريكى يعطى إسرائيل الذريعة والغطاء الشرعى المدعوم أمريكياً، بتدمير وسحق هذه المنظمات التى تمارس حقاً شرعياً فى مقاومة المحتل الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية.
ولـذا، فإن إيضاح الرؤية العربية لكل من الارهاب ومقاومة الاحتلال، تعتبر مسألة هامة فى هذا الصدد.
[1] الرؤية العربية من واقع اتفاقية مكافحة الارهاب عام 1998:
وقعت الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والتى أقرها مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب بالجامعة العربية فى القاهرة، فى 22- أبريل 1998(9). وقد تناولت هذه الإتفاقية أهم مسألتين هما تحديد مصطلح “الإرهاب والجريمة الإرهابية” من ناحية، ومشروعية “حق الشعوب فى الكفاح” ضد الاحتلال والعدوان بمختلف الوسائل.
أ- تعريف مصطلح الارهاب والجريمة الإرهابية:
نصت الإتفاقية فى المادة الأولى – البند الثانى، على تعريف للإرهاب وهو: “كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيًا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لشروع اجرامى فردى أو جماعى، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر”.
وفى نفس المادة – بند 3: نصت على تعريف للجريمة الارهابية وهى: “أى جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابى فى أى من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلى، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها فـى الاتفاقيات الدولية المختلفة الخاصة بخطف الطائرات أو القرصنة البحرية … الخ.
ب – فى مشروعية الكفاح ضد الاحتلال :
ورد فى ديباجة الإتفاقية الاعتراف بحق الشعوب فى الكفاح ضد الاحتلال بما نصه: “… وتأكيداً على حق الشعوب فى الكفاح ضد الاحتلال الأجنبى والعدوان بمختلف الوسائل، بما فى ذلك الكفاح المسلح من أجل تحرير أراضيها، والحصول على حقها فى تقرير مصيرها واستقلالها، وبما يحافظ على الوحدة الترابية لكل بلد عربى، وذلك كله وفقاً لمقاصد ومبادئ ميثاق وقرارات الأمم المتحدة.
كما ورد فى المادة الثانية ما نصه:
أ- “لا تعد جريمة (ارهابية) فـى حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما فى ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبى والعدوان مـن أجل التحرر وتقرير المصير، وفقاً لمبادئ القانون الدولى، ولا يعتبر مـن هذه الحالات كل عمل يمس بالوحدة الترابية لأى من الدول العربية …”.
ب- وكما هو واضح فانه فى نفس الوقت الذى تنص فيه الاتفاقية على تأكيد حق الشعوب فى الكفاح ضد الاحتلال وبالتالى مشروعية المقاومة سعياً نحو تحرير الأرض وتحقيق الاستقلال وتقرير المصير، تنفى الاتفاقية صفة “الجريمة الارهابية ” عن حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما فى ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبى.
ومن ثم فإن الوثائق العربية من خلال إتفاقية موقعة بين جميع الدول العربية، تحدد تعريفاً لمصطلح الإرهاب، وتقر مشروعية الكفاح من أجل تحرير الأرض والحفاظ على وحدة تراب أى دولة عربية. وهى بالتالى تقدم نموذجاً سبق كل التنظيمات الاقليمية، بل سبق الأمم المتحدة – الذى لازالت لم تحدد بوضوح ما هو الإرهاب – فى صياغة مفهوم الإرهاب، وتؤكد على حق الشعوب فى الكفاح الشامل من أجل استقلالها وتقرير مصيرها.
[2] رؤية المسئولين العرب للارهاب والمقاومة:
كان لقرار الإدارة الأمريكية بإدراج منظمات عربية إسلامية تقوم بالنضال والكفاح ضد إسرائيل لتحرير الأراضى الفلسطينية المحتلة، ومنها [منظمة الجهاد الإسلامى الفلسطينية، والجهة الشعبية لتحرير فلسطين، وجناح عز الدين القسام (حركة حماس)، ومنظمة أبو نضال، وجبهة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن حزب الله اللبنانى]، على اعتبار أنها منظمات إرهابية(10)، تأثير كبير على المسئولين العرب سواء على مستوى القيادات أو على مستوى الجامعة العربية.
وكشفت التعليقات المختلفة لهؤلاء عن رؤيتهم فى رفض ذلك وتأكيد حق ومشروعية الكفاح ضد اسرائيل لتحرير الأرض الفلسطينية.
ومما أوجد العلاقة الوثيقة بين الضغط الاسرائيلى على الإدارة الأمريكية وإدراج هذه المنظمات ضمن قائمة جماعات الإرهاب، هو ما أعلنته المتحدثة باسم لجنة الشئون العامة الأمريكية الاسرائيلية (إيباك) الموالية لإسرائيل، بأن هذه الإضافة الجديدة تظهر أنه لم يعد هناك تمييز ضد الإرهاب الذى يتعرض له الأمريكيون، والإرهاب ضد إسرائيل ..”(11).
ويكشف ذلك عن الانحياز الأمريكى الأعمى لإسرائيل، وصل إلى حد إلغاء إرادة الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وتحرير أرضه وبلوغ الاستقلال وإعلان دولته المستقله ذات السيادة.
ولم تتورع الإدارة الأمريكية فى مطالبة الحكومة اللبنانية بتجميد أرصدة حزب الله، والتعامل معه كمنظمة إرهابية. وكان رد الفعل اللبنانى واضحاً على لسان رئيس لبنان (إميل لحود)، برفض ذلك التدخل فى هذا الموقف ضد حزب الله قائلاً:
“إن حزب الله منظمة للمقاومة المشروعة وليست له أنشطة خارج لبنان: ولا توجد له صلة بالإرهاب العالمى، وسنستمر فى دعمه وستستمر مقاومته حتى يتم تحرير ما تبقى من جنوب لبنان الذى لاتزال اسرائيل تحتل جزءًا منه. وأن حزب الله يحظى بإجماع لبنانى، حيث أنه يمثل المقاومة المشروعة “(12).
وأكد على ذلك أيضاً رئيس الحكومة اللبنانية (رفيق الحريرى) الذى أعلن رفضه للطلب الأمريكى بتجميد الحسابات المصرفية مع حزب الله(13).
كما أكد أيضاً على هذا الموقف وزير العدل اللبنانى فى حديثه للأهرام، بالقول، “بأنه لن نجمد أموال حزب الله لأن المقاومة تحظى بتقدير العالم أجمع، وأن مجرد توقيع إتفاقية إبريل 1996 برعاية أمريكية، يعنى الاعتراف بأن حزب الله هو حزب مقاومة وطنية وليس منظمة إرهابية، وأن الاحتلال الإسرائيلى هو الإرهاب بعينه”(14).
وفى تحد واضح للقرار الأمريكى، أعلن حسن نصر الله (زعيم حزب الله)، أن الحزب لا يخشى الأساطيل الأمريكية وأنه سيواصل المقاومة المشروعة ضد إسرائيل، لأن المقصود ليس هو الحزب فى ذاته، بل اجتماع الأمة ووحدة الشعب اللبنانى، والإجماع الشعبى الرسمى على المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى(15)، فى حين كشف نصر الله على أن أمريكا طلبت صفقة مع حزب الله بإيقاف المقاومة ضد إسرائيل وتحقيق تعاون أمنى مع الولايات المتحدة بخصوص مرتكبى حوادث 11 سبتمبر، وكذا قطع العلاقات مع سوريا والمنظمات الإسلامية فى فلسطين خاصة (حماس والجهاد). مقابل تمويل دعم مشروعات خدمية فى الجنوب وعدم إدراج حزب الله على لوائح الارهاب. إلا أن الحزب رفض ذلك باعتبار أن قضية التحرير لا تقبل المساومة(16). ولم يأبه الحزب وكذا الحكومة اللبنانية بتهديدات أمريكا التى جاءت على لسان (كوندو ليزاريس) مستشار الأمن القومى الأمريكى، حيث قالت: أنه فى حالة رفض تعاون لبنان مع المطالب الأمريكية، فإن محاولات لبنان لتنشيط اقتصاده والإندماج فى الاقتصاد العالمى ستتأثر سلبياً(17)، ولازالت الخلافات قائمة بين الولايات المتحدة وبين لبنان حول هذا الموضوع.
أما عن الموقف السورى: فقد رفضت سوريا بشدة، كما ورد على لسان السيد/ عبد الحليم خدام (نائب الرئيس السورى)، موقف بلاده من لائحة الارهاب التى أصدرتها الولايات المتحدة وتضمنت حزب الله والعديد من المنظمات الفلسطينية باعتبارها تنظيمات إرهابية، وأنه يتعين العمل من أجل التمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال وبين الارهاب ، وأنه لا يغيب عنا ان اسرائيل تمارس إرهاب الدولة فى المنطقة كلها(18).
ويرى (عزمى بشارة): النائب العربى فى الكنيست، فى تصريح له للأهرام: “أن مقاومة الاحتلال ليست إرهاباً، فهى حق مشروع معترف به دولياً، وأن الإرهاب الحقيقى هو سياسة حكومة اسرائيل، فى نفس الوقت الذى تعد الانتفاضة الفلسطينية حالة مقاومة مشروعة ضد الاحتلال”(19).
وحثت الأردن الولايات المتحدة على إعادة النظر فى قرارها، رافضة بذلك توصيف المنظمات العربية والفلسطينية بأنها منظمات إرهابية.
أما عن الموقف المصرى: فان الرئيس مبارك أعلن خلال زيارته لمدريد “أن مايقوم به الفلسطينيون فى الأراضى المحتلة نضال من أجل استرداد الحقوق وليس ارهاباً وأنه لا يمكن بالتالى توجيه اللوم اليهم، أو وصفهم بالارهابيين “(20).
فى نفس الوقت الذى أكد فيه شيخ الأزهر (سيد طنطاوى) فى حديث له:
“إن إسرائيل إرهابية، وأبطال العمليات الاستشهادية فى الجنة، وأن العمليات الفدائية التى تقوم بها منظمة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامى، ليست إرهاباً، بل دفاعاً عن النفس والوطن وعن المقدسات وهى عمليات مشروعة لأنها تقوم على حق”(21).
كما أكد رئيس البرلمان المصرى (د. فتحى سرور) فى حديث لصحيفة السياسة الكويتية بالقول: “أن الارهاب الحقيقى هو الذى تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى الأعزل الذى له الحق فى مقاومة هذا الاحتلال غير المشروع وأن مقاومة الاحتلال لا يمكن بأى حال أن تكون عملاً إرهابياً..”(22).
كذلك أكد وزير الخارجية المصرى،(أحمد ماهر): هذا الموقف المصرى بوضوح أكثر من مرة.
ومن ناحية أخرى، فإن ايران أدانت بشدة القرار الأمريكى بشأن لائحة الإرهاب وتجميد أرصدة حزب الله والمنظمات الفلسطينية، مشيرة إلى أن ذلك تم بإيعاز من اسرائيل(23).
أما عن موقف الجامعة العربية، فقد أكد عمرو موسى (الأمين العام) بالقول: “أن الأمة العربية لايمكن أن تقبل وصف الكفاح المشروع الذى يخوضه الشعب الفلسطينى بالإرهاب. فالعنف نتيجة منطقية للاحتلال الذى يولد المقاومة”(24).
وفى تصريح آخر قال: ” مادامت توجد قوة احتلال أجنبى، فإنه لا يمكن فى هذه الحالة منع المواطنين من مقاومة هذا الاحتلال، وأن هذه المقاومة لا تعتبر إرهاباً. ومادام يوجد جيش إسرائيلى يحتل أرضاً فيتعين وجود مقاومة، ولا يمكن لأحد أن يطلب من المواطنين عدم مقاومة الاحتلال، وإلا كان يمكن وقف المقاومة التى حدثت فى فرنسا مثلاً “(25) .
وخلاصة ما سبق: أن الرؤية العربية للتمييز بين الإرهاب غير المشروع ومقاومة الاحتلال خاصة فى الأراضى العربية المحتلة، المشروعة تتسم بالوضوح على المستوى النظرى من واقع الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998، أو على مستوى ردود الفعل من جانب عدد من الدول العربية والجامعة العربية، إزاء الموقف الأمريكى بإلصاق الإرهاب بالمنظمات العربية التى تقود المقاومة ضد إسرائيل. ويبدو أن هذا الموضوع سيكون أمرًا فاصلاً فى العلاقات العربية الأمريكية، خاصة أن الموقف الأمريكى يؤكد انحيازاً بلا حدود لإسرائيل. وقد أكد ذلك أحد مفكرى مصر، بقوله: أن قرار أمريكا بوضع حزب الله على قوائم المنظمات التى إتهمتها أمريكا بالإرهاب، والتى قررت تجميد أموالها، يعنى أن الضغوط التى بذلتها إسرائيل لوضع حزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية كحماس والجهاد وغيرها فى قوائم المشتبه فيهم قد كللت بالنجاح. ويؤكد هذا أن أسلوب دس السم فى العسل الذى تنتهجه أمريكا فيما تسميه الحرب ضد الإرهاب هو الذى يباعد بين أمريكا والشعوب العربية الإسلامية، فضلاً عن الشكوك والشبهات إزاء القوائم التى تعلنها أمريكا فى حربها ضد الإرهاب(26).
رابعاً: نموذج (فلسطين والعراق) فى مقاومة الاحتلال والارهاب:
تعتبر فلسطين من بقايا الاستعمار القديم، حيث كانت بريطانيا تحتلها قبل أن تهبها للصهيونيه لإقامة دولة اسرائيل عليها وفقاً لوعد بلفور عام 1917، والذى انتهى بإعلان دولة اسرائيل الصهيونية فى مايو 1948. ورغم قرار الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 بتقسيم فلسطين بين دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن العدوان الصهيونى فى يونية 1967 ابتلع الجزء الفلسطينى وأجزاءً من مصر وسوريا والأردن. وأصبحت اسرائيل الصهيونية دولة استعمارية حديثة، بل أحدث الدول الاستعمارية فى التاريخ الاستعمارى حتى منتصف القرن العشرين.
أما دولة العراق فهى نموذج للاستعمار الأكثر حداثة فى القرن الحادى والعشرين الذى بدأ بأحداث الحادى العشر من سبتمبر 2001م وتمخض عن ذلك استعماراً أمريكياً حداثياً لكل من أفغانستان (أكتوبر 2001م)، ثـم العراق (مارس2003م).
وفى الوقت الذى كان الاستعمار التقليدى القديم قد بدأ فى الانحسار بسرعة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ظهرت القوى الجديدة المتحكمة فى إدارة النظام الدولى ممثلة فى الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة ليبدأ عصراً جديداً، ذو طابع استعمارى غير مباشر وعلى النقيض من الاستعمار المباشر عبر خمسة قرون سابقة.
إلا أن بدايات القرن الحادى والعشرين وبعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتحوله إلى دولة روسيا الاتحادية المنعزلة داخل حدودها وغير المهتمة بالشأن الخارجى والمنسحبة من المسرح الدولى بارادتها الكلية، وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على إدارة النظام الدولى، أن عاد الاستعمار التقليدى مرة أخرى وبالقوة العسكرية وتحت شعارات تحريرالشعوب من النظم الاستبدادية فى أفغانستان، وفى العراق.
وعلى الرغم من اختلاف الصورة الظاهرية فى كل من فلسطين المستعمرة وفق قانون الاستعمار القديم، عن العراق التى تم استعمارها وفق قانون الاستعمار الحداثى الأمريكى، إلا أن كلاهما يشترك فى وحدة المقاومة لهذين الاستعمارين (الصهيونى والأمريكى).
فالمقاومة الفلسطينية لم تهدأ فى الأراضى المحتلة منذ عام 1948 وحتى الآن باختلاف نسبى من فترة لأخرى، وكذلك المقاومة العراقية التى بدأت فور سقوط بغداد. ويتصور البعض بصورة مخزية أنه لا فائدة من هذه المقاومة وأنها لن تصل إلى نتيجة ملموسة على الاطلاق وأنه لا سبيل إلا بقبول الأمر الواقع والتفاعل معه والتفاوض وفق موازين القوى الحالية التى لا تعنى إلا الاستسلام الكامل لإرادة الاستعمار الصهيونى وقوته العسكرية المتعاظمة، ولارادة الاستعمار الأمريكى الجديد وآلته العسكرية الضخمة.
والحقيقة أن هؤلاء يتناسون حقائق تاريخية هامة، علينا أن نذكرهم بها لعلهم يدركون أن نهاية الغزاة اقرب ما تكون لأفق البصر.
وهنا يذكرنا العلامة د. جمال حمدان فى مؤلفه (استراتيجية التحرير والاستعمار)، بان مفارقة التاريخ الأكثر إثارة هى: إن ما بناه الاستعمار فى خمسة قرون هدمته ثورة التحرير فى عقدين اثنين فقط. فبين عامى 1945، 1965، هوت رقعة الاستعمار من 35% من مساحة العالم إلى 4%. أى أن معدل سرعة المد التحريرى يعادل عشرات أضعاف معدل الزحف الاستعمارى، حتى قيل إن الاستعمار إذا كان قـد اتـم مشرقه فـى ساعات فقد عبر خط الزوال وشهد شفقه وغسقه ثم غروبه فى دقائق معدودات. وبينما أتى الاستعمار فى موجتين كبريين لكل منهما بدوره ذبذباته الثانوية، جاء التحرير فى موجة واحدة طاغية كاسحة(27).
ويقول أيضاً: انها لمفارقة من الجغرافيا مثيرة أن يستطيع مليونان ومائتا ألف ميل مربع هى كل مساحة غرب أوربا أن تنشر نفوذها وظلها وأن تفرض استعمارها على أكثر من سبعة وخمسين مليون ميل مربع هى مساحة العالم المعمور وغير المعمور، وذلك فى أقل من خمسمائة عام، ولا تقل غرابة عن ذلك، جزئيات الصورة: فغداة الحرب العالمية الثانية كانت بريطانيا تمتلك قدرة مساحتها 142 مرة، وفرنسا 22 مرة، أما هولندا فنحو 57 مرة، وبلجيكا 50 مرة، وإيطاليا 19 مرة(28).
ولذلك فان التهوين من شأن المقاومة فى فلسطين وفى العراق يعكس موالاة للمستعمر الصهيونى والأمريكى، ويقود إلى إشاعة مناخ الاستسلام والعجز عن فعل شيئ، مما يؤكد أنه لا سبيل إلا القبول بالذل والهوان.
ويمكن استعراض سريع لبعض آثار المقاومة فى فلسطين والعراق بإيجاز على النحو التالى:
الجانب الفلسطينى:
[1] تكبد العدو الصهيونى فى فلسطين خسائر بشرية ضخمة ومنذ اندلاع انتفاضة سبتمبر 2000، وصلت إلى نحو 1500 قتيل فى عمليات مقاومة استشهادية وعمليات مقاومة مختلفة أخرى، مقابل نحو 4500 شهيد فلسطينى مدنى ومقاتلين، وبنسبة 1 : 3. أى أن قتيل اسرائيلى واحد لكل ثلاثة فلسطينيين، رغم الآلة العسكرية الصهيونية الضخمة التى تستطيع حصاد الآلاف ولكنها إرادة المقاومة الفلسطينية النابعة من الاصرار والحذر. وهذه الخسائر المحدودة ترجع إلى امكانات التخطيط فى عمليات المقاومة بشكل أسهم فى ذلك. والدليل على أن هذه الخسائر محدودة إذا ما قورنت بعمليات المقاومة فـى حرب فيتنام حيـث بلغت نسـبة الخسـائر 1 : 60.
(أمريكى لكل ستين من الفيتناميين، بإجمالى 60 ألف قتيل أمريكى مقابل أكثر من ثلاثة ملايين شهيد فيتنامى دفعوا حياتهم فداء وطنهم. على حين بلغت النسبة فى الجزائر (1 : 17) أى فرنسى واحد لكل 17 جزائرى بإجمالى عدد شهداء الجزائر نحو 1.5 مليون ونصف تقريباً مقابل ما يقرب من 100 الف قتيل فرنسى. وكذلك الحال فى جنوب أفريقيا.
[2] تكبد العود الصهيونى خسائر اقتصادية ضخمة نتيجة اشتعال الانتفاضة فى سبتمبر 2000م، وصلت إلى المليارات، مقابل خسائر مقابلة لدى الطرف الفلسطينى، ولكن الخسائر الإسرائيلية أكثر إيلاماً لأنها تؤثر على حاضر ومستقبل المشروع الصهيونى، ويخلق حالة من حالات عدم الاستقرار. بينما الطرف الفلسطينى ليس لديه ما يحرص عليه إلا السعى نحو الاستقلال بأى ثمن. فمهما كانت الخسائر، فهى لا تمثل لهم وضعاً أسوأ مما يعيشون فيه ويتعايشون معه، فتزداد صلابة المقاومة والاستمرار فى ذلك دون تراجع. بـل أن الفلسطينيين لديهم دائمـاً الاستعداد لدفـع الثمـن مهما كان حجمه.
[3] كان من تداعيات حرب التحرير والاستقلال الفلسطينى التى بدأت باندفاع انتفاضة، وقوع تمزقات فى الجانب الصهيونى. من ذلك مثلاً الهروب من الخدمة العسكرية، ورفض أوامر القيادات فى ضرب الفلسطينيين، وتزايد حالات الانتحارات فى صفوف الجيش، والهروب الجماعى خارج إسرائيل (الهجرة المضادة).
ولكن العامل الحاسم فى هذا الموضوع هو إصرار الجانب الفلسطينى على مواصلة النضال والحيلولة دون حدوث فتنة أو حرب أهلية فلسطينية قامرت عليها إسرائيل، والجمع بين سلاح المقاومة وسلاح المفاوضات. ولعل حصار إسرائيل لياسر عرفات (رئيس السلطة الفلسطينية)، حتى رحيله، ما يقرب من ثلاث سنوات ليؤكد على هذه الحقيقة وهى تلاحم الشعب الفلسطينى بكافة قطاعاته.
وقد تدعمت حركة النضال الفلسطينى بالانتصار الساحق لحزب الله فى جنوب لبنان، الذى أجبر اسرائيل على الخروج المخزى والانسحاب غير المشروط من الجنوب اللبنانى ومن طرف واحد فى مايو 2001م. فالثابت حتى الآن أن المقاومة الفلسطينية مستمرة حتى الآن ولم تنكسر.
الجانب العراقى:
تعتبر المقاومة العراقية أسرع مقاومة فى تاريخ حركات التحرر من حيث التنظيم وبدء العمليات العسكرية فى مواجهة الاحتلال الأمريكى. فلم تمضى عدة أيام على سقوط بغداد فى التاسع من أبريل عام 2003م، حتى أعلنت المقاومة العراقية عن نفسها بالعديد من العمليات وسط الزهو الأمريكى بالانتصار العسكرى على العراق.
ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن بما يقترب من العامين، والمقاومة العراقية لم تهدأ، ولم تتوقف، وعملياتها مستمرة ومتنوعة كل يوم. وخاضت معارك كبرى فى الفلوجة، والموصل، وآربيل، والنجف، والسليمانية، والرمادى، والأنبار، ولم تستطع الآلة العسكرية الأمريكية أن تكسر شوكة حركة هذه المقاومة رغم الضربات التى تعرض لها الشعب العراقى فى كل أنحاء الدولة.
وقد تمخض عن ذلك، الصورة التالية:
[1] تكبد الاحتلال الأمريكى البريطانى خسائر بشرية ضخمة وصلـت إلى نحــو ألفين من العسكريين حسب التصريحات الرسمية، وذلك مقابل ما يزيد عن (100) الف مواطن عراقى حسب الدراسة البريطانية الشهيرة(29) بنسـبة (1: 50) وهى نسبة تقترب من الحرب الفيتنامية. ولكن الدوائر غير الرسمية تشير إلى أن الخسائر البشرية الحقيقية للاحتلال الأمريكى تعادل عشرة أمثال ما يعلن بما يعنى أن خسائر الأمريكيين قد يصل إلى نحو عشرين الف قتيل. فضلاً عن أن رقم الشهداء من العراقيين ليس رسمياً حتى الآن.
[2] يلاحظ أن الخسائر البشرية فى جانب الاحتلال الأمريكى هى خسائر فى قوات عسكرية، على عكس الجانب العراقى فهى خسائر فى المواطنين وليس فى قوات المقاومة أو الجيش العراقى السابق. وهذا يعنى أن جانب المقاومة العراقية آمن وقادر على الاستمرار فى مقاومة الاحتلال الأمريكى. ويؤكد اختفاء السلاح العراقى وجيشه فور اعلان سقوط بغداد، أن هذا قد تم بترتيب سابق فى اطار تنظيم المقاومة بعد الاحتلال لاغراق الأمريكيين فى المستنقع العراقى كما حدث فى فيتنام.
[3] تعدد جماعات المقاومة العراقية حتى أشارت دراسة عراقية نشرت على أحد مواقع المقاومة العراقية على شبكة الانترنت، أن عدد هذه الجماعات من واقع ما تم رصده من بياناتها ونشاطاتها، بلغ 55 جماعة عراقية مقاومة للاحتلال(30).
وفى تقرير لجريدة النيويورك تايمز عن حجم المقاتلين فى المقاومة العراقية، ذكرت أن هـذا العدد وصل إلى (20) ألف شخص يعملون ضمن (50) خلية بامكان.

د.عادل عامر

3adel3amer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة