تأمُّلات

تاريخ النشر: 20/06/13 | 2:20

تأمَّلَ صويلح الحسن طويلا ما فعله الإنسانُ بنفسه وبغيره

مافعله بأمِّه الطبيعة وما هو مدفون في باطنها وما هو مُحَلِّقُ في فضائها من خيرات حياة،

ما فعله بشتى تجَلِّياتها الحياتية كالبحار والأنهار والجبال والليل،

ما حاول الإفادة منه في غير ضروراته وكان كل هم البعض أن يجعلوا ناسهم الأخرين والأكثرين عبيد شهوات، بَذخٍ زائف وعبيد عنف وخضوع، فجعلوا الحياة نقيض ما هي، حتى أنَّ بعض من باتوا يتساءلون عما فعله إنسان العراق السومري وغيره، حَتّى أغضب الآلهة، فقررت معاقبته على مابلغه من تشويه معالم حياة، فظهرت فكرة الطوفان الأول، الذي لم ينجُ منه إلا بعض ما كان ضروريا لاستمرارية الحياة.

حَدّث صويلح الحسن نفسه تلك الليلة، قال:

الطوفان كان منذ البدء أسطورة آلهة وكان رَدَّا على تساؤلات حياة ، إلاّ أنها كانت أسطورة موحية.

حضرته حالا اسطورة " القرية الضّائعة " لأفلاطون الفيلسوف اليوناني .

قالَ صْويلِحِ الْحَسَنْ بعدها :

حقا تلك أسطورة أيضا، في حقيقتها هي أسطورة غضب آلِهِة، مثلَ أسطورة الطوفان العراقية السومرية القديمة، لكنها تتضمَّنُ سِرَّ غضب الآلِهة . المُحَصِّلة كانت واحدة:التدمير الذاتي " تدمير الإنسان لذاته.

أحسَّ صويلح الحسن بنقيض ما يقكِّرُ ، فقال:

كأنْ لا جديد تحت الشمس ، فما هو حاصلٌ اليوم ، حصل أمس ، حدث طوفان وضاعت قرية .

هزَّ لحظتها رأسه قليلا ، بات عالمنا بفعل الحواسيب ، التليفزيونات والأيفونات المُتكلِّمة والمُصوِّرة وما فيها من بريد إلكتروني ، باتَ عالمُنا قرية صغيرة ، يتهدَّدُها جشعُ شرسُ وما يترتَّبُ عنه من تغوُّل عنف ، طمعٍ وجوع وانعدام بوصلة حياة إنْسيانِيَّة .

وكم وَدَّ صويلح الحسن لحظتها لو استطاع رؤية ما يمكن أن يُشير إلى خلاص الذات الإنسانية اليوم مما هي فيه .

تأمَّلَ مسار حياته تلك الليلة ، فازدادَ يقينا أن مسارَ هذه الحياة هو وَليد موروثٍ شخصيٍّ وجمعيّ ووليدُ بيئة موروثة من بيئاتَ عُبوديّات قديمة، تغيّرت بَعْضُ تجلِّياتِها أبعاد قفصها الحياتي، لكن القفص ما زال قفصا، لم يتغيَّرْ جوهره ولم يتبدَّلْ .تَخَوَّفَ قليلا من تأمُلاتِهِ المُتَسائِلَة،

قال مُطَمْئنا نفسهُ:

لَمْ أكُ ذاتَ يومٍ في سنيني الْواعية أومِنُ بالقضاء والقدر، فالإنسان سيُّدُ ذاته، أو كما قال صاحبٌ قديم :

لِمَ

" اسْتَعْبَدْتُمُ ألناسَ وَقَدْ ولدتهم أمهامتهم أحرارا " ،

استدرك حالاً، لكن ثمة من جعلهم عبيدا وأبقاهم عبيدا، فبات الإنسان مُرْغَما بمختلف الوسائل يُحافظ على هذه العبودية . وهذا النفر " الثمة " حرص على الغالب على تبرير تلك

العبودية وتزيين أمرها بالحديث الموهم عن أن هناك قضاءً وقدرًا .

استعاد من الذاكرة ما قرأه ذات يوم في كتابِ ديوان الشعر السومري .

يَحْكون قٍصَّةَ الخليقة :

في ذلك الحين لم يكن الإنسان قد وُلِدَ . وكان مجتمع ذاك الزَّمِن الحياتي مُنْقَسِما بين آلهة كبيرة وآلهة صغيرة . ألآلِهَةُ الصغيرة تعمل في حقول المعابد على الأرض خِدْمَةَ للآلهة الكبيرة . أصاب التعب والغضب الآلهة الصغيرة ذات يوم ، فلجأتْ إلى الإحتجاج والتمرُّد على ما هِيَ فيه .

انعقد مجلس الآلهة ، الكبيرة والصغيرة ، معا للتشاور فيما يمكن فعله . تفتق عقل كبير الآلهة عن ضرورة خلق بديل لتلك الآلهة الصغيرة ، فأمر زوجته بان تجبِلَ دمًا أخذه من أحد الآلهة ( تبرعا من ذاك الإله ) ، أن تجبله بحفنة تراب وبثَّ فيه بعض أنفاسه . عندها ولد الإنسان فهبط إلى الأرضِ وبدا يعمل عبدا في أرض الآلهة .

تَأمَّل صويلح الحسن تلك القصة الأسطورة ، قال لنفسه مُجَدَّدا :

حين تأملتُ مسار حياتي ، ازدَدْتُ إدراكا أني لم أختر مساري ، وإن كانت أمي الحياة وَلَدتني حُرًّا ! فعبوديتي هي وليد بيئة مجتمعية ، بيئة مجتمعي . ولن أصير حُرًّا حَقّا ، إلاّ حين أبدأ في التمَرُّد العقلي على ما أنا فيه . فالحُرِّيَّة الحقيقية هي شوط حياة وهي حاجة ضرورية ولن يصبح المرء حرًا ، إلاّ إذا صارَ سَيِّدَ ذاته ويحسن ُ قَوْلَةَ : " لا " عند الضرورة وعند الحاجة وحين السّؤال .

قال مُشَدِّدًا " التمرد العقلي ، التمَرُّد العاقل الواعي ، لا العنيف " ,

فالعنف هو عكس العقل المُجَرِّبِ ، الْواعي والسَّليم وعكس السعي بحثا عن معرفة ولا يُحقِّقُ تغييرا منشودًا .

شعر صويلح الحسن للمرّة الثانية بالتعب الجسدي ألم بكلِّ أطراف جسده ، بدأ يتحرَّكُ هامِسًا :

" الحركة بركة " ،

وهو ما علَّمَتْهُ الحياة .

ترك كرسِيَّه الخشبي وراح يتكيء على عصاه عائِدا إلى سريرِهِ المَرَضِي، ليبدأ نومه اليقظ تلك الليلة، تأمَّلَ ما قرأهُ في ذلك" الديوان الشعري العراقي القديم "، الغني بإيحاءاته الفريدة، كما يجمل بالشعر حقا أن يكون ليكتسب هذا النص الشعري وهج حياة، تأمَّلَ ما يوحي به ذاك النص قبل نومه، فازداد قناعة أن الأساطير كتبها كتبة قصر، أكثرهم، من كانوا ينعمون بفتات خبزه ويقاتلون بسيفه الموجع والجارح، تذكر، وكان يهمُّ باكتساب الراحة الجسدية، ولو لبعض حين، تذكَّر " خمبابا "، وحش الغابة وحارسها، قتله الملك، كلكامِشْ، لا بحثا عن خلود لم يكن ولن يكون، إنما رغبة بتوسيع حاكورة قصره وما يحيط يها من قفصٍ حدودي، أسماه مدينة، أنزلتها الآلِهة، كما تروي أسطورة عراقية قديمة، ليجلس ملك فوق عرشها الأرْضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة