“التربية بين الدين وعلم النفس” للأستاذة بشرى شاكير

تاريخ النشر: 30/06/15 | 12:21

مقدمة: كتبت في صفحتي.. إلتقيت البارحة 27/05/2015، بوسط دار البيضاء، بالأستاذ والكاتبة والمترجمة والإعلامية المغربية بشرى شاكر Bouchra Chakir. أهدتني كتابها “التربية بين الدين وعلم النفس”، موقع بخط يدها. أعدها وأعد قراءها ونقادها أني سأقرأ الكتاب وأعلق عليه في أقرب الآجال بإذنه تعالى. ويتحقق الوعد ويتم العرض والتعليق على الكتاب، عبر الأسطر التالية..

أولا.. فيما أبدعت فيه الأستاذة
أحسنت الأستاذة حين أشارت في صفحة 14 إلى “النهي عن إرضاع الرضيع والمرأة تشاهد الحاسوب اي لايكون هناك ثالث، لأنه سبب العنف المبكر للطفل.”
تذكر الأستاذة حديث “ياأبا عمير مافعل النغير” في صفحة 18، وتستخرج منه حكمة ثمينة وتقول “هكذا كان صلى الله عليه وسلم يعلمهم الصلاة بالفعل بعد تشويقهم بالكلمة الطيبة واللعب معهم دون أن يرغمهم عليها في هذا السن الصغير”.
وترى في صفحة25 أن أفضل طريقة لتعلّم ابنك، هو أن تشاركه في لعبه كما لو كنت طفلا مثله تلاعبه.
أحسنت الأستاذة في صفحة 55، حين أشارت إلى أن “تأثير الإخوة على بعضهم البعض أكبر بكثير من تأثير الأبوين على أبناءهم، فالطفل الصغير غالبا مايختار أخاه الأكبر كمثال يحتذي به..”
أشارت الكاتبة في صفحة 58 إلى نقطة في غاية الأهمية والخطورة، خاصة وأن الأولياء والمربون لايلتفتون إليها، حين ذكرت أن “الشواذ غالبا مايمتلكون قدرة فائقة على الاستدراج بالحديث، فتكون أول خطواتهم إنشاء نوع من الحوار بينهم وبين الطفل الذي يجد لديهم مايفتقده في بيته، فتتكون بينه وبين الجاني ألفة تجعله يتبعه مغمض العينين…
وأشارت أيضا إلى أن أهمية الحوار الذي جرى بين سيّدنا إبراهيم عليه السلام مع إبنه سيّدنا إسماعيل كما جاء في صفحة 59، هي التي كانت من وراء استبدال ذبح سيدنا اسماعيل عليه السلام بذبح عظيم، مايدل على أهمية الحوار ونتائجه الحسنة.
أبدعت الأستاذة في صفحة 61، حين أشارت إلى ملاحظة طريفة فريدة، قائلة أن الله تعالى حاور سيدنا يحي عليه السلام وهو صبي. فإذا كان الله يحاور نبيا صبيا؟ أفنتعالى على ذلك نحن البشر !.
نقلت الأستاذة في صفحة 66، قصة رائعة عن الطفل وقيام الليل والحطب الصغير يستحسن الرجوع إليها، وتستخرج منها عبرة تتمثل في كون أهمية الحوار الذي أجراه الأب مع ابنه، ولولا الحوار لما وقف الأب على عظمة وصلاح إبنه.
أحسنت الأستاذة في صفحة 69، حين نصحت الأساتذة إذا استدعوا أولياء التلاميذ وأرادوا التحدث إليهم أن لايكون ذلك أمام باقي التلاميذ، وإنما يحاول الاتصال بوالديه بطريقة متكتمة وألا يجعل من الوالدين أداة يخوف بها الطالبـ، فالأساس أن نبني الثقة بين أبنائنا وليس أن نربيهم على الخوف وانعدام المسؤولية.
أثناء عرض الاستاذة لحديث الايمان في صفحة 81 “الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاه لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”، تلفت إنتباه القارئ إلى أن أضعف الايمان أن لاتنضاف إلى قائمة من يلقون بالقذورات على قارعة الطريق وإنك تؤجر أكثر على تنشئة ابنك على قيم اماطة الأذى عن الطريق.
تؤكد الأستاذة في صفحة 84 على أهمية اتفاق الأقوال والأفعال والصدق في التصرفات وهو مايشكل القدوة الحسنة التي يهتدي بها الطفل وهو في أول مراحله العمرية حيث تتشكل نفسيته، ويبدأ اندماجه في مجتمعه ومحيطه مايجعل الطفل لايفقد الثقة في والديه ومربيه. والأستاذة أحسنت حين تحدثت عن التأثير المتبادل للمعلم والوالدين على الابن. فالقدوة الحسنة للمعلم تنعكس ايجابا على الابن بحيث تزداد ثقته في والديه، وكذلك مع والديه حيث تنعكس على حبه وثقته في معلمه
وأحسنت أيضا حين أشارت في صفحة 89 إلى أن “هناك أطفال أذكياء جدا ولكن لديهم مشكل النطق، هؤلاء على آبائهم ومدرسيهم أن يحثوهم على القراءة فهي ستساعدهم على تحسين النطق وإبراز مهاراتهم للسطح”
وتؤكد على أهمية دور المحيط في صفحة 95، وتقول أن “الزيادة أو النقصان هي وليدة المحيط العام…”، وهي من وراء النجاح أو فشل الطفل، وليس بالضرورة الذكاء والغباء. وهذه ملاحظة القيمة نلمسها يوميا وعبر الدول المتخلفة، وأعيشها مع أبنائي الماهرين المتفوقين في السباحة، لكنهم لم يظهر نجاحهم لأنهم لم يجدوا المحيط الملائم.
وأحسنت في صفحة 110، حين شرحت قوله تعالى” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، بأن هذه الرحمة ليس فقط بين الأزواج بل هي رحمة للأبناء أيضا، فالزرع ينمو في بيئة سليمة.
وتستنكر إستعمال لفظ الإعاقة، وتدعو لاستبداله في صفحة 114، حين ترى أن الاعاقة لاتعني النقصان لان النقص يعلمه الله “فالله وحده يعلم باحتياجات كل شخص على حدة، وحين ينقصنا شيء فيكون في ذلك خير ما، وغالبا مايكون مع هذا النقص زيادة في أمر ما نتجاهله عند النقصان والإعاقة
وترى أن “هناك لفظ أحبه شخصيا وهو الأسوياء، وهو ماينطبق على الفئة المصابة بالإعاقة إذ أذكر أن الله وحده، يعلم الخير فيما يهبه أو يمنعه وبالتالي فهم أسوياء مادام هذا قدرهم وما دام أنهم يتساوون مع الآخرين عند الله
وكانت رائعة حين أكدت في صفحة 115 “إن المجتمع الذي لايستفيد من هاته الفئة من الناس هو الذي يطلق عليه عاجز ومقعد.

ثانيا.. نقد ماجاء في الكتاب
نقلت الأستاذة في صفحتي 20 و82 حديث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ينهى سيّدنا الحسين رضي الله عنه عن أكل التمر، لأن آل البيت لايأكلون الصدقة.
الأستاذة تستنتج من الحديث النبوي ضرورة تربية الأبناء على عدم أكل الصدقة. ويبدو من خلال القراءة، أن الاستاذة لم تعطي الحديث حقه من الشرح وأنها أقحمت الحديث دون مبرر له، لأن البعض يرى أن أكل الصدقة من البركة، وكان عليها أن تنبه إلى ضرورة تعليم الطفل عدم مد يديه لغيره وأن يقنع بما عنده، لأن ذلك سيئ ولا يليق بالمروءة، ونعلمه في نفس الوقت أن اليد العليا أفضل من اليد السفلى.
إن سياق الحديث، يتعلق بحالة خاصة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه، وبآل بيته الأطهار الذين لايجوز في حقهم أكل الصدقة، ولا يحق لغيرهم مهما كانوا أثرياء أن يعطوا الصدقة لآل البيت مهما كانوا فقراء ومحتاجين، وهذا من حسن الأدب والتعامل مع آل البيت رضوان الله عليهم جميعا.
تطرقت الأستاذة في صفحة 68، لفضائل مجلس أولياء التلاميذ، وقد أحسنت حين ذكرت الفضائل، لكن المتتبع للجمعيات من زاوية أخرى يقف على بعض مثالب عديدة لهذه الجمعيات..
كالضغط على المسؤول، واستعمال الصراعات لصالح أغراضهم الشخصية، والتهديد حين لاتلبى طلباتهم غير العادلة، وإغراء الأساتذة والمسؤولين ليصعد أبناءهم ولو كانوا الأضعف، والمساهمة في التقارير السرية التي ترفع الذين يرضون عنه وتسقط المغضوب عليه.
حذرت الأستاذة في صفحة 71 من اللجوء إلى العقاب كوسيلة تربوية، وألغت العقاب كوسيلة. والحقيقة التي يجب الإشارة إليها كذلك، أن العقاب يبقى وسيلة تربوية تعليمية عقابية في الحاضر والمستقبل، لكن كيفية العقاب وتوقيته هو الذي يخضع للمناقشة والتغيير والاستبدال.
تطرقت الأستاذة في صفحة88 للتفريق بين ذكائين، وقالت “فكما هناك الذكاء الذهني فهناك الذكاء القلبي”، والمرأة هي الأقدر على “الذكائين”. لكنها لم تشرح كيف يتم ذلك؟. ويبقى السؤال كيف ذلك؟.
في صفحة 122 ترى أن الله تعالى في سورة عبس عاتب نبيّه صلى الله عليه وسلم، والحقيقة التي يجب أن تقال، أن الله تعالى رفع نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة عبس، لأنه كلف نفسه فوق طاقته كبشر ورسول، وليس كما قالت الاستاذة عتاب، وحاشا لله تعالى ان يعاتب نبيه.
جاء في صفحة 123، أن سيدنا يعقوب عليه السلام أصيب بإعاقة حين ابيضت عيناه. والمعروف أنه من تمام النبوة والرسالة سلامة العقل والجسم، و”ابيضت عيناه” ليست من الإعاقة في شيء، فهي ليست كالعمى المنافي للنبوة والرسالة.

خلاصة.. إستطاعت الأستاذة بشرى شاكر من خلال عرض فكرة صعبة كتربية الأبناء بأسلوب سهل مميزوذلك بالاعتماد على الواقع العربي، مستعملة في ذلك القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ساعية لاستخراج الحكم التي تعزّز موقفها فيما ذهبت إليه في مجال التربية، ومعرجة في نفس الوقت على أقوال الفلاسفة والأساتذة والدراسات الغربية القديمة منها والحديثة، وتأخذ منها مايناسب مجتمعها وأخلاقه وتراثه وحضارته دون أن تدخل في مجال المقارنة، بل تعمدت الاعتماد على ماكان مشتركا بين الثقافة العربية الاسلامية من جهة والثقافة الغربية من جهة أخرى.
عنوان الكتاب “التربية بين الدين وعلم النفس”، في البداية يخيف القارئ غير المتمرّس، لكنه بمجرد مايغوص في صفحاته، يلاحظ البساطة والسهولة التي ميّزت الفكرة والطرح.

معمر حبار

m3mr7bar

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة