سمكة أمازونيّة…من غير موعد

تاريخ النشر: 13/03/16 | 6:13

من الَّذي اختطفَ قصَبَ السَّبقِ، بعدما دفَقَتْ دمَاءُ داحسَ والغبراء نافورتَيْنِ من نارٍ، على صخرِ صدرِهِما، في طريقِ الصّحراءِ الطّويلِ إلى استديوهاتِ “من يربح المليون”؟
دعُوا حربَ الطّبقاتِ للأشجارِ التي تبحثُ عن حفنةٍ ضَوْءٍ مجّانيَّ وتوزِّعُ لحمَها على خشَبِ الكاهنِ الأكبر. دعوها لأصحابِ السُّوقِ الحُرَّةِ وحظائرِ الجيلِ الجديدِ مِنَ الخَناجِرِ البَيونِيَّةِ. سنهبطُ تحتَ القَعْرِ كي نصعَدَ. سنطوي لفائِفَ التَّاريخِ والسّجاجيدَ كي نصلَ إلى الصّفحةِ الأولى ونسيرَ إلى الخاتمةِ المفتوحةِ. سنغرِسُ عيونَنا في الطّينِ المتبَّلِ بمعادنِ الأرضِ، لنقيمَ أُصًّا تنبتُ فيهِ حكايتُنا، بلا شِباكِ العنكبوت.
فها هُنَّ نساءٌ مقطوعاتُ الأَثدي، بتِرْسٍ وقوسٍ وسَهْمٍ، يقطعنَ المسافةَ على الأحصنةِ المملوءةِ بالشَّهْوةِ، فوق شجَرِ السَّرْوِ العالي، يمارِسْنَ تعدُّدَ الأزواجِ، ليسقطنَ في قبضةِ هرَقْلٍ المُحكَمَة(1). ابنةُ النَّهرِ تهربُ من قوّادٍ لاهوتيٍّ وتستحيلُ إلى صفصافةٍ، فيغتصبُها القوَّادُ تحتَ ظِلِّها(2). أمازيغيّاتٌ(3)، يرتدينَ ليلَ أفريقيا ويُسوِّرنَ النّهارَ بالبُطولةِ والرّموش، ثمَّ يُسَقْنَ سبايا إلى قصورِ الحريمِ على مضيقِ البوسفور وكُلَّاباتِ الخليفة المُتَزَلِّفِ بالله، وإلى مكتباتِ مؤرّخي روما القديمة ثمَّ إلى عُلبةِ السّيجار الكوبيِّ في الغُرفةِ الليلكيّة. أرضٌ في اتّساعِ الأرضِ والخيالِ البدائيِّ، تُقطِّعُها عرباتُ مردُوخ(4) الذَّهبيّة. فارِساتٌ يضرِبْنَ بعيونهنَّ القاذفاتِ النَّوويّةَ، في غزوةِ الخَندقِ، ويفقنَ على لحمهنَّ المسلوقِ في طناجرِ الطَّهْوِ العميقِ في سوقِ النّخاسة وَتعليبِ الخدودِ والإفكِ. مكانسُ السَّاحراتِ والمشانقُ تأخذُ الأدوارَ الرّئيسةَ، في قصّة جان دي آرك، ونهارٌ واحدٌ فقط يسقطُ من روزنامة التَّقويمِ الغربيِّ، ويصيرُ زهرةً ورقيَّةً مُلَمَّعَةً في الحوانيت التي تهدِرُ دمَ الوَرْدِ والرَّحيق…
لكنَّ السَّمكةَ، في العُمْقِ، فوقَ غمامِ الأمازونيّات الماطرِ من شَعْرِهِنَّ، تُلقِحُ نفسَها(5). إلهةٌ ذهبيّةٌ، بلا ذهَبٍ، تحرّكُ الهواء بزعنفةٍ وتنظرُ في قعرِ الماء، فترى هرمسَ(6) في مرآتها. داحسُ والغبراءُ يصلانِ إلى نهاية الأستوديو، رمادًا، فتختطفُ القبائلُ الغربيّةُ والشّرقيّةُ قصَبَ السَّبقِ والمليون.
سأعودُ إلى طينٍ لم تمسَسْهُ يدٌ ولا نارٌ. سأخرجُ من الخُرافَةِ. سأعودُ إلى يديَّ وسنابِكي العاريةِ من حذواتِها. سأعودُ اليومَ إلى زقاقِ الخزَف. فهناك، في زقاقِ الخزَفِ، بين شَذَرِ النُحاسِ والمِلْحِ، سوفَ أسرقُ إغفاءةً وأخبّئُها تحتَ جفنيَّ،
فعسى أَنْ أفيقَ فَخّارةً، في قامة سمَكَةِ الأمازون؛ ثديايَ معبَّآنِ بالحكمةِ ووجهي إلهٌ يهطِلُ عقلًا، ولعلِّي أصحو في شكلِ مُهرةٍ بيضاء،
بلا رَسَنٍ ولا سَرْجٍ.
(كتبت في الثّامن من آذار، مِنْ كلّ عام)
____________________
إضاءات وتعتيمات:
****
1. الأمازونيّات: هي حكايةٌ لها ألف وجهٍ. فهنّ أمازيعيّات (الشّعب الأمازيغي العريق)، من صحراء ليبيا، خارجاتٌ من حضارة نسيناها. وهنَّ، في الحرف اليونانيِّ القديم، نساء يقطعْنَ أثديهنًّ لتسهيلِ الضّرب بالسّهم والقوس والرّدّ بالتّرس. وهنَّ، في روايات لا بداية لها ولا نهاية، أوّلُ من روّض الخيل وأقام الفروسيّة. وهنَّ طويلاتٌ، أعلى من السّرو، أقمنَ مجتمعًا أُموميًّا خالصًا، وجامعنَ سقطَ الرّجالِ في مواسم الجِماع. وهنَّ أصلُ اسم نهر الأمازون، حين رأى رحّالةٌ عربيًّ نساء في الغابة المطريّة، رؤوسهنّ أعلى من شجر الغابة. لكنَّ هرقل الجبّار، الأبويّ بامتياز، يكسرُ القوس والتّرس ويستعيد التّفاحة السّحريّة.
2. الأميرة الجميلة، ابنة النّهر، تهربُ من إله شَبِقٍ، وتصير شجيرة غارٍ. هكذا الأسطورة. لكنَّنا رأينا أنّها صارت صفصافةً. فهناك، تحت ظلّها ما يزال الإله الشَّبقُ يغتصبُها والماءُ يبكي.
3. أمازيغيّات: راجع الإضاءة الأولى.
4. مردوخ، زعيم مجمّع الآلهة. قتل الإلهة الأم، ومزّقها أشلاء، وجلس على العرش (حكاية بابليّة).
5. بعض الأسماك قادرةٌ، بعد طرح بيضِها، أنْ تتحوّل إلى ذَكَرٍ فوق صخرِ القَعر، وأن تخصبَ نفسَها بنفسِها.

بقلم: فريد غانم

fred

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة