قبل أن تعلموا أولادنا العبرية.. علموا أولادكم الإنسانية

تاريخ النشر: 28/08/15 | 17:50

ضِمن حُزمة ما جاء به وزير التعليم الإسرائيلي الجديد “نفتالي بينت”؛ رئيس حزب “البيت اليهودي”، استعدادًا لافتتاح السنة الدراسية الجديدة، إلزامه للمدارس العربية بتعليم الطلاب اللغة العبرية؛ بدءًا من صف البستان، وليس من الصف الثالث كما كان الحال حتى يومنا هذا.

ظاهر الأمر ومحاولة تفسير الوزير قراره هذا بأنه للمساهمة في تأهيل الطلاب العرب للتمكن أكثر من اللغة العبرية، تسهيلًا لاندماجهم في الحياة العامة في الدولة، ولزيادة مستوى تعليمهم حتى يتمكنوا من الانخراط في كافة مجالات العمل، وقبل ذلك حتى يتمكنوا من دخول الجامعات والتعلم فيها، وفي التالي تضييق الفجوة بين العرب وبين اليهود سعيًا للوصول إلى المساواة التامة!!!!

لا شك أن ظاهر هذه الخطوة جيد وجميل، ولكن لا يمكن أبدًا التغاضي عن خلفية الوزير السياسية وآرائه ونظرته إلى العرب عمومًا والفلسطينيين خصوصًا؛ هذه الخلفية المُغرقة في التطرف والمواقف المغمسة بالكراهية، والممارسات التي تدل دلالة واضحة أننا أمام وزير يميني مستوطن يكره الفلسطينيين كراهية عمياء، وأنه أصرَّ على حقيبة التعليم ليستطيع، عبر مناهج التعليم، رسم صورة الدولة وهويتها لتكون يهودية خالصة.

فإذا كان السيد وزير المعارف حريصًا، وبحق، على رفع مستوى التعليم في الوسط العربي ليصبح بنفس مستوى التعليم في الوسط اليهودي -كما يزعم- فإنني أدعوه إلى إثبات حسن نيته عبر إلزام المدارس اليهودية بأن تعلم طلابها، بل وقبل ذلك معلميها، ما هو أهم من تعليمهم اللغة العربية أو تعليم الطلاب العرب اللغة العبرية، وذلك لتغيير نظرتهم المتأصلة حول هل العربي في أعينهم هو إنسان أو غير ذلك!!

يا حضرة الوزير! علموا الطلاب اليهود أن العرب ليس لهم ذيول!!

– علموا الطلاب اليهود أن العرب ليسوا صراصير.
– علموا الطلاب اليهود أن العرب ليسوا أفاعي سامة.
– علموا الطلاب اليهود أن العرب ليسوا حميرًا على هيئة بشر.
– علموا الطلاب اليهود أن العربي الجيد ليس هو العربي الميت.
– علموا الطلاب اليهود أن محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي العرب؛ ليس لصًا ولا كذابًا ولا قاتلًا، كما هو الحال في مناهجكم التي لا تجد اسمًا للص أو لقاتل في أية قصة إلا وتسميه محمدًا.
– علموا الطلاب اليهود أن القرآن الكريم؛ الكتاب الذي يتعبد به العرب، ليس من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم.
– علموا الطلاب اليهود أن العرب ليسوا غزاة (פולשים) اغتصبوا أراضي الدولة اليهودية.
– علموا الطلاب اليهود أن العربي لا يظل خائنًا ولا غدارًا حتى بعد موته بأربعين سنة، فلا يؤمَن مكره فيجب الحذر منه.
– علموا الطلاب اليهود أن مساجد العرب وكنائسهم لا يصح إحراقها ولا تدنيسها لأنها أماكن للعبادة مثل الكُنُس.
– علموا الطلاب اليهود أن رفات اليهودي في مقبرة دارسة في أطراف باريس أو برلين، توازيها في القدسية وضرورة الاحترام رفات المسلم في مقبرة “مأمن الله” التي أقيمت عليها خمارة، أو مقبرة “الشيخ مونس” التي أقيم عليها فندق “هلتون”، والأمثلة غيرها كثير.
– علموا الطلاب اليهود إذا ذكر أمامهم اسم عيسى ابن مريم عليه السلام، النبي الكريم، ألا يقولوا (لِيُمسح اسمه وذكره)، وألا يقولوا عن أمه مريم الطاهرة البتول إنها زانية، فهكذا يقول الحاخامات الكبار، فما بالك بالطلاب الصغار؟
وصدق الشاعر إذ يقول:
إذا كان ربُّ البيت بالدف ضاربٌ فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ
– علموا الطلاب اليهود أن العرب ليسوا سرطانًا في جسم الدولة، يجب اجتثاثه لمنع تفشيه.
– علموا الطلاب اليهود أن العرب ليسوا قنبلة موقوتة، ولا بد من التعامل معها قبل انفجارها.
– علموا الطلاب اليهود أن “باروخ غولد شتاين” المجرم الذي قتل 29 فلسطينيًا وهم في الصلاة في المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994 هو مجرم، وليس صِدِّيقًا يُبنى له قبر يُزار للتبرك منه، والدولة تعلم ذلك.
– علموا الطلاب اليهود أن ضابط الشرطة الذي كان مسؤولًا عن قتل 13 من المواطنين في انتفاضة الأقصى عام 2000 كان يجب أن يحاكم، وفي الحد الأدنى أن لا يُرقّى لقتله مواطنين، ناهيك عن ترشيحه ليكون الشرطي رقم واحد؛ أي مفتش عام الشرطة الإسرائيلية.
– علموا الطلاب اليهود أن الطبيب العربي في المستشفيات الإسرائيلية هو طبيب وهو إنسان، لا أن يرفض المريض اليهودي أن يقدم له ذلك الطبيب العلاج لكونه عربيًا، والحالات تتكرر.
– علموا الطلاب اليهود أن وجود مريضة فلسطينية في الغرفة ليس سببًا لجعل المريضة اليهودية تصر على نقلها إلى غرفة أخرى؛ لأنها لا تريد أن ترى عربية ولا أن تسمعها.
إنها أمثلة قليلة من قائمة طويلة مما يتوجب عليكم أن تفعلوه، إن كنتم حقًا وزراء للعرب ولليهود سواءً بسواء.
السيد الوزير “بينيت”؛ نحن نعلم مقدار كراهيتك للعرب، وأنت الذي تترأس حزبًا قوميًا دينيًا اسمه (البيت اليهودي). ومن حزبك هذا وزيرة القضاء “أييليت شاكيد”، التي تريد سن قانون حازم لمواجهة تعدد الزوجات في النقب، لا انتصارًا للمرأة ولا حرصًا على أطفال النقب وشفقة عليهم -كما زعمت- وإنما لمواجهة ما تسميه (حرب الأرحام) و(الحرب الديمغرافية)، لذلك فإننا لن نصدق أبدًا أنك حريص على تعلم الطلاب العرب اللغة العبرية منذ صف البستان وروضة الأطفال رغبة منك في دمجهم في كل مجالات التعليم والعمل، وإنما سعيد ليس إلا لمحاولة تشويه هويتهم وإفساد ألسنتهم ومسخ انتمائهم.
السيد الوزير؛ ليس المطلوب منكم أن تعلموا أبناءنا العبرية، وإنما المطلوب منكم أن تعلموا أبناءكم الإنسانية.
فعلموا أبناءكم أن العربي إنسان، وأنه ليس مجرمًا ولا مخربًا ولا إرهابيًا مفترضًا يجوز قتله وهو طفل، خشية أن يكون قاتلًا مفترضًا عندما يكبر، كما قال ذلك بصراحة الحاخام “أليتسور” في كتابه “توراة الملك”.
فيا حضرة الوزير “نفتالي بينيت” المتباكي على أطفالنا؛ عليك تنطبق مقولة العصفورة لصاحباتها وهن يرين الصياد تدمع عيناه من لفح البرد، فظنت العصافير أنها دموع الرحمة، فقالت لهن عصفورة: “لا تنظروا إلى دموع عينيه؛ وانظروا إلى فعل يديه”. إنها أفعالك ومواقفك وسياساتك العدائية ضد العرب، وما أكثرها!

حرب الألوان
كنت قبل عدة سنوات قد كتبت مقالة بعنوان “حرب الألوان على مقام الشيخ سمعان”، في إشارة إلى ما يجري من صراع على هوية أرضنا وتاريخنا بيننا وبين المؤسسة الإسرائيلية. وكان الشاهد على ذلك المقام والضريح الذي فيه قبر لرجل صالح اسمه “الشيخ سمعان”، والذي دفن في أراضي قرية “كفر سابا ” المهجرة الواقعة قريبًا من مدينتي الطيبة وقلقيلية، وكان موته قبل 200 سنة، وأنه رجل مسلم كما أفادت بشكل واضح وثيقة صادرة عن سلطة الآثار الإسرائيلية.
ما يحصل أن الإخوة في “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث” يجرون عميلة صيانة وترميم دورية لهذا المقام وغيره، فتطلى قبة المقام باللون الأخضر، فلا تمضي إلا أسابيع إلا والمسافر في الطريق السريع يرى القبة قد طليت باللون الأزرق، حيث تأتي جماعات دينية يهودية خلسة وتغير لون الطلاء وتكتب على لافتة أنه قبر “الصديق شمعون” بدل الشيخ سمعان، ويعود الإخوة في مؤسسة الأقصى وأبناء الحركة الإسلامية في المنطقة لطلاء المقام من جديد باللون الأخضر، في إشارة إلى هوية القبر وصاحبه وتاريخ المكان وأصحاب الأرض، وهكذا هي حرب الألوان على مقام “الشيخ سمعان” في جولات وجولات بين الأخضر والأزرق.
في الحقيقة إنني لم أكن أعلم لما اخترت هذا العنوان قبل سنوات أنني بذلك قد اخترت اسمًا لإحدى الطقوس الهندوسية المشهورة، حيث أن الهندوس في إحدى مناسباتهم الدينية، وقد احتشد منهم مئات الآلاف في أحد المعابد وحولها؛ يطلون بعضهم بالألوان المختلفة، حيث يسكبون ويرشون الأصباغ أو بالأيدي عنوة على وجوه وأجساد بعضهم البعض تقربًا للآلهة، حيث يظهر الواحد منهم بشكل مخيف ومرعب.. إنها “حرب الألوان”!
نهاية الأسبوع الماضي وإذا بسلطة رام الله تستضيف وتشرف على ما سمته “مهرجان حرب الألوان”. وقد نشرت الصحف والمواقع الألكترونية وشاشات التلفاز صورًا لمئات الشبان والصبايا الفلسطينيين وهم يظهرون وقد دهنوا بالألوان المختلفة وجوههم وشعر رؤوسهم وأجسادهم في مشاهد غريبة وعجيبة، في تقليد لذلك الطقس الهندوسي.
إنها سلطة رام الله إذن التي، وعلى ما يبدو وضمن خطة ممنهجة، تعمل على تمييع وتشويه ومسخ هوية الشعب الفلسطيني، ليس أنها استهلت وجودها عام 1993 بافتتاح أكبر مركز للقمار في الشرق الأوسط (كازينو أريحا)، بل إنها التي تحاول أن تجعل من الشباب الفلسطيني “شباب المياعة”، بعد أن كانوا يعرفون بلقب “شباب الانتفاضة”. إنهم يمنعون أي تجمع شبابي نصرة للقدس والأقصى، وإنهم يعتدون على من يعتصمون للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، وفي المقابل يستضيفون في عطلة عيد الأضحى القريب المغني المصري تامر حسني، وهو أشد المناصرين للمخلوع حسني مبارك، والذي طرد من ميدان التحرير إبان ثورة يناير، لا بل إنهم استضافوا كثيرين من هؤلاء المغنين وحتى مغنيات إسرائيليات في رام الله، وآخر ذلك مهرجان “حرب الألوان”.
يحدث هذا في الوقت الذي تعمل المؤسسة الإسرائيلية بكل الوسائل على مسخ هوية شعبنا؛ سواءً عندنا في الداخل، عبر إلزام أبناءنا بتعلم العبرية منذ الصف البستان، أو هناك عند أهلنا في غزة عبر لون الدم الأحمر، الذي ما يزال ينزف من آثار العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ 2008 وحتى 2014 مرورًا بحرب 2012. فهل يناسب شعبنا أو يليق بشبان وصبايا فلسطين أن يلهوا بمهرجان قذف ورش الأصباغ والألوان بعضهم على بعض، بينما لون الدم الأحمر هو الذي ما يزال ينزف ولم يجف من شهداء وجرحى غزة؟!
هل يليق بشعبنا الفلسطيني، الذي تفرض عليه أجندات ومشاريع مشبوهة، بإذن بل ومبادرة رجالات رام الله، مثل هذا المهرجان (حرب الألوان)، بينما خارطة فلسطين تتغير كل يوم عبر مزيد من الاستيطان والاغتصاب للأراضي الفلسطينية؟ أليس معنى ذلك غلبة وظهور لون الاحتلال على اللون الفلسطيني لتلك الأراضي المغتصبة؟
أليس اقتحام المسجد الأقصى المبارك، يوميًا، بأعداد تزداد كل يوم، من اليهود على حساب منع الفلسطينيين والتضييق عليهم من الدخول إليه، هو حرب ألوان حقيقية بين الوجود الفلسطيني والعربي والإسلامي في الأقصى وبين الوجود اليهودي؟
أليس بناء 102 من الكنس حول الأقصى (أصبحت 103 بعد بداية بناء كنيس “جوهرة إسرائيل” في حي الشرف جنوب غرب المسجد الأقصى) هو حرب ألوان حقيقية يراد من خلال القبة الكبيرة لذلك الكنيس أن تغير لون ومظهر وجمالية القدس، التي تنفرد بها قبة الصخرة المشرفة وقبة المسجد الأقصى المبارك؟!
فيا رجالات سلطة رام الله الذين تشرفون وتباركون هذه المهرجانات المشبوهة! إنه لم يعد أدنى شك في أنكم تمارسون دورًا لن تغفره لكم الأجيال الفلسطينية القادمة.
إن شعبنا في كل أماكن وجوده يتعرض إلى حرب حقيقية على الأرض، وعلى المقدسات، وعلى التاريخ، وعلى الجغرافيا. إنها حرب مفتوحة من قبل المؤسسة الإسرائيلية على شعبنا. فهل تواجه هذه الحرب المدمرة الاستئصالية، التي تستخدم فيها كل الإمكانات، بهذا الجيل من المائعين والمائعات، الذين يعبثون بصورة شعبنا وتاريخه ويشوهونها، ليس عبر الألوان وإنما عبر القيم المستوردة والسلوكيات الوافدة والأخلاقيات المرفوضة؟
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)

الشيخ كمال خطيب

00000aa_picture_20150315_4785468_web

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة