قراءة نقدية لرواية”يعدو بساق واحدة”

تاريخ النشر: 05/05/16 | 0:00

قرأتُ رواية ” يعدو بساق واحدة” للكاتب الفلسطيني سامح خضر، الصّادرة عن مؤسسّة “الأهلية” للنشر والتوزيع الأردنيّة وهي تحوي في طيّاتها 270 صفحة ، لوحة الغلاف الرائعة للفنان الدانماركي ماريو ماغن، أهداها إلى أبيه سبَب عودتِه وإلى كل هؤلاء الذين ما زالوا يحلمون أن تطأ أقدامهم … هنا.
إنها رواية تُصوّر حالة عائد فلسطيني، ابن للاجئ لم يُحَضّر للعودة التي حلم بها ليل نهار ليصطدم بواقع جديد غير مُهيأ لاستيعابه وبدون الجهوزية البُنيوية لتخفيف حدّة هذه الصدمة.
العودة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين لا تقتصر على العودة للمكان فحسب، فبعد العودة للوطن تبدأ رحلة البحث عن الهوية، وهذا ما حاول سامح وصفه في روايته .
قاسم العائد الى غزة المحاصرة والسجن (أو الغيتو)/الاقتصادي/الاجتماعي/الجغرافي التي تعاني من التكلّس الفكري ومفارقاتها بين فلّاح ومدني : بدوي ولاجئ : مواطن وعائد، ناهيك عن حروباتها الدينية, يحب نسرين و”يهرب” إلى رام الله بدل الهجرة إلى كندا مع صديقه عبد الرحيم ليتحطم حلمه في ظل الانتفاضة الثانية عند اصطدامه بالمفارقات السياسيّة والاجتماعيّة التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني.
بعد ذهاب قاسم إلى رام الله يتغير عليه المكان وتتوالى الأحداث، وأهم حدث هو الانتفاضة الثانية، ولم نعد نسمع بعائلة أبو قاسم في الرواية، حتى أنه لم يشاطرهم أفكاره ولا يعلم عنهم الكثير، ومضت سنوات الانتفاضة دون أي ذكر للعائلة في غزة، أو حتى مكالمة هاتفية من أو إلى والدته المصرية ليشاطرها مشاعره كمهاجرة مثله لتكن قطيعة مطلقة .
قاسم الجامعي يشتغل معلما/عاملا في المطاعم/بائعا في الأسواق/تنظيف مدخل العمارة والدرج وغيرها تحت الخناق الاجتماعي والاقتصادي بدون أمل لأن “المفلس كما المكفوف، لا يعلم متى سينتهي ظلامه”.
حلم قاسم يكشف عريّ رام الله التي أنتجتها أوسلو، رام الله الجميلة التي تغيّرت معالمها كثيرا، استفز هذا التغيير قاسم، ليس لأنه ضد التطوير ولكن لأنه يرى أن هذا التطوير لا يقوم على قاعدة الوطن والتنمية الحقيقية له، رام الله المتخمة بالمباني والمقاهي والأبراج، وبأناس غادروا مدنهم وقراهم ومخيماتهم واتجهوا صوبها، مدينة تختنق بكل أصناف منظّمات العمل الأهلي التي تصرف بغير حساب على أمور لا علاقة لها بشأن الوطن، كوادر من أحزاب وطنية ويسارية انسلخت عن أحزابها لتفتح دكاكين تلهو بها عما كانت تشتغل به قبل أوسلو أو تتحول إلى مليشيات تحرس تلك الأبراج.
السلطة لم تبن بنية تحتية وركيزة اقتصادية متينة لاستيعاب العائدين وغيرهم ممن قدم إلى رام الله، فمصادر دخلها الذاتية شحيحة وغير كافية لتغطية نفقات السلطة وحاجات المجتمع مما أدّى لخلق فجوة بنيوية يجري ملؤها عبر التمويل الدولي المشروط وتداعياته وأهمها السكوت الجماعي لعدم بناء تلك البنى ألتحتية من قِبَل سلطة أوسلو ، تماشيا مع أهداف شخصية وذاتية لهذا السكوت، مما أدى إلى استيعاب المقاتلين العائدين وخريجي سجون الانتفاضة الأولى في أجهزة الأمن التابعة للسلطة وخريجي سجون الانتفاضة الثانية حرّاسًا للمتاجر والأبراج الحديثة وترك باقي شرائح المجتمع مُحتاجين !!
قاسم في رواية سامح خضر يعاني ويواجه صراعًا وتحدّيًا مريرا بين الوطن/المنفى والعائد المقيم، فهو ينتمي إلى الجيل الجديد الذي عليه أن يعاني ويناضل علّه يحصل على جزء من تلك “الكعكة” وقد لا يحصل مما يجعله يشعر باغترابٍ كبير في غزة ليتواصل هذا الاغتراب في رام الله في فترة الانتفاضة الثانية والحصار والخنق.
سامح يصوّر بين السطور وقائعا تدمي القلب، ومخزيات سياسيّة واقتصاديّة وأخلاقيّة يندى لها الجبين، مُحصّلتها أثرياء يزدادون ثراءً وفقراء يزدادون فقرًا وقضية تذروها رياح التغيير، حلم رام الله كان كابوسًا، فنحن في زمن أصبحت الخيانة فيه وجهة نظر!
ينهي سامح روايته برسالة إلى صديقه عبد الرحيم بوصف رحلته، فيقول: “رحلتي مثيرة ووقت طويل استغرقني لأعلم أنني فلسطيني، وكأن هناك شيئ ما يختلف في هويتنا دون سائر الهويات والجنسيات الأخرى، كأن هويّات الآخرين هبة وهويّتنا اكتساب، ولتكتسب شيئًا عليك أن تكون جديرًا به”. هذه النهاية التي بها الكثير من التعب في البحث عن الهوية والوطن كما ذكرت بدايةً.
سامح يتطرّق في روايته لقضيّة المواطنة والوطنيّة، صراع الهويّة، صراع المكان (غزة، الضفة الغربية والمنفى)، الحياة في الوطن ما بعد العودة، وكالة الغوث دورها وتداعياتها، المعاناة والتغلّب عليها والبطولة.
الرواية جديرة بالقراءة لأنها تُنذر بالعاصفة قبل هبوبها، إنذارًا يكفي ليهزّ كل شيء فينا، يكفي ليُزلزل الأرض تحت أقدامنا، يكفي ليوقظنا من سباتنا وليفتح أعيننا التي أغمضناها عمدًا أو جهلًا على حقائق مروّعة، لا تنذر بعاصفة فحسب بل بكارثة مُحقَّقة.

وأخيرا : حبّيت – يعني بالعربيّة الفصحى : لايك !!!

المحامي حسن عبادي

1

2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة