مدخل إلى عالم الطفل (5)

تاريخ النشر: 26/05/15 | 15:56

هل يجعلنا غوغل أغبياء؟!
هذا عنوان البحث الذي نشره احد الباحثين في أمريكيا الذي تكلم فيه عن مدى تأثير استخدام أجهزة التكنولوجيا الحديثة مثل الانترنت، الهاتف النقال ( Smartphone)، التلفاز ، ال-PlayStation، الآي باد وغيرها من الأجهزة على الدماغ؟
لا شك أن استخدام الانترنت وال- PlayStationوال- Smartphoneأصبح شائعا في كل بيت، فنرى الطفل الذي لم يتجاوز عمره السنتين يجلس في حضن أمه وبيده الهاتف النقال أو يلعب في الآي باد أو يشاهد الصور المتحركة في اليوتيوب، وهذا كله لان الأم أو الأب ليس لديهما الوقت الكافي للجلوس مع أطفالهم وأبنائهم!
المشكلة الحقيقية هنا لا تكمن فقط في تعريف الأطفال بمدى خطورة تعلقهم بالإنترنت، ولكن في مدى معرفة أولياء الأمور أنفسهم بهذا الخطر.فالطفل يأخذ ويستقبل كل شيء نعطيه إياه، فهو لا يعلم ولا يعي خطورة الشيء الذي يستخدمه؟ وهنا تكون مسؤولية أولياء الأمور، فتكون مسؤوليتهم أولا بتثقيف أنفسهم بمدى خطورة استخدام أبنائهم وأطفالهم لمثل هذه الأجهزة، ومن ثم تعريف أبنائهم بهذا الخطر والعمل بجد على الحد منه.

قد يقول قائل: ” ولكن نحن في عصر الانترنت والتقدم التكنولوجي”!
ويقول آخر : ” من لا يستخدم الانترنت والتكنولوجيا المعاصرة لن يكون ناجحا في حياته “.
وفي الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها أقول:
أولا- لا شك أن للتكنولوجيا ومن ضمنها الانترنت وغيرها من الألعاب ميزات، ولكن الأمر الذي نجهله أو نتجاهله أن هذه الميزات محفوفة بمخاطر كثيرة ومساوئ جمة، هذا ما أظهرته الكثير من الدراسات كما سنبين في هذا المقال وغيره من المقالات القادمة بأذن الله.
ثانيا- ان مساوئ استخدام الإنترنت أكثر من ميزاته ، فقد أظهرت الدراسات التي أجريت على الدماغ وتطوره أن هنالك ثمة علاقة عكسية بين كمية استخدام الانترنت واستخدام الألعاب في الآي باد وغيره من هذه الأجهزة الالكترونية من جهة، والمستوى التعليمي للفرد في المدرسة من جهة اخرى. فكلما ازداد استخدام الانترنت والالعاب كلما تأخر الطالب من الناحية التعليمية في المدارس. الأمرالملفت للنظر هنا أن العالم توماس إديسون مخترع المصباح، قد كتب محذرا في عام 1913 في إحدى الصحف انه سيأتي زمان تكون فيه المدارس خالية من الكتب. ويحل محلها ما يسمى بال- E-Learning أي التعليم الإلكتروني. وهذا ما يحصل ألان للأسف الشديد… فكما هو معلوم للجميع إن كثير من المدارس تعمل ألان جاهدة على إلغاء استعمال الكتب في المدارس ليحل محلها الكمبيوترأوالآي باد.
قد يقول البعض أين هي المشكلة إذا؟
المشكلة تكمن -كما تظهر الدراسات التي أجريت على مدار عشرات السنين – أن الدماغ ينمو فقط حسب استعمال الشخص له. هذا الاستعمال للدماغ يكون عن طريق الإدراك والتفكير والممارسة والتجارب التي يقوم بها الانسان. كل هذا يترك آثارا في الذاكرة فيصبح الدماغ اكثر نشاطا واكثر فعالية.

لنأخذ مثالا على ذالك:
طالب في المدرسة طلب منه أن يكتب بحثا ما، فيقوم الطالب بالبحث عن بعض المصطلحات والتعريفات في الانترنت أو في غوغل بدلا من أن يبذل جهدا في البحث بين الكتب كما كانت تفعل الاجيال التي سبقتنا.
قد يحصل الطالب على المعلومات التي يبحث عنها وبشكل سريع جدا بالمقارنة مع البحث في الكتب. ولكن الأمرالدي يحصل هنا أن الدماغ لم يتعلم المعلومة كما يجب، بل تلقاها من مكان ما بشكل سريع (الانترنت) وتم كتابتها في البحث. هنا لم تخزن المعلومة في الذاكرة وسيكون صعبا على الطالب إعادةاسترجاع المعلومة إن طلب منه ذالك مرة أخرى.
باختصار: الدماغ هنا لم يتعلم!

وقد أظهرت الدراسات أن مجرد وجود كمبيوتر في البيت عند بعض الطلاب، وبغض النظر إن تم استعماله أم لا قد أدى إلى تراجع في المستوى الدراسي عندهم. كما وأظهرت نفس الدراسات أن استعمال الكمبيوتر في مراحل الروضة والبستان يؤدي إلى مشاكل في التركيز ويزيد من فرط الحركة عند هؤلاء الأطفال في مراحل لاحقة.
اذا يمكن القول أن الدماغ يحتوي في داخله على مليارات الخلايا التي تتفاعل مع بعضها البعض. هذا التفاعل لا يحدث إلا عندما يقوم الدماغ بعملية التعلم. التعلم من جهته يكون في أحسن صوره كلما تفكرنا بالأشياء التي نريد تعلمها وكلما قمنا بتجريبها ودققنا فيها وحاولنا إدراكها لتترك آثارا في الدماغ فيسهل استرجاع المعلومة في أي وقت.
ويمكن تشبيه استعمال الدماغ ونموه بتدريب العضلات ونموها – فكلما دربنا العضلات كلما نمت.
وهكذا هو الحال عند الدماغ: كلما قمنا باستخدامه، كلما نما وأصبح أكثر نشاطا. بل إن آلاف الخلايا الدماغية تموت يوميا إن لم يتم استعمالها.
وقد تبين أن الدماغ عند سائقي التاكسي في لندن اكبرحجما من غيرهم من سائقي التاكسي في مكان اخر في العالم. والسبب هنا ان سائقي التاكسي في لندن يجب عليهم ان يحفظوا اكثر من 25000 شارعوالقيام ببعض الامتحانات حتى يحصلوا على رخصة سائق تاكسي، فهم اذا لا يعتمدون على ما يسمى بال Waze)) بل يعتمدون على ذاكرتهم التي يستعملونها ويدربونها يوميا اثناء عملهم.

باختصار: يمكن القول ان الدماغ ينمو أكثروأسرع كلما استعملناه. فيمكن تشبيه استخدام الدماغ بتدريب العضلات- العضلات لا تنمو الا اذا قمنا بتدريبها، وكذالك الامر عند الدماغ- لا ينمو الدماغ ولا يكون نشيطا الا اذا دربناه. ويمكن مقارنة استعمال الانترنت والحصول على المعلومات بشكل سريع من جهة وبين البحث بين الكتب للحصول على نفس المعلومات من جهة اخرى – بالاختيار بين الصعود في الدرج او الصعود في المصعد.
يمكن لنا ان نختار الصعود في المصعد بدلا من الصعود في الدرجات، وبلا شك اننا سنصل الى اعلى البناية باسرع وقت واقل جهد – لكن الذي يحصل هنا اننا تجاهلنا ان الصعود في المصعد يقلل من الحركة ومن النشاط مما قد يسبب السمنة وغيرها من الامراض.
وهكذا هو الحال عند الدماغ: ان فضلنا استعمال الانترنت والغوغل وغيره كوسائل للتعلم بدلا من الاعتماد على الذاكرة والبحث والاجتهاد في طلب المعلومة – ان قمنا بهذا كله قد نحصل على المعلومة بشكل اسرع ولكن نكون بذالك عطلنا الدماغ وقللنا من نشاطه وتسببنا في موت الالاف من خلايا الدماغ لتظهر عندنا الكثير من المشاكل التي يعاني منها الكثير من ابنائنا اليوم، مثل قلة التركيز وفرط الحركة (لا يكاد صف يخلو من هذه الظاهرة) ومثل كثرة النسيان والمشاكل السلوكية والاضطرابات بكل اشكالها ومشاكل الارق وغيرها !
اذا.. هل يجعلنا غوغل اغبياء؟ّ!

سعيد زيد
أخصائي نفسي واستشاري في تربية الاطفال (M.A)

040

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة