ما عهدت أم الفحم إلا رجالاً ونعم الرجال

تاريخ النشر: 14/01/13 | 3:06

في بداية هذا المقال أحاول أن أُعَرِف القارئ ولو قليلاً عن نفسي, أنا ابن عائلة بسيطة . مثابرةً كادحةً مجاهدةً تربيت على يدي والديَّ تربية أصيلة أُحبُ الناس والخير لهم كما أحبه لنفسي وهذا نهج اسلامي بحت ؟ !

منذ نعومة أظافري وأنا أعيش عناءً بعد عناء من ظلم دولة إسرائيل والصهيونية وما أن فتحت عيناي على الدنيا وإذا بي أرى الظلم قد اجتاحني وعائلتي من قبل المحتل الجديد السلطة الإسرائيلية، أن حَضرت في يوم قوة عسكرية إسرائيلية وكان ذلك في أواخر عام 1948 م . وأخرجونا بالقوة من منزلنا وألقوا بنا ومتاعنا في الشارع لنصبح بين عشيةٍ وضحاها لاجئين في وطننا!!! لتتخذ هذه السلطات منزلنا مركزاً لشرطتهم، لتعذيب الناس وسجنهم.

كان هذا البيت يشبه القصر في تلك الفترة نسبةً لبيوت القرية ولتصادر هذه السلطات كل أملاكنا لتبني عليها الكيبوستات والقرى التعاونية لنعيش أنا وعائلتي أصعب وأمر أيام الحياة , وهذا كان سارياً على كل أبناء شعبنا الفلسطيني. وبعد كفاحٍ طويل عدنا إلى منزلنا المنهوب.

في عام 1954م ، لم تطل هذه الفرحة فحل علينا عام 1956، وبالتحديد في التاسع والعشرين من أكتوبر الذي قامت فيه قوات من حرس الحدود الإسرائيلي بمذبحة رهيبة في كفر قاسم راح ضحيتها ( 49) شخصاً أطفالاً ونساءً ورجالاً دون ذنب اقترفوه!!

وكنت أول شاهدُ عيانٍ على أول مشهدٍ لهذه المجزرة وأول ناجٍ منها، التي فقدت فيها ابن عمي وأبناء عمتي وخالتي أي الأبناء الكبار في العائلة والمعيلين!!! . وتمضي الأيام . وتخرجت من المدرسة الابتدائية عام 1959م . متفوقاً ولكن لم يحالفني الحظ أن أكمل تعليمي الثانوي الذي كان يومها ليس بالمجان ولكن الفرصة كانت متاحةً لي بالمجان بعد أن نجحت في امتحان (الاستبدنية) وخرجت للعمل للجهاد الأكبر كي أعيل العائلة وأساعد أبي في ذلك. ومنذ تلك اللحظة كان توجهي نحو العمل الوطني سلوكاً خطراً في ظل حكم عسكري مقيت ولكني لم أعر لذلك الخطر أي اهتمام.

في عام 1963 أَقمتُ لجنة لإحياء ذكرى شهداء مجزرة كفر قاسم مع بعض الأخوة الشرفاء التي إستمريت في رئاستها أكثر من عشرين عاماً !!! وفي عام 1965 انضممت إلى حركة الأرض الوطنية التي كان يرأسها المرحوم صالح برانسي والأستاذ عبد الرحيم عراقي .

وفي أوائل الستينات دخل الحزب الشيوعي قريتنا وهو يرفع شعاراً مقاومة الظلم والتشريد والحكم العسكري , ودخل معه في تلك الفترة حزب مبام اليساري وقوة يسارية أخرى، وكان لهذه الأحزاب في تلك الفترة الفضلُ الكبير في تشجيع الناس، على الخروج للشارع والتظاهر والاحتجاج وقتل الخوف من نفوس الناس، وخاصة بوجود حكم عسكري بغيض، الذي لم يترك وسيلة إلا واستعملها من أجل إرهاب الناس، والسيطرة عليهم، حتى القتل فكانَ يقومُ هؤلاء العسكر، بقتل من كانوا يسمونهم متسللين، ونشر جثثهم على قارعة الطريق وكأنهم يقولون للمواطنين العرب هذا مصير كل من لا يقبل بوجود دولة إسرائيل.

ويستمر عطائي أشارك في كل المظاهرات والاحتجاجات أين ما كانت ضد الظلم والقهر فعانيتُ من ذلك كثيراً، أن اُعتقلت عشرات المرات وأُهنت من قبل المحققين بشتى أنواع الاهانات، وفي إحداها بعد أن أدخلوني الزنزانة قام أحدهم وبال عليَّ، وهو يسخر مني، ويهين!!!

بينما كان غيري في تلك الفترة أمثال من تطاول عليَّ في حانات تل أبيب يسكر ويخمر.

ويأتي يوم الأرض الخالد عام 1976م الذي كُنتُ فيه أول معتقل يكبل بالسلاسل والحديد ويساق إلى الاعتقال في قريتي كفر قاسم، لأنضم الى لجنة الدفاع عن الارض القطرية وانتخب سكرتيراً عاماً للجان الدفاع عن الارض في المثلث.

وبعدها منعت من الدخول إلى الأراضي المحتلة والضفة والقطاع والجولان لسنوات طويلة ولم يُثنيني ذلك في الاستمرار في هذا النهج المقاوم.

في عام 1981م. شاركتُ في إقامة الحركة التقدمية وكُنتُ عنصراً مركزياً في إقامتها وبعد نجاحها وفشل رجالها استقلت وتركت.

وفي نفس العام أُقيم المؤتمر القومي الذي جَمَعَ الكثيرين من كل أطياف شعبنا الفلسطيني في الداخل والذي أفشله مناحيم بيغين وأخرجه خارج القانون.

وفي عام 1987م كان لقائي الفريد من نوعه مع المجرم شدمي المتهم الأول في مجزرة كفر قاسم على شاشة التلفزيون الإسرائيلي القناة الأولى في بث مباشر، في برنامج هذا الوقت، وكان ذلك بمثابة النجاح الأول لإيصال رسالة إلى العالم عن هذه الجريمة النكراء.

وفي عام 1986م قررت أن أحج إلى بيت الله الحرام فمنعت من ذلك وتقدمتُ برفع دعوى إلى المحكمة العليا بواسطة وكيلي المحام المرحوم محمد كيوان اعتقاداً منا أننا سنجد هناك عدلاً ولكن للأسف لم نجد!!! ويومها أقرت المحكمة العليا قرار المنع.

كانت رئيسة المحكمة مريم بن بُورات، فطلبت منها أن أقول كم جملة فسألتها لماذا تمنعونني من أداء هذه الفريضة قالت وبالحرف الواحد، إن هذا الأمر ليس حقٌ لكم ولكنه معروفٌ منا، فنحن لا نريد أن نعطيك هذا المعروف، هذه العدالة في إسرائيل الديمقراطية!!!

وفي عام 1996م كنت أحد العناصر القوية في إقامة التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان بالنسبة لي تجربة مريرة ومؤلمة ليسيطر عليه شخص واحد، وكنت يومها أمثل اللجنة الواحد والخمسين للوحدة الوطنية.

وتأتي حادثةٌ أخرى عندما أبعدوني عن مسجد سيدنا علي، الذي قُمت وعملت على ترميمه، وصيانته مع بعض الشرفاء على مدار أكثر من خمس وعشرون عاماً واماماً فيه دون مقابل على مدار هذه المدة.

ليقودوني إلى المحكمة في تل أبيب، وتم إبعادي عن المسجد تحت لائحة دولة إسرائيل ضد الشيخ عبد الله نمر بدير، فحاولت أن أسأل قاضي المحكمة سؤالاً لم ابعدوني؟ ولكنه رفض، فكان الملف معداً مسبقاً وجاهزاً، هذه عدالة دولة إسرائيل التي تتباها بها في العالم الحر!!!

في عام 1956 قتلوا 49 ضحية في كفر قاسم فكان الحُكم على المجرمين سنواتٌ قليلة ومن ثم نالوا عفواً عاماً بعد سنتين أو ثلاثة، إنهم يعرفون كيف يُبيضون وجه العدالة في إسرائيل، منذ أيام أقرت المحكمة العليا بإعطاء حنين زعبي من التجمع بالدخول وخوض معركة الانتخابات، أتعرف حنين ذلك أم لم تعرف أن هذا الحُكم قد استغلته إسرائيل لتبييض وجهها الآخر، فكانت الفائدة لإسرائيل أكثر بكثير من الفائدة لمن تمثلهم حنين زعبي!!! عن أي عدالة يتحدثون شاب من كفر قاسم حصل معه حادث ينقلب هذا الحادث الى تهمة وعمل تخريبي ويحكم عليه 90 عاماً من السجن.

كل ما ذََكَرتُه كانت نبذةً بسيطة عن بعض مراحل حياتي النضالية التي من خلالها تعرفت على الكثير من الرجال، وخاصة في أُم الفحم الأبية التي؟ أعتبرها قلعةَ النضال، والكفاح قلعة الأحرار والشرفاء أمثال أبا ماجد رحمةُ الله عليه كان رئيساً لبلدية ام الفحم في الثمانينات وأبو العفو: طيب الله ثراه والشريدي، وحسن جبارين ومحمد كيوان وسليمان فحماوي والكثير الكثير من أمثال هؤلاء الرجال الذين كانوا بكل معنى الكلمة رجالٌ عندهم نخوةُ ومروءةُ ووطنيةُ صادقة، رافقت هؤلاء الرجال وعملنا معاً، تعلمتُ منهم الكثير، ولم أتوقع يوماً ما أن أحداً من هذه المدينة الصامدة المجاهدة أن يتطاول عليَّ بقلمه ولا حتى بلسانه لأني أحبُ هذا البلد وأجُله كثيراً وحتى وإن اختلفنا في الآراء ووجهات النظر مع البعض.

ولكني أريد أن أوجه رسالة إلى من تتطاول عليَّ وأقول له عندي الكثير من الأسرار على من تعتقد أنهم قادةٌ لك وأعرف خلفية كل واحدٍ منهم.

من هو أباه ومن هُم إخوانه ومن هي عائلته، وأعرف من الذي يضحك على الذقون!! ومن الذي يأبى ذلك سأبقى أنا كما أنا أعرف نفسي وخلفيتي ليس مباهاةً ولا فضل. ولكن تنفيذاً لوصية أبي رحمه الله حيث قال لي لا تلتفت إلى الوراء لأن ذلك قد مات – وانظر دائماً إلى الأمام لأن ذلك آت، وقل لمن يخاصمك كما قال الإمام الشافعي رحمه الله.

إذا خاطَبَك السفيهُ فلا تُجِبهُ فخيرٌ من إجابتِهِ السكوتُ

 
فإن كلمتــه فَرَّجـت عنهُ وإن خليتــهُ كمداً يموت.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة