السرعة القاتلة

تاريخ النشر: 18/03/15 | 10:56

ولدي………..سالم………رد علي يا ابني. أرجوك تحرك….قل شيئا………افتح عينيك، هذه أمك، وهؤلاء إخوانك وأخواتك. أرجوك لا تبقى متشنجا، وهيا غادر غرفه الإنعاش بسرعة. يا الهي، أنا الملوم…أه….أه….(يسقط مغشيا عليه).

سالم ولد في ريعان الشباب، وهو الوحيد من الذكور بين سبعة اناث. انه الولد المدلل: فطلباته أوامر، وكلماته لا تكسر. لم يكد يبلغ الثامنة عشرة من العمر، حتى تقدم بطلب للحصول على رخصه القيادة. كيف لا وهو يمارس القيادة فعليا منذ مده ليست قصيرة. كان يقود (البك أب) في المزرعة، وكان يملأ قلوب العمال رعبا من” تفحيطاته”. حتى الحيوانات لم تكد تسلم من حركاته البهلوانية، فطالما هربت من خطر سيارته ورمت بنفسها على الشجيرات المحاذية للممر الزراعي، لتنجو بنفسها، لأنها باتت تعرف خطر هذه الاله بالتجربة، فقد رأت مصرع عدد لا بأس به من بني الجلدة داخل أروقه المزرعة.
لعل والد سالم قد سهل له قياده هذه الاله دون أن يعلم. فطالما عهد إليه تسلم القيادة عند العودة من العاصمة، بعد منتصف الليل، حين تخلو الشوارع – الى حد ما- من كثافة السير. فقلما التزم سالم بقواعد السير، فهو لم يأبه بوضع حزام الأمان ولا بوجود أجهزه الرادار.وعندما كانت أمه وأخواته –وهن في المقعد الخلفي-يطلبن منه عدم تجاوز السرعة المحددة، كان يلتفت إليهن تارة، والى الأمام تارة أخرى، ساخرا من أقوالهن قائلا: ولم الخوف؟ فالعمر واحد والرب واحد، وما هو كائن كائن لا محالة.أما أبوه، فكان يشاطره الرأي ويقول: لقد أصبح اليوم سالم رجلا، واني لا آبه إذا ما تأخرت يوما عن البيت، لأنه رجل البيت حال غيابي.
سالم يريد رخصة القيادة كإجراء شكلي من ناحية، وحماية من القانون من ناحية أخرى. ونظرا لبراعته في السياقه، فقد حصل على تلك الرخصة من أول مره. كيف لا، وهو المتمرس والحاذق والخبير في فنون القيادة، مما حدا بأهل الحي أن يخلعوا عليه لقب (الطيار) لولعه وهوسه المفرطين في مجال السرعة. وطالما تحدى زملاءه –وحتى ممن يسكنون الأحياء الأخرى- في القيادة البهلوانيه وكان يبزهم جميعا. ومن الجدير بالذكر، انه عقد العزم على الذهاب إلى دولة مجاوره، لتركيب إضافات لسيارته، ولتعديل قوة محركها، حتى أضحت تهدر كالطائرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أما سرعتها، فحدث ولا حرج؛ كالبرق. يا لها من سفينة فضائيه،لا تصلح إلا نموذجا في قناة رعب تلفزيونية.
استمر سالم على هذا المنوال لسنتين من الزمان. وفي ليلة كثر ضبابها، وحلك ليلها، قدم سالم من دولة مجاورة، يشق الظلام، ويخترق الأفاق بسيارته (النفاثة). فتارة يمد يده للمقعد الخلفي ليتناول شيئا ما، وتارة يعدل من جلسته، بتحريك المقعد للامام أو للخلف، حسب ما يقتضيه الحال. وبلمح البصر، وجد نفسه في قاع واد حجري. حاول النهوض من سيارته (عفوا، طائرته) المهشمة، ولكنه لم يقو على ذلك البتة ؛ لقد شل جسده.
عثرت عليه دوريه الشرطة المسئوله عن تلك المنطقة، ووجدته في حاله حرجة. ولئلا تزيد الحالة سوءاً، فقد تم الاتصال بقيادتهم طالبين النجدة الفورية. وفي لحظات، هبطت مروحية، وبددت ظلمه الليل وسكونه، وتم التعامل مع سالم بمهنية واحتراف، ونقل للمستشفى. ومن خلال أوراقه الثبوتيه، تم الاتصال بأهله لأخبارهم بالأمر. انه الآن كسيح، مشلول،ولا يقوى على رفع حتى حاجبيه أو فتح عينيه. إنها لعنه الأربع عجلات. فوالده لا يفتأ يصرخ بهستيريا ” انأ السبب، أنا السبب).
والآن، إذا دخلت الحي الذي كان يسكن فيه سالم، ويستعرض مهاراته في السياقه، رأيت شبحا يطارد السيارات ويصفعها بحذاءه قائلا: أنت من وضع سالم في هذه الحالة، وجعلته نزيل غرفة الانعاش، وتسببت له بعاهة دائمة.

يونس عودة/الاردن

yones3wdh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة