زلزلة ثالثة…كلام عن حلب

تاريخ النشر: 06/05/16 | 0:08

اليومَ، في حُلكةِ النّهار المُطفَأ بملْحِ سدومَ وعامورا، وفي اللَّيْل المُضاءِ بالدَّمْعِ المُشقَّقِ في غصَّاتِ الثَّكالى، سنُلمْلِمُ آخرَ حبّةٍ من ماءِ وجوهِنا ونبيعُها للهواءِ السَّاخِن من دون مقابل.
هُنا، من بابِ “أنطاكية” وحتّى بابِ “النّيرب” يصطفُّ التّاريخُ ليشحذَ من الشّحّاذين صدريّةً تكسو عورة أمّهِ وتعيدُ حوّاء إلى خرافةِ ضلعِها المُشوَّهِ، وتخنقُ آدمَ في التُّراب. وعلى بابِ “الجِنان”، ها هُوَ ذا يقفُ عارُنا المختالُ، عاريًا ومسلوخَ فروةِ الرّأسِ والجِلْدِ، ويحشو جُثَثَ الأطفالِ بالقهقهاتِ.
سنتسوّلَ شمعةً من باريسَ، بوسَاطةِ الاتّحاد الأوروبّي، ووردةً بيضاءَ من نيويورك، تحت ظلِّ تمثال الحرّيّة، وحفنةَ ترابٍ من جبال الأنديز، وثانيتَيْن اثنتَيْن، من صمتِنا المُكوَّم على تلال سُدى وقتِنا، لنقيمَ جنازةً عابرةً للعصافير.
سنركلُ، بما تبقّى من أقدامِنا، كلامَنا المهروءَ، لنُشيِّدَ مرثيّةً للزّهورِ التي فرَّت من وجناتِنا المُجوَّفةِ، وانتحرَت في أقرب هاوية في رحلةٍ الهروب من العدَم.
سنقترضُ بوصلةً، تدلُّنا على جهاتِ صلواتِنا المُهشّمة.
فمن أين لنا كلُّ هذا النّبوغِ في استنساخِ الشّياطين على صورتِنا، وتوزيعِها على لحْمِ عُهرِنا النّاسكِ المتنسّكِ المُتقشّف، وعلى لحمِ الشّاشات والهواتف الذكّية وعيونِنا الزّجاج؟
وسوف نقولُ، في تاريخِنا الذي سنكتبُه بجهلِنا الفادِحِ: مرَّ الأشوريّون والأموريّون والحثّيّون، ولمْ يأكلُوا لحمَ الرُّضَّع وحلماتِ العجائز المسلوقة بالماء الملوَّث بملاعق من ذهَبٍ مُزيّفٍ. مرِّ الهيلينيّون والسّلاجقة والرّومان، ولمْ يكسِروا شواهدَ القُبور ورموشَ العذارى بغبار الأحذية. ومرَّ من هُنا الفُرسُ والبيزنطيّون، فلَمْ ينصبُوا لحبّاتِ الحلوى مشانقَ، لمْ يُفخّخوا الحقائبَ المدرسيّةَ والآيات، ولم يقصفوا الفَراشَاتِ وألوان الطّيفِ وسقسقات العنادلِ بال “تي أن تي..
ومررتُ من هُنا، قبلَ يومَيْن، فاشتهيْتُ أن أكون خُدشًا قديمًا على جبين حجَرٍ مصابٍ بالذُّهول، تركَهُ سهمٌ من سهامِ المغول.
وسوف نقولُ كلَّ شيء، ما عدا ما لم نقُلْ وما لن نقول.
سوفَ نتَّهمُ القُطبَ الشّماليّ بإغراقِ تمْرةٍ في نهر الفرات.
سوف نتّهمُ الرّيحَ بسقوطِ غرناطة.
سوفَ نحمّلُ فستان مارلين مونرو مسؤوليّة انكسارنا في معركة بلاط الشّهداء.
سوفَ نحمّلُ كارل ماركس تبعةَ ارتفاع سعرِ الخبز في أسواقنا وهبوط أسعار الحياة.
سوفَ نحكمُ على كونفوشيوس بالزّندقةِ ونقطعُ حكمتَه بسيفِ يقينِنا.
سوفَ نقول إنَّ الماموث هو المسؤول عن انكسار جرّتنا، حين دخل بلا إذنٍ إلى صدورنا المنفوخة باللّا شيء.
وسوف لن نسألَ ولَوْ سؤالًا واحدًا، لأنّنا فرغنا من الإجابة.
فتعالوا نرتدي نظّارات العمى على بوّابات حلَبٍ، ونشيحُ بوجهِنا، لأنّنا لو نظرْنا في المِرآة سنرى عُريًا عاريًا، مزدانًا بكلِّ الأجوبة الجاهزة لكلِّ الأسئلة المَوْءودة.

بقلم: فريد غانم

fred

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة