القصة المغرورة بقلم الشاعر خالد جمعة

تاريخ النشر: 04/06/15 | 17:50

الى نوران ملكاوي [بيت القصص] هذه الكلمات تشاهدها مكتوبة على باب إحدى البنايات، عندما تدخل شارع الحكايات، الشارع الذي تعيش فيه الخراريف والأغاني والأساطير والحكايات… إلخ وبيت القصص تعيش فيه القصص القديمة والجديدة، وفيه آلاف الغرف، بعضها صغير تسكن فيه قصص الأمثال والقصص الصغيرة، وبعضها كبير تسكنه القصص الطويلة، وكانت كل القصص تعيش في تناغم مع بعضها، فمثلاً حين تحتاج قصة إلى ساحرة، تقوم قصة أخرى بإقراضها الساحرة كي تصير القصة جميلة، وهكذا عاشت القصص منذ آلاف السنوات. وذات يوم، وُلِدت من إحدى القصص الطويلة قصة صغيرة، كانت جميلةً وساحرة، ومن الواضح أنها ستعيش آلاف السنين حين يبدأ الناس بروايتها لأولادهم، ولكن هذه القصة لم تكن حياتها مثلما تمنّت أمها، بل سارت على العكس تماماً. عندما وصلت هذه القصة إلى مرحلة المراهقة، صار يظهر عليها الغرور، وصارت تتمشى في حديقة البيت وحدها، وترفض مشاركة القصص الأخرى أي شيء، وبالتالي صارت القصص تبتعد عنها، صحيح أن القصص كانت حزينة لأنها تمنت أن تشاركها هذا الجمال، لكن حزن القصص لم يكن يشفع لهن عند القصة المغرورة، وصارت الأيام تمضي، والقصة تزداد غروراً، والقصص تزداد ابتعاداً عنها. وفي كل عام، كان هناك يوم اسمه “يوم الراوي” يأتي فيه رواة القصص من كل مكان في الدنيا، لكي يختاروا القصص التي سيحكونها للأولاد، وفي هذه المناسبة، كانت القصص تلبس أجمل ثيابها، وتتخلص من الأحداث غير الجميلة، وتُبقي الأحداث التي تعجب الأطفال، فإذا كان في القصة مثلاً ولدٌ يفقد قطته، فإن القصة تعيدُ إليه قطته، وإذا كان هناك ولد وحيد، فالقصة تخلق له أصدقاء، وهكذا، فالقصص تحب الأطفال كما يحب الأطفال القصص. لكن القصة المغرورة لم تكن مثلهن، فقد كانت تتحدث بعجرفة “العجرفة معناها الحديث من طرف الأنف” وكانت ترفض الذهاب مع أي راوي، وتشترط دائماً أن الراوي الذي سيأخذها يجب عليه أن يرويها للملوك والأمراء فقط، فهي لا تحب أن يرويها أحد للناس العاديين في السوق أو في الشارع، أو للأولاد الفقراء. صارت السنوات تمضي، وكل سنة كانت القصة المغرورة تزداد غروراً، وصار الرواة يعرفون ذلك، فما عادوا يسألونها مثلما كانوا يفعلون في البداية، ومع مرور السنوات، لم يعد أحد يتذكر القصة المغرورة أبداً، ونسيها الرواة، ونسيتها القصص الكبيرة والصغيرة، وحتى أمها التي أنجبتها نسيتها أيضاً وأنجبت قصصاً أخرى جميلة يستمتع بها الأطفال إلى اليوم. وإذا سألتموني ما هي هذه القصة، سأجيبكم أني لا أعرفها، لأنها لم تسمح لأحد بأن يرويها، وبالتالي فلم يسمعها أحد لكي يرويها لي، ولم يعرفها أحد من الأطفال أو الكبار على مر الزمن كله، ولذلك فقد صارت هذه القصة منسية، لدرجة أنك لو سألت أحد الأطفال: هل تعرف القصة المغرورة؟ سيقول لك: لا تسخر مني، فلا يوجد في العالم شيء اسمه القصة المغرورة، وسيتركك ويذهب ليستمع إلى قصة أخرى. الثالث من حزيران 2012

بقلم الشاعر خالد جمعة

اقرأ المزيد
1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة