كلام في النقد حول ديوان "سفر الحرف بين النهد وبين السيف" للشاعر نسيم عاطف الأسدي.

تاريخ النشر: 14/03/13 | 3:55

حول ديوان "سفر الحرف بين النهد وبين السيف" للشاعر نسيم عاطف الأسدي.

كنت قد قرأت في المواقع الإلكترونيّة المحليّة حول الأمسيّة في معهد جوقة الكروان في قرية عبلّين، حول ديوان الشاعر نسيم عاطف الأسدي بعنوان "سفر الحرفِ بين النهدِ وبين السيفِ"، والذي تحدّث حوله جملة من النقّاد والأدباء : د. بطرس دلّة، د. منير توما ، والأديب محمد علي سعيد. وبعد مروري على الديوان رأيت أنّ أردّ على بعض ما جاء في الأمسيّة حول الديوان، ما له وما عليه.

أبدأ أوّلًا من العنوان "سفر الحرفِ بين النهد ِوبين السيفِ" وقد لفت انتباهي عدم كتابة عنوان الديوان بكلماته الصحيحة (كما ورد في الكلمات في المواقع الإلكترونيّة) ، ثمّ اقتراح عناوينَ أخرى للديوان مثل "سفر الحروف بين النهود والسيوف" ، فمثل هذا العنوان لا يبعد عن العنوان الأصلي من حيث المعاني والدلالات شيئًا، ناهيك عن الرنّة الموسيقيّة في العنوان الأصليّ لكونه مسجوعًا.

كذلك كان التوجّه في مداخلة د. منير توما حول العنوان ودلالات السيف مقتصرًا على الذكورة، وأرى أنّه وجب الإشارة إلى أنّ السيف رمز للوطن والقوّة، بدليل احتواء العديد من أعلام الدوّل والشعارات الوطنيّة على السيف كرمز لما ذكرتُ.

قصيدة " عتاب نهدٍ" والتي رأيت أنّها اعتبرت قصيدة نرجسيّة يفخر بها الشاعر بشبابه ومغامراته، لا سيّما البيت الذي يقول:

"إنّي المليك أمام عرشي تنتهي كلّ النساء وتنحني لشبابي"

وهنا لا بدّ من القول أنّ هذه القصيدة ما هي إلّا صراع بين الرغبة التي تتجسّد بالنهد (الأنثى) من جهة ، والعقل الذي يتجسّد بالعتاب من جهة أخرى، وهذا واضح في مطلع القصيدة :

"إنّي عتبتُ ..ولم يُفدْكِ عتابـي وصهيلُ نهدِكِ ظلَّ يقرع بابـي"

فالشاعر (العقل) يعتب، ولكنّ النهد (الرغبة) تقرع بابه ليلبّي طلبها، وخلال القصيدة ينكسر الشاعر أمام الرغبة وهو يصرّح بذلك في عدّة أبيات مثل:

أمطرتُ عشقِيَ فوق أرضكِ عاصفــــًا وعصرتُ نفسي من ضلوع سحابـي

وغمستُ عمري في جحيمكِ ينتشي فلهيبُ نارِكِ فرحتي وعذابــــــــــــــــــــــــــــــــــــي

ولقد جعلتُ ضفافَ نهدِكِ مرفئي وجعلتُ رمشَكِ في الهوى محرابـي

أهديتُ نخلكِ في المساء وسادتـي والنخلُ يعرفُ أرضَهُ وترابــــــــــــــــــــــــــــــــي

وبخضّم خضوع الشاعر للرغبة، وذروة اللقاء بينه وبين الأنثى، يشعر أنّه سيّد الأكوان ومليك النساء كلّها، وهذا لا غرابة فيه، لأّن الشباب لا حدود لامتداداته وتخيّلاته فيقول:

"إنّي المليكُ أمامَ عرشِيَ تنتهــي كلّ النساء وتنحني لشبابـــي"

ويتّضح لنا تفاجؤه من نفسه ومن خسارته أمام الرغبة في قوله:

"ولكم زعمتُ بأنّ عشقِيَ طاهرٌ وزرعتُ أرضَكِ أسهمي وحرابـي"

ويصف لنا بعد ذلك الطريقة التي نجحت بها الرغبة المتجسدّة بصورة أنثى بالسيطرة عليه وتشويشه فيقول:

"وظللتِ تنسلّين بين وسائــدي تتمايلينَ بأضلعي وثيابــــي

تتمرّدين على الحروف وصِدْقِهـا لتثورَ فوق دفاتري وكتابـــي"

ويعلن بعدها أنّه كان عاجزًا أمام هذه الأنثى المغرية بمفاتنها فيقول:

"ما حيلتي وجمالُ وجهكِ عاصفٌ وجنونُ خصركِ ضاع فيه صوابي

ما حيلتي وضبابُ طيشِكِ لفّنـي قـد بات عقلي تائهًا بضبــابِ"

وفي نهاية القصيدة يُعلن خسارته بصراحة وينهي المعركة التي افتتحها في البيت الأوّل:

"الآن أخرج من مداركِ راحـلًا ويداكِ حولي لا تريد ذهابـــي

الآن أخرج والكلام ممـــزّقٌ والنهد منتصرٌ أذلّ عتابــــي"

ومن الجدير ذكره أنّ الشاعر قد عوتِب لأنّ شعره ماديٌّ حسّي الصور –وهذا صحيح في معظم قصائده- ولكن هذي إحدى القصائد التي اعتُبرت حسيّةً تتناول موضوع الجنس ونرجسيّة الشاعر ،تُظهر – لنا ولكم- كم كنتم بعيدين عن هدف القصيدة، فلم تسبروا أغوارها لتكشفوا ما وراء الصور وتعرفوا قصد الشاعر منها.

وقد لفت انتباهي بعض ما قدّمه الدكتور بطرس دلّه حول الديوان، لاسيّما قضيّة حيرة الشاعر وتناقضه في قصائده – رغم اعتقادي أنّ الشاعر قدّم لديوانه ليظهر تناوله لقضايا غيريّة شغلته، حاله كحال معظم الأدباء الذين يخرجون من دائرة الذاتيّة إلى الغيريّة ليتناولوا قضايا عامّة تشغل الجميع- وفي ذلك أقول إنّ انتقال الإنسان من حالة إلى أخرى أمرٌ عاديٌّ طبيعيٌّ، وانتقاله في نفس القصيدة من حالة إلى أخرى أمرٌ مقبولٌ مفروضٌ، ما دام يصف لنا صراعًا معيّنًا ينقله من حالة إلى نقيضها.

أمّا حول ما قال د.بطرس عن الجرس الموسيقي في قصائد الديوان، وخاصّة انتقال الشاعر من وزن إلى وزن مختلف في نفس البيت، أقصد بذلك البيتين:

"بأصابعي سأمزّق جسمَك كلّـهُ حتّى أحرّرَ قلعتي وعِنانـــي

وسأعجنُ الآهات منكِ بأضلعـي لأطاردَ فوق ظلالها ألحاني"

أقول: إنّ في البيتين كسرٌ للوزن حقًّا، فقد أضاف الشاعر مقطعًا قصيرًا في التفعيلة الثانية من صدر البيت الأوّل، وكذلك فعل في التفعيلة الأولى من عجُز البيت الثاني، ولكنّه لم ينتقل من وزن لآخر كما جاء على لسان د. بطرس.

أمّا عن قصيدة "إننّي أنثى" فيقول د بطرس " قصيدته "إنّني أنثى" ص-37، بحثت عن البحر العروضيّ، فوجدت خليطًا من الكامل بمجزوئِه وخروجًا عنه، جعل القصيدة مهتزّة ومُكسّرة، فلنستمع إلى ما كتبه: النار تأكل من غدي عمري/ وتظلّ تقتلني بحبّك العذريّ. متفاعلن متفاعلن فاعل/ متفاعلن متفاعلن مفاعيلن، فأيّ بحر هذا، الذي قِسمٌ منه على الكامل بجوازاته، والقسم الآخر لا بحر له؟

وفي بيت آخر نجد نفس الخطأ: فاسأل شحوب الليل ما خبري/ والليل يعلم دقّة الأمر. فعل متفاعي فاعلن فعلن/ متفالعن متفاعلن فاعل! أيّ بحرهذا؟ وكيف ضاع البحر الكامل في الشطر الأوّل، ليعود مُشوّهًا في الشطر الثاني؟! "

بعد التدقيق نجد أنّ القصيدة مبنيّة على بحر الكامل

متفاعلن متغاعلن فَعِلنْ متفاعلن متفاعلن فَعْلنْ

ففي هذا البحر قد يأتي العروض (تفعيلة الصدر الأخيرة) والضرب (تفعيلة العجُز الأخيرة) فَعِلُن كما في قول أبي نواس:

"يا طالب الدنيا ليجمَعَها جَمَحَتْ بكَ الآمالُ فاقتصِدِ"

ويجوز بالضرب أن يكون فَعْلُنْ كما في قول الشاعر:

"ضدّان لمـّا استُجمعا حَسُنا والضدُّ يُظهرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ "

وعليه فلم يخلط الشاعر بين البحور ولكنّه خرج عنه في التفعيلة الأخيرة من البيت الأوّل، ووجب به أن يقول : "النار تأكل من غدي عمري وتظلُّ أنتَ بحبّك العذري".

أخيرًا أرجو من نقّادنا أن يلتزموا الدقّة في النقد، وأن يكون النقد بنّاءً موجّهًا يصحح وينفع، وأمّا الشاعر نسيم عاطف الأسدي فألومه على هذه الأخطاء الموجودة في الوزن –وإن كانت قليلة- وأنصحه بالتأنّي وعدم التعجّل ومراجعة المادّة مرارًا قبل الإصدار .

فارس شفيق العبّاس

حيفا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة