قررت الرحيل

تاريخ النشر: 13/05/10 | 18:34

حين تدمينا جروحنا، تصعقنا العواصف، تقتلنا آهاتنا، تطيرنا الرياح، ويأسرنا كتماننا .. نود الرحيل ! قال جبران : ” أتمنى أن تبقى حياتي دمعة وابتسامة : دمعة تطهر قلبي وتفهمني أسرار الحياة وغوامضها، وابتسامة تدنيني من أبناء بجدتي وتكون رمز تمجيدي الآلهة. دمعة أشارك بها منسحقي القلب، وابتسامة تكون عنوان فرحي بوجودي .” لست أخجل بقراري هذا يوماً، فقد انبثق عن لحظة ألم ووجع.. تجرأت واعترفت أنني تألمت وزادت محبتي لذاتي، فمنا من يخجل بحزنه أو يظهره ليشفق الناس عليه، أما أنا لأن أوراقي وأقلامي أحب أصدقائي فرحت أن أخبرهم عن واقع عشته.. ما كان يحيرني أنني بعد كتابة القصيدة كأنني أزحت حجراً عن قلبي! وكأن القرار الرحيل أصبح بمثابة جذور ترغمني على البقاء ! فلنمزق هذه الأقنعة التي تأسر وجوهنا، فجميل بكاؤنا وطاهر! وحياتنا فعلاً هي دمعة وابتسامة !

قررت الرحيل

اليَوم عَزَمت على إغْلاق حَقائبي الممْتلئة ..

قَررت أنْ أرْحَل .. إلى هُناك، إلى البَعيد..

امْتَلأت حَقائبي ولمْ يَعُد هُنالكَ مُتسع لإدْخالِ أي شَيء فِيها !

امتَلأت بالغَدْر.. بالأَلم .. وبالخِيانة !

حَتى أنني لمْ أعُد أقْدرُ عَلى حَمْلها .. إنها ثَقيلة !

قَررت أنْ أرْحَل.. لا أنْ أهْرُب !

ضاقَت بِيَ الحَياة .. تِلك الحَياة التي عَشِقْتُها ..

وَهَبْتُ قَلبي لهَا، فأرْجَعَته لي رَماداً

أَحْرَقَتْهُ .. بِكُل مَعاني اللاّ إنْسانِية !

بَعْدَما داسَت عَلى أوْتارِه الحَساسة !

أَذْكُره ..

كانَ في كُل صَباح يُنْشد أغْنِية جَديدة ..

أناشِيده لمْ تَكُن لَهُ ! بَل كانَت للحَياة ..

للمَحَبة، للصَداقة، للأمانَة، للوَفاء، للإخْلاص، للسُمو والعُلا، وللتَضْحِية !

وكانَ يَشْدو مَع كُلِّ مَساء ، ويَحْلُم بِغَدٍ أفْضَل !

لَكِنها الحَياة .. اسْتَعبَدته، ورَضِيَ بِذلك !

لمْ يَتْرُكها .. لمْ يَرْحَل عَنها .. ولمْ يَهْرُب ..

بَل كانَ صابِراً .. شامِخاً مَعْ كُل جُرْح !

يَتَألم مَع فُقْدان وَتَر مِنْ أوْتارِه .. ويَضْحَك !

كانَ يُؤمن أنّ أوْتارَه أبَدِيّة .. فَفوجِئ عِنْدما رَآها تَشْتَعِل نيراناً وتَموت ..

كانَ يُوقِنُ أنّ أوْتارَهُ لا نِهائية .. فَحُرق مِنْ صَدْمته عِندما انقَضَت ..

وعادَ إليّ رَماداً ..

حَتى رُجوعهُ الغَريب.. كانَ بِمَوكِب فارِغ.. بِدونِ أَحِباء، بِدونِ أصْدِقاء، ولا حَتى مُعَزين!

أما أنا .. فإني انْتَهَيْت مَعه !

كَيف لِي أنْ أكونَ جَسَداً بِدون قَلْب ؟!

لِذلك .. قَررت الرَحيل ! فَلمْ يَعُد لي قَلْب !

ولمْ يَعُد يُنير دَرْبي الأَمَل ..

ولا إيمانَ عِندي بِعَدْل في الحَياة ..

إنِي راحِلة .. إلى عالَم السُكون .. عالمَ الصَمت .. عالَم الوِحْدة ..

فَرِحَة أنا !

رُغْم أنّ حِبْر قَلَمي يَجِف ..

فَلمْ تَعُد يَداي تَحْلُم بِوِلادة قَصائِدٍ مِنه .. ولمْ تَعُد تَحِبُ العَطاء !

إنهُ عالمي .. وكَم أنا مُشْتاقَة له .. عالَم مِنْ الوِحدة .. أكون مَلِكة فِيه !

فَيا حَياة ..

اسْتَمِعي لِكَلِماتي الأَخيرة ..

إنني لَنْ أكونَ مِثْلك .. ولنْ أسْلُك نَهْجَك القاسي ..

أصْغي إليّ ..

سَأحِب .. بِدون أنْ آخُذَ قَلْب مَنْ أُحِب ! لا بَلْ سَأهديهِ قَلْبي ..

سَأُسامِح .. مَعْ انَبِثاقِ أوّل خيُوط الإحْساس بالذَنْب ! ولَنْ أَكون مُتعالية مِثْلك أدوس

على الكَرامة كَي أُسامِح ..

سَأعْطي.. فإن العَطاء هُو أنا، سَأُعْطي بِدون أنْ آخُذ مُقابِلاً لِعَطائي ..

سَأصَلي .. لِتَدوم المَحَبة تُرَفْرف فَوْق حُدود مَمْلَكَتي، وسَأطرد غُيوم الكَراهِية مِنْ سمائي..

سَأحارِب .. بِقِيَمي ومَبادِئي السامِية، بإيماني، بثِقَتي، ولَيْس بِجُيوشك المُتَغَطْرسة..

سَأضَحي .. بِكُل شَيء تَحْت ظِلال الإنْسانية وأبداً لنْ أتَجرد مِنها مِثْلك..

سَأفي.. فإنَ الوَفاء ديني، والأَمانة كِتابي، والإخْلاص مُقَدساتي، ولنْ أُدَنِسَها بِتَعاليم كاذِبة

كَما فَعَلْتِ ..

وسَأكون أنا .. سَأحِب ذاتي.. سَأنْتَصِب دائماً.. دونَ أنْ أمِس بِمَنْ حَوْلي وأتَكَبر، فَيَنْفُر

مِني مَنْ أُحِب ..

أعَرَفْتِ الآن ما الفَرْق بَيني وبَيْنك ؟!

أنا مَنْ أسْتَحِق الحَياة ! وأنْت الحَياة .. تَسْتَحِقين المَوْت !

لَكِن .. مَا يُفيد الكَلام ! فَقْد اقْتَرب مَوعِد رَحيلي ..

فالحِكْمة الإلهِية وهَبَت الحَياة حَياةً .. ووَهَبَتْني رَحيلاً .. ومَوْتاً ..

مَوْتاً في دَفاتِرك .. وفِي قُبورِك ..

وحَياة في الأبَدِية .. وسُمواً في مَمْلكة الإنْسانِية .. وخُلوداً فِي أحْضان اللاّ وُجودِية !

الآن ..

حَان مَوْعِد الرَحيل ..

فَقَلَمي جَفّ ..

وقَلْبي إحْتَرق ..

وطَعنات الغَدْر أدْمَت كُل جَسَدي ..

فهَنيئاً لَكِ ! انْتَصَرت في الواقِع ..

ولمْ تَنْتَصِري في خَيالي .. وحَياتي الجَديدة ! بَل دَفَعتِني إلى حَيْث أحِب ..

أشْكُرُك .. فَلَيْس مَنْ طِباعي أنْ أُسيء لِمَنْ أحْسَن إلي يَوماً ..

أو أنْكر جَميلاً مَنَحَني إياهُ أحَد ..

أضيفيهِ إلى الفُروق .. وتَذَكَريه ..

فَما زِلْت أذْكُر لحَْظة أضَحَكتِني بها !

يَا حَيـــاة ..

لَكِ الدُنيا ولي الأَبَدِية … لَكِ الكَوْن ولي الأَزَل … لَكِ بَقاء ولي خُلود !

وَداعاً ..

إني رَحَلْت ..

‫20 تعليقات

  1. لما ترحلين .. أنت عز للأمة ، لما تقررين ذلك .. وكلنا نتمسك بك !
    لا يا سجى .. لا تفكري يوماً بالرحيل !
    موفقة يا مبدعة … قصيدة معبرة وجميلة وراقية، ولا عيب في الحزن الذي لا يظهر في وجهك !
    إلى الأمام يا كتابة متألقة دوماً

  2. سجى كل الاحترام .. ابداع .. لديك الكثير من الاحاسيس والتعابير المرهفه والرائعه .. دائما وابدا اتمنى لك كل الخير .. والنجاح الدائم .. بالتوفيق سجى ..

  3. سجى.. عنجد رائعة! لا توجد اي كلمات تستطيع ان تعبر بكل صدق وصراحة عن جمال وروعة وعذوبة كلماتك.. فقط اقول لك كل الاحترام ووفقك الله في كل ما تحبين وما يحب…

  4. ما شاء الله ,استسلام مؤقت قصير مفتعل لاسترداد عظمة القوى ,و ثم الهجوم برفقة التمسك القيم والمبادىء بكل اشكالها وتنقضي على اليأس والاستسلام وترديهما ارضا ليعلن كل من شاهد بانتصارك.
    مبدعه ,معبره كلماتك يا سجى ينبثق منها الامل وعدم الاستسلام.
    الى الامام اختي الصغيره فبامثالك ينتصر القلم على الجهل الغازي امتنا………

  5. والله يا سجى انك عظيمة .. فقد استطعت تحرير دمعتي العزيزة التي لا تتذوق طعم الجريان على خدي الا نادرا… كبيرة انت كبيره… فهنيئا ليراعك وله كل الفخر بان اناملك الرقيقة قررت ان تمسكه دون بقية الاقلام…. هنيئا له لأن همساتك العذبة انسابت عليه لتسقط حبره على اوراق الزمان … فيبقى حبره ابديا … لا تفنيه الحياة ولا الممات …. لم اجد الكلمات التي يمكن ان تثني على كلماتك … فكيف عساني اجد الكلمات التي من شأنها ان تثني عليك !!! كبيرة انت عظيمه …. احبك في دين الله اختاه… فليحبك الله …

  6. دمت ذخرا للمجتمع على هذه الكلمات المؤثرة والجميلة الخارجة من احدى صفحات قلبك الصافية وكتبت بواسطة يداك التي تحارب الظلم وتؤيد السلام والامان ابقاك الله شمعة لا ينطفئ نورها….

  7. سجى حبيبتي بتجنن كتير كتير كلماتها حلوة ومبين احساسك …
    بالتوفيق بستنا بالقصيدة الجاي…

  8. الى اين ستحملين حقائبك التي “امتَلأت بالغَدْر.. بالأَلم .. وبالخِيانة”, وتشدين الرحال يا سجى؟! إلى أين انت راحلة .. “إلى عالَم السُكون .. عالمَ الصَمت .. عالَم الوِحْدة ..”.. لا ترحلي, عودي فالخير موجود فينا والحب منحوت في قلوبنا والأمل يشع لنا من بعيد بابتسامة مادا لنا ذراعيه لحياة مفعمة باالفرحة والعطاء, بالوفاء والاخلاص… وانت يا سجى بقلمك مخلصة لمكنون وخفايا قلبك وعقلك, وفية أنت لمبادئك وقيمك, فلما الرحيل اذاً ما دمت نفسك انت قوية بذاتك.. ولك ألحق في ذلك..فسيري هناك ألأمل …وانت بنفسك قلت ” وسيبقى ألأمل”!!

  9. سجى يا سجى .. يا شاعرة يا سجى !!
    خبرو الكل .. كفرقرع تفتخر بولادة شاعرة متألقة متميزة !
    وحكولهم عن أدبها ولابقتها وشطارتها !
    سجى يا نجمة لامعة يا مميزة إنتي ! الله يحماك يا عزنا

  10. قصيدة فوق الرائعة…أحببتها كثيراً..اكثر ما احببت هي كلماتك الاخيرة مع الحياة…فهي تعكس مدى رقيك الانساني ومدى متانة عقيدتك المبنية على كل القيم والمبادىء…بوركت اناملك يا حبيبتي…اذا كان الرحيل هكذا فخذيني معك..واذا كان الرحيل هكذا فما اجمل الرحيل!!

  11. ما أروعك يا سجى.. بوركت اناملك الناعمه يا صديقتي العزيزة… يلا منستنا بالجديد على أحر من الجمر.. بالتوفيق حبيبتي..

  12. احاول انت اكسب الكلمات لاصنع علاقة بيننا … علي ارسم لوحة شكر لك …
    احببت الكلمة الاولى منك واحب الكلمة الاخيرة ايضا منك …
    بيننا الكثير من الكلمات حتى اصل الى قلبك وانحني شكرا لك …
    احبك ، واحب قصائدك اكثر..
    “” بقولك انو انا بالمدرسة “””

  13. قصائدك كثير حلوة كل ما افتح وحده بلاقيها احلى من الي قبلها وصورتك بتجنن اخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة