دراسات وأبحاث: "شخصية اليهودي في أدب الشاعر الفلسطيني محمود درويش"- 2

تاريخ النشر: 08/07/13 | 1:57

الفترة الثانية من حياة الشاعر محمود درويش: 1967-1982…بعد شهور من نشوب حرب حزيران 1967، كتب درويش ديوانه آخر الليل، فاستطاع بشعره أن ينقذ إنسانيته من الموت. يقول: "أدبيا لم تخلق (حرب حزيران) تأثيرا مُفاجئا، ولم تقلب أفكاري رأسا على عقب، ولم تحطم قيَمي كما فعلت بالكثيرين من الشعراء العرب، خارج بلادي. لم أكن في برج حمام لكي تقنعني بمثل هذا الدليل الفادح على ضرورة النزول للشارع، ولكنها كانت مُكاشفة جارحة(1)

ربما لم توّلد حرب حزيران لديه مبادئ جديدة، ولكنها رسّخت ما كان يفكر به وأضفت ألوانا رمزية كثيفة في شعره. فالهزيمة كانت حافزا له في الاستمرار في ثوريته والالتزام أكثر وأكثر بالقضية القومية: "آمل أن يستفيد الجميع ممّا حدث، لئلا يأتي نزار قباني .. مثلا، لزيارته في حيفا"(2). يقصد بذلك أنه لم يبق محل لأشعار نزار قباني غير الملتزمة. كتب محمود درويش آخر الليل بعد خروجه من السجن بعدة شهور، محاولا إيجاد علاقة بين الحلم الذي تفجّر وبين الواقع، مُصارعا حالة موت معينة، استطاع أن يتغلب عليها. إن حرب حزيران كانت بالنسبة له واقع وحقيقة موجودة في الشرق الأوسط وهي حقيقة الدم المَسفوك، لذلك كان تأثيرها عليه عظيما خاصة في السنوات الأولى بعد الحرب: "كان الشعر لا يعرف، لأنه لا يعي شيئا، وكان يشتم أول من يُصادِفه"،

"هجاء الكلمة، هجاء التراث، واللغة، والأمة، والحاكم(3).

أصبح يَبين الانفعال في كلمات الشاعر أكثر فأكثر، وأخذت تظهر ألفاظ جارحة لم نعهدها في شعره وأدبه من قبل حرب حزيران:

" يما .. مويل الهوى

يما .. مويليا

ضرب الخناجر .. ولا

حكم النذل فيا(4)

تتكرّر أوصاف مُشابهة كهذه في قصائده "موال" و"مستحيل" وهي تعبّر قبل كلّ شيء عن اختلال التوازن والموقف عند الشاعر(5). وهو يسمّي هذه الفترة ب: "فترة الصدمة الأولى" أي المرحلة التي تلت الحرب مباشرة، ويعترف بأنه شعر مليء بالفوضى: "كان شعرا مهزوما، وكان دون أن يدري جزأ من السّلاح المصوب إلى صدر قضية التحرّر العربي، لأنه شارك أعداءها حملة التشكيك في قيمها وتاريخها"(6)

وتحتل ظواهر الطبيعة مكانا واسعا في ديوانه آخر الليل أكثر من الدواوين السابقة، وهي تتخذ معاني مختلفة بحسب القصيدة التي تظهر فيها؛ فالرياح والعواصف، مثلا لهما مغزى يختلف من قصيدة لأخرى، فأحيانا يقصد الأشياء الضعيفة التي لا يمكنها الوقوف أمام المصاعب، وتارة يقصد حكم إسرائيل بأنه قاس كتلك الرياح أو الثورة التي بإمكانها اقتلاع ما زرعه هذا الحكم(7):

"وعلى أنقاض إنسانيتي

تعبر الشمس وأقدام العواصف(8).

إن المجازر التي حدثت في دير ياسين (9.4.1948 ) وكفر قاسم (29.10.1956) شكلت موضوعا مهمّا في أدب الكثير من الكتاب. فمثلا الشاعر العبري ناتان التيرمان، شرح الأسباب التي دعته للكتابة عن هذه الحوادث وكيف أن هذه الأحداث شكلت موضوعا مُلحاّ على وجدانه(9):

after I discovered the details of that terror, which hands have failed to record , I suddenly realized that I would choose to write on nothing else. I refused to write anything else because the Hebrew language refuses to live in silence about such atrocities committed in Israel.

أما بالنسبة للكتاب الفلسطينيين، فقد أصبحت "كفر قاسم" مكانا مقدّسا، رمزا للتضحية والمقاومة. وفي آخر الليل تتردّد "كفر قاسم" في مجموعة القصائد الستة المُسمّاة "أزهار الدم" :

"كفر قاسم

قرية تحلم بالقمح، وأزهار البنفسج

وبأعراس الحمائم

احصدوهم دفعة واحدة

احصدوهم

… … …

حصدوهم ..

… … …(10).

وفي قصائده ، خاصة "ضحية رقم 48"، يصف الموت القاسي الذي تعرّضت له هذه الضحايا(11). إن درويش يعتبر "آخر الليل" أفضل ما كتب حتى عام 1967، ومع ذلك استقبل هذا الديوان بالفتور والنقد لكثرة الرموز والتعميم فيه(12). لقد حاول الشاعر استغلال المرونة في التعبير عن مشاعر الإنسان العادي البسيط في قصيدة "جندي يحلم بالزنابق البيضاء"، يعكس فيها صورة السلام في نفس الجندي الإسرائيلي، ويُدخل عنصر الحوار والحركة النفسية مثلما فعل في قليل من قصائده السابقة. تتحدّث القصيدة عن جندي إسرائيلي عاد من الحرب، والتقى بدرويش ثم جلسا معا وشربا أربعة كؤوس خلال حديثهما عن الحرب والحب الأول والهموم اليومية(13) لذا نراه يفتخر بأنه أول من عرض جنديا إسرائيليا: " أريد أن أتباهى بإنسانيتي، بأنني أول شاعر عربي عرض إسرائيليا، حتى بعد عام حرب حزيران بجوهره الإنساني. كيف حدث ذلك ؟ بعد حرب حزيران التي أعادت قتلي، حافظت على انتمائي الإنساني(14).

والقصيدة بدون أدنى شك تعرض جنديا يحلم بالسلام، هو وأهله، يقول الشاعر:

"وكان صوت أمّه الملتاع

يحفر تحت جلده أمنية جديدة:

لو يكبر الحمام في وزارة الدفاع

لو يكبر الحمام..!(15).

إلا أن هذه القصيدة لا تجعل من هذا الجندي بريئا تماما، مع أنها تحاول أن تخلق له الأعذار وأن تصوّره بصورة إنسانية نقيّة(16).

"دخّن ثم قال لي

كأنه يهرب من مستنقع الدماء:

حلمت بالزنابق البيضاء

بغصن زيتون ..

بطائر يعانق الصباح

فوق غصن ليمون.."،

"وكم قتلت ؟

يصعب أن أعدّهم..

لكنني نلت وساما واحدا(17).

فالجندي هو أيضا يكره القتل ويحزن لتواجده في مثل هذه الظروف، لكن الحرب والسّياسة يجعلانه إنسانا آليا لا يعي ما يفعل(18):

"كنت هناك آلة تنفث نارا ورديا

وتجعل الفضاء طيرا أسودا"(19).

وقد استقبلت هذه القصيدة بالنقد والهجوم الصحفي، خاصة من قبل أحد الأدباء السّوريين، الذي اتهم درويش بأنه يُضلل الرأي العام العربي والعالمي، وقال إنّ هذا الجندي موهوم.

يقول الشاعر: "ولكنني سُررت عندما قرأت كتاب أحد النقاد الشباب البارزين، وهو رجاء النقاش. في كتابه عني، رد على الكاتب السّوري بأن الصراع في المنطقة ليس مع اليهود كبشر، ولكنه صراع بين العرب والصهيونية(20)

وفي إحدى المقالات الصحفية التي أجريت مع محمود درويش يقول: "إنّي أحاول رغم الآلام والعذاب الناجم عن الظلم، المحافظة على أهمّ عناصر الإنسان: أن أكون إنسانا، وأن أنجو من التعصّب القومي(21)

في قصيدة "ريتا والبندقية" يصف الشاعر لحظات حبه لصديقته اليهودية ريتا. يقول الكاتب الأميركي بناني(22) :

" RITA appears in several poems . she is always beautiful , always loved by the speaker . her identity cannot be easily ascertained , but she is not an arab."

وفي قصائده عن ريتا يصف درويش واقعا مأساويا غير إنساني يمثله في المباحث ومع الشرطي الإسرائيلي :

"الحب ممنوع ، هنا الشرطي والقدر العتيق….

قطاع الطريق يتربّصون بكلّ عاشقة. أثينا.. يا أثينا(23)

فريتا بالنسبة له إنسانة بريئة أحبته كثيرا، ولكن نيران البنادق حاولت قتل هذا الحب وهذه البراءة، لتجلب معها الكراهية والحرب(24) :

"آه ريتا، بيننا مليون عصفور وصورة

ومواعيد كثيرة، أطلقت نار عليها بندقية"(24)

وتظهر حبيبته ريتا في قصائد كثيرة، أحيانا بنفس الاسم كما في قصيدة "ريتا أحبّيني"(26، وأحيانا دون أن يذكر اسمها. وفي قصيدة "العصافير تموت في الجليل(27)، تترسب الأحزان في تجارب الشاعر الطويلة، فيعترف لريتا بالواقع المرير، الذي يعيشه الشعبان، شارحا لها معاناته الشديدة(28):

"إنّني ارتشف القبلة

من حدّ السكاكين .

تعالي ننتمي للمجزرة!.."

"يا ريتا،

أنا من تحفر الأغلال في جلدي

شكلا للوطن"(29).

لقد خلقت حرب الأيام الستة تغييرا كبيرا في تعامل العالم العربي مع الشعر المحلي، فصبغته الأدبية الدالة على وجود علاقة وارتباط بينه وبين حكومة إسرائيل أدّت لأن يصبح اسمه "أدب مقاومة"، وهذا ما يمكن أن نلاحظه في قصيدة نزار قباني "إلى شعراء الأرض المحتلة"(30). وحاز الأدب العربي الفلسطيني في اسرائيل على المديح والثناء من قبل الكتاب العرب في البلدان العربية المجاورة، وهذا الثناء كان سببا في كتابة درويش مقالة "أنقذونا من هذا الحب القاسي"(31). لم تكن أسباب هذا الثناء الجودة الفنية فقط، وإنما كان هنالك اعتبارات أخرى، ككونه "أدب مقاومة" ومعارضة للسلطة الإسرائيلية"(32). وفي مقابلة صحفية أجريت مع الشاعر يقول: "لقد نشرت مقال "أنقذونا من هذا الحب القاسي" الذي أثار ضجة كبيرة حوله، إذ أن النقاد العرب حكموا بالموت على شعر العرب خارج إسرائيل، مع انه من ناحية فنية يتفوّق على شعرنا"(33)

ظهرت تسمية هذا الشعر ب "شعر المقاومة بعد حرب 1967(34), وكان درويش حين يُعرّف شعر المقاومة يقول:

"إن شعر المقاومة، بطبيعته، شعر ثوري"(35).

"يتمتع شعر المقاومة، عادة، بحساسية شديدة بالتاريخ كجزء من تمسكه بجذور عميقة تعينه على الصمود وعلى تبرير هذا الصمود، واحتقار هذا الظلم الطارئ أمام جبروت التاريخ"(36).

فالشاعر لا يرفض هذا التسمية، ولا يوافق عليها تماما، ومع ذلك يوافق على أن المقاومة بمعناها الظاهري تعني الرفض(37)، وحين يسأل هل هو شاعر مقاومة ؟ يجيب : "لا ادري. ولا يهمني هذا السؤال كثيرا. إن ما يهمني كشاعر هو ممارسة مهمّتي دون أن أعرف رتبتي"(38). بينما يسمّي الناقد غالي شكري هذا الأدب "أدب المعارضة" معللا موقفه فيقول: "إن المقاومة الوطنية بمعنى تحرير الأرض من آثار الأجنبي لا تخطر على بال وتفكير الشعراء الفلسطينيين المقيمين في ظل الإرهاب الصهيوني، وإنما يتخذ التحرير عندهم معنى آخرا، يتعايش في ظلاله العرب واليهود إخوة أحرارا من أيّ قيد عنصري، سواء كان قيدا دينيا أو عرفيا، أو حضاريا أو غير ذلك"(39).

يبدو أن درويش لا ينفي هذا الرأي تماما، بل يعتبره نوعا من الاجتهاد. وفي صوفيا عام 1968 أصيب بالإحراج حين سُئل عن التأثير المتبادل بين الشعر العبري والشعر العربي في إسرائيل، كان جوابه: لا شيء. لذا، فعند عودته إلى البلاد، كرّس جلّ اهتمامه للتعارف بين الأدباء من كلا الطرفين(40).

كان درويش يعزو السبب في الجهل التام للأدب العربي في إسرائيل إلى اعتبارات سياسية، فيقول:

"إن الجهل التام للأدب العربي في إسرائيل، ينبع من اعتبارات وحسابات سياسية بحتة"(41). فيمتدح العديد من الكتاب الإسرائيليين الذين بادروا مثله إلى تطوير العلاقة بين الأدباء: "يؤسفني أن أمثال الأديب المناضل مردخاي أبي شاؤول هم قلائل في إسرائيل"(42) "بيد أنّي أريد أن افترض وجود شعراء مبدعين، مثل يهودا عميحاي، وداليه ريبكوفتش، ذوي استعداد أوّلي لفهم أمثالنا"(43). ويحتج الشاعر على ظاهرة تقديم الشعراء بصورة "حملة شعارات" و"معادين لليهود" حين يُرجع – يعزو- السبب إلى الانغلاق الموجود عند الأدباء العبريين. على أي حال، لم تخل لقاءات التفاهم مع أدباء يهود من الخلاف في بعض الأحيان، وأحيانا أخرى كانت مثمرة ومفيدة، صارح كلّ منهم الآخر، ووضعوا نقاط البحث المختلفة على طاولة الفحص والمباحثة(44). ويتفاؤل محمود درويش من لغة الحوار هذه فيقول متحمّسا: "قد لا أرتكب خطأ فادحا، إذا تصوّرت أن هذه الحوار سيتحول إلى ظاهرة(45). ويلخص درويش وجود اتجاهين متعاكسين في الأدب والفكر الإسرائيلي بانيا نظريته على خلفية الحوار، الذي دار بين الطرفين: الاتجاه الأول: الذي يتفق مع العرب في أن السياسة الحاكمة لا تؤدّي إلى أيّ سلام وأي أمن، يشيع في هؤلاء القلق والتساؤل، فبعضهم مثالي، وبعضهم حريص على طهارة الصهيونية، وبعضهم واقعي، وقسم آخر حائر. الاتجاه الثاني: القائل أن الصهيونية وإسرائيل ليستا مسؤولتين عن سفك الدماء، وأن العرب هم المسؤولون، وأن هذا الوضع المأساوي قدر لا مفر منه(46) كان درويش يعتقد أن الاضطهاد القومي، والاضطهاد الطبقي شعاران أساسيان اعتمدت عليهما الحركة الصهيونية منذ البداية(47) وعلى خلاف ما يذكر شموئيل موريه في أن القرآن الكريم ساعد على تشويه شخصية اليهودي في الأدب العربي(48). يقول درويش :" التاريخ العربي لم يعرف العداء لليهود"(49)

أخذت الهوية الفلسطينية شكلا موحّدا أكثر بعد حرب الستة أيام، وخاصة بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، إذ خاب أمل الفلسطينيين في أن يكون الحل على أيدي الدول العربية المختلفة(50) ونلاحظ هذا التعاطف الودي بين عرب إسرائيل وعرب الضفة في قصيدة "يوميات جرح فلسطين"، التي أهداها درويش إلى الشاعرة فدوى طوقان:

"لم نكن قبل حرب حزيران كأفراخ الحمام

ولذا، لم يتفتت حبنا بين السلاسل

نحن يا أختاه، من عشرين عام

نحن لا نكتب أشعارا، ولكنا نقاتل"(51).

وكما كان قد ذكر في ديوان"عاشق من فلسطين" أنه لم يترك البلاد، ذكر أيضا في هذا الديوان التصاقه بالأرض وكفاحه من الداخل:

" آه يا جرحي المكابر

وطني ليس حقيبة

وأنا لست مسافر

إنني العاشق والأرض حبيبة"(52)

وكان قد كتب يوميات جرح فلسطين قبل رحيله عن البلاد(53) ولم يستطع درويش أن ينفذ هذه الوعود لأنه أصبح يرى أن الأمل سيأتيه من الخارج، أو كما يقول"من خارج الزنزانة"(54).

وفي بداية السبعينات رحل الشاعر عن البلاد، وانضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وبذلك أصبح الشاعر القومي الفلسطيني الأول(55). لم تتحقق آماله في العودة إلى البلاد كما كان يقول بأن عودته ستكون في موسم البذار، إذ على عكس توقعاته، أخذت فجيعته تكبر كلما تنقل بين عواصم الدول العربية، وأدرك هناك أنه أصبح بلا وطن(56). لقد أثار رحيله ردود فعل مختلفة في البلاد وفي الخارج(57)، وكانت أغلب هذه الردود تتهمه بالضعف ومحاولة إيجاد المبررات لخطواته هذه، يقول سميح القاسم: "لا أشك للحظة في حبك لشعبك ووطنك…. ولكني أشك في أن خطوتك هذه كانت أمرا لا مفرّ منه.."(58)

وفي قصيدة "رحيل المتنبي إلى مصر" التي ألقاها درويش عام 1978 لأول مرة، يستعير تجربة المتنبي لكي يكتب عن تجربته في العواصم العربية واصفا خيبة الأمل التي لاقاها هناك"(59) وفي أعقاب آذار 1976، بعد أن صادرت الحكومة الإسرائيلية العديد من أراضي الجليل، كان قد كتب قصيدة "الأرض" التي يلاحظ فيها حنقه على الظلم والاستبداد، مُتفوّها في جمل غاضبة ضدّ الجنود الإسرائيليين:

"سنطردُهم من إناء الزهور وحبل الغسيل

سنطرُدهم عن حجارة هذا الطريق الطويل

سنطرُدهم من هواء الجليل"(60).

"وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض

أسرارها الدموية : خمس بنات على باب مدرسة ابتدائية

يقتحمن جنود المظلات"(61).

"أيها العابرون على جسدي

لن تمرّوا

أنا الأرض في جسد

لن تمرّوا"(62)

وفي هذه القصيدة يصفدرويش بشاعة الجندي الإسرائيلي في سلبية واضحة. تتكرّر هذه الصورة في قصائده: "الخروج من ساحل المتوسط"(63) وقصيدة "الحديقة النائمة":

"وريتا تنام .. تنام وتوقظ أحلامها

– نتزوج

نعم

– متى

حين ينمو البنفسج على قبعات الجنود"(64).

وأخذ درويش يكتشف أن ما كان يفكر به عن دمشق والقاهرة، اللتين توقع منهما الكثير، لم يكن صحيحا. ها هو في قصيدة "أحمد الزعتر" يبدأ باكتشاف أمرهما:

"كلما آخيت عاصمة

رمتني بالحقيبة

فالتجأت إلى رصيف الحلم والأشعار

كم امشي إلى حلمي فتسبقني الخناجر

آه من حلمي ومن روما"(65).

فالوطن الذي لم يكن حقيبة أصبح بالفعل حقيبة، وتحوّل البحث عنه عملا غير ملموس. يأخذ الشاعر في الابتعاد عن الواقع واستحضار الحلم لكي يعوّض عن الواقع المرير الذي صُدم به. هذا ما يمكن أن نلاحظه في أشعاره الكثيرة بعد خروجه من البلاد خاصة في أسلوبه الرمزي(66)ويكتشف درويش أنه فقد الوطن، إذ يحتار إلى أين يرحل؟ وفي أي الجّهات يُناضل وحين يرثي راشد حسين يقول:

"التقينا بعد عام في مطار القاهرة

قال لي بعد ثلاثين دقيقة

ليتني كنت طليقا

في سجون الناصرة"(67)

وهكذا فهو يتمنى السجن في ظلّ الاحتلال على الإقامة في الدول العربية، فعلى الأقل كان في البلاد يملك وطنا.. بيتا وعائلة(68).


1. محمد دكروب. "مع الشاعر محمود درويش"، الجديد، عدد (3) (1969)، ص 24.

2. ن. م.

3. انظر: مقابلة أدبية مع محمود درويش، الآداب، عدد (9)- أيلول 1970- ص3، فيما يلي انظر: (درويش، آداب).

4. محمود درويش، ديوان محمود درويش: آخر الليل (عكا: دار الأسوار، 1988) ص183-186. فيما يلي انظر: (درويش، آخر).

5. درويش، آداب، ص 3.

6. ن. م، ص 2-3.

7. رجاء النقاش. "مع الطبيعة في شعر محمود درويش"، الهلال، عدد (7) (تموز 1968)، ص 18-19.

8. درويش، آخر، ص 169.

9. BENNANI, B.M. The poetry of Mahmud Darwish: a critical Translation (state university of New york Binghamton 1979، p.12.

10. درويش، آخر ، ص 169.

11. انظر: Bennani، 172.

12. دكروب، ص23.

13. عبد القادر القط. "شعراء المقاومة بين الفن والالتزام "، المجلة ، (1971)، ص8.

14. محمود درويش. "لهم الليل والنهار لي"، الآداب، عدد (4) (1970)، ص6.

15. درويش، آخر ، ص197.

16. Bennani، ص171.

17. درويش، آخر، ص197-198.

18. Bennani، ص171.

19. درويش، لهم الليل، ص 6.

20. ن، م، ص 6-7.

21. يوسي الغازي، "حديث صحفي مع محمود درويش"، الجديد، عدد (11) كانون أول (1969)، ، ص 30.

22. Bennani، ص 168.

23. محمود درويش، يوميات جرح فلسطين، (الطبعة الثانية ، بيروت: دار العودة، 1970)، ص 73.

24. Bennani، ص169.

25. درويش، آخر ، ص192.

26. محمود درويش، العصافير تموت في الجليل، (عكا: دار الأسوار 1988)، ص272. فيما يلي انظر: درويش، العصافير.

27. ن.م. ص261.

28. القط، ص9.

29. درويش، العصافير، 263.

30. انظر: ראובן שניר. "מיקרוקוסמוס של טרגדיה", הארץ, 24.11.1989 (חלק א').

31. محمود درويش، "أنقذونا من هذا الحب القاسي"، الجديد، جزء(6)-1969، ص 2-4.

32. انظر: שניר מיקרוקוסמוס .

33. חיים הנגבי, "כח שירה 1" ידיעות אחרונות, (29.5.1989), עמ' 76.

34. دكروب، ص25 ; غالي شكري، "أبعاد المقاومة في شعر المقاومة العربية"، الآداب، عدد (7)، بيروت 1969، ص 18; القط، ص 2; وغيرهم.

35. دكروب، ص25.

36. درويش، آداب، ص2.

ن. م.

37. غالي شكري. "أبعاد المقاومة في شعر المقاومة العربية"، الآداب، عدد (7) (1969)، ص18

38، ص18.

39. درويش، آداب، ص2.

40. درويش، لهم الليل ، ص 6.

41. ن، م.

.[42] ن، م .

43. ن، م.

44. محمود درويش "من المونولوج إلى الديالوج"، الجديد، العدد (11)- 1069- ص 3-5.

45. درويش، آداب، ص5.

46. ن، م، ص5.

47. محمود درويش، "واقع الكاتب العربي في إسرائيل"، الآداب، عدد (12) (1970)، ص5.

48. יהושפט הרכבי, יהושע פורת ואחרים, סכסוך ערבי ישראלי בראי – הספרות הערבית, ירושלים : מוסד ון ליר, 1975، עמ' 25-26.

49. درويش، واقع، ص6.

50. انظر: ג'ורג'קנאזע. "יסודות אידיאולוגיים בספרות הערבית בישראל", המזרח החדש, (תשמ''ט- 1989), עמ' 13.

51. محمود درويش: ديوان محمود درويش: حبيبتي تنهض من نومها (عكا: دار الأسوار، 1988)، ص342. فيما يلي انظر: درويش، حبيبتي.

52. ن، م، ص 347.

53. عادل الأسطه، دراسات نقدية، جت المثلث: مكتب اليسار، 1987، ص19.

54. ن، م، ص 20.

55. שניר, מיקרוקוסמוס.

56. الأسطه، ص20.

57. سهيل إدريس، "قضية محمود درويش"، الآداب، نيسان 1971، ص2.

58. سميح القاسم، "رسالة إلى محمود درويش"، الآداب، نيسان 1971، ص35.

59. الأسطه، ص76.

60. محمود درويش، أعراس، عكا: دار الأسوار، 1977، ص 82.

61. ن. م، ص95.

62. ن، م، ص106.

63. محمود درويش، محاولة رقم 7، عكا: دار الأسوار، 1977، ص45.

64. درويش، أعراس، ص134-135.

65. ن، م ، ص44.

66. الأسطه، ص20.

67. درويش، أعراس، ص23.

68. الأسطه، ص 20-21.

‫5 تعليقات

  1. بكل فخر واعتزاز مدرسة النجاح الثانوية في رهط ومعلموها يهنونك ايها الفنان والدكتور صالح ابو الليل الف شكر

  2. حبيبي ايو يوسف انت ملك بالفن واستاذ علي راسنا من فوق يا غالي يا اروع دكتور

  3. الف شكر الك مواضيع شيقه من ادبنا المحلي غابت عنا كثيرا قدما والى الامام

  4. ممكن تحليل لقصيدة العصافير تموت فى الجليل أو شرح مبسط لفكرتها؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة