زياد خداش مُحتال الدهشة

تاريخ النشر: 06/03/15 | 17:07

دنوت وابتسامتي الخبيثة للأبجدية، أختار أفضلها حيلة توازي حيلك الكتابية زياد خداش، وجدتك مُحتالاً كبيراً على اللغة لا يوازيك أحد!! تمتلك أسلوباً سردياً تملؤه الدهشة. قلت في سري “يا بنت” صلي محبتك لتكون عربون قلم جليل وإصرار صداقة على مر السنين حلوا ومرا.
زياد خداش تُمطر شمس حيفا نشوة كلما تغزلت بها ويعانقك النفس الدرويشي كلما مررت بشوارع الجديدة خلسةً، تتهافت عليك المكالمات كلما عرض صوركما سلطان جانب بحر عكا، ويصمت جوابك مجهولاً عن موعد زيارتك التالية، أخي كم أنت في نعيم الحب تتلذذ ولسنا القيمين على هذا الحب، أنت المسؤول الأول والأخير، حين تترك صوتك على WhatsApp يخجل من رنته المألوفة لدفء صوتك، تأخرت كثيرا في محاورتك، لقلة جدارتي بلغتك الإستثنائية، اسمح لي صديقي السماح، أنت أكبر من حواري، وشكرا لأولوياتك المتأخرة في المنزلة الأخيرة أكون أنا، باعتذارك الصاخب “أسئلتك دوختني امنحني وقتا إضافياً” نعم زياد سرحت الكلمات من تجعيدة شعرك وألبستها أناقة تليق بفوضاك الكاملة حباً..استرخ، وخذ وقتك للإجابة، وتمتعوا قراءنا في بدع الورد والشوك في جنائن زياد وجنونه.
زياد خداش :هل من امرأة خارج نصوصك ومخيلتك تشغل زمنك؟
ج- سؤال مباشر جداً سأجيب عنه بمباشرة مضاعفة، كل نساء العالم يشغلن زمني وبالي، لا امرأة معينة، التعيين قتل ومحو، وأنا لا أقدر على محو امرأة من مداري، نساء مفترضات تجهزهن مخيلتي في قاعة الانتظار، أنا طبيب الأسنان غريب الاطوار الذي لا تزور عيادته امرأة. فكلهن بأسنان قوية ومشغولات في قضم التفاح والرجال في أمكنة أخرى. أصنع نسائي وأجلسهن في غرفة الانتظار بينما أنشغل داخل غرفتي في صوغ أطقام أسنان لبنية للغة عفية مكرسة فقط للانتظار لا الوصول.
هل أنت زياد داخل وخارج النص؟ ؟أي المتع تلهبك أكثر ؟؟. امرأة تحت المطر أم نص ترتكبه ليغسل شهوتك؟
ج- هي كذبة كبرى، أن أكون خارج النص وداخله، داخل النص هو حقيقتي المدوية، خارجه زياد الكذاب والمرائي والسافل. النص الذي أكتبه ويغسل شهوتي هو امرأة تركض تحت المطر، وهذه المرأة هي نفسها النص، لا شيء يعادل تلك المتعة اللاهبة التي تكويني حين أنهي نصاً أحشد فيه خيولي المحبوسة، وأطلقها في عيون السهول، امرأة ومطر وركض إلهي هو تماماً هذا النص.
س – قلمك شبقي ومشاكس لمحظورات شرقية.. الا تخشى جهنمية الكبت الفعلي؟
ج- أستطيع ان اقول أن مرمى قذائف نصوصي هو الكبت، أكتب حتى أحرر وأتحرر، وأعلّم طلابي باستمرار أن يجتازوا الحدود، ليصلوا الى المشرق والحقيقي من المشاعر، أن يقولوا ما يحسون به، أن يجلسوا الجلسة التي تريحهم، أن يكتبوا النص الذي يعبّر عنهم، أن يصرخوا ويخرجوا من الصف إن أحسوا بالضجر في الحصة. هناك حصة اسمها (بوح) اعطيها للطلاب كل اسبوع، فيها نخلع الاقنعة ونصبح مجانين مواجهة لذاتنا واصحابنا، ندلق مشاعرنا الحقيقية تجاه بعضنا، آخر ما اعترف به طاالب بخصوصي هو أنه لا يحب طريقة لبسي، وأنني غير وسيم مثل الاستاذ مصعب..
مشاكساتي في حياتي الشخصية ليست بنفس مستوى مشاكساتي في اللغة والنص. أنا رجل النص لا رجل الحياة ولا أدري هل هذا جيد ام لا؟
س – زياد ما هي تنازلتك الحياتية لقاء ان تكون حرا ؟ دون امتيازات السلطة السياسية المجتمعية؟
ج- أنا على استعداد للتخلي عن مكتبتي ونصف الطريق الذي قطعته مع الصديقة الحلوة الجديدة، ونصف راتبي وأصدقائي ونصف بطاقة هويتي السفلي، لقاء أن أكون حرا، أن أكون حرا هو أن أكون أنا، وهذا مستحيل، فلا يصبح نفسه الا حين يموت أو حين يعود طفلا أو يدخل مشفى المجانين.
س – اي تنازل أثرى حرفك?هل ذقت الرحيل وكيف اختصرته؟ هل يمكن أن يكون الابداع نتاج خلل في البيئة؟
ج- التنازل عن الزوجة، كان أهم وأخطر وألذ التنازلات، في حياتي لم يثر هذا التنازل حروفي فحسب، بل بللها بالخلود، وعمّق دلالاتها، وأعطاها أمداء شاسعة من المعاني والالغاز، ساعات االرحيل تدق باستمرار، والرحيل طريق شهي للكتابة ومعنى جمالي كثيف للروح، لا شيء يبقى، لا شيء يستمر، وهذ حقيقة تبعث على الحزن الحلو والالتياع الجمالي العذب، هذا يمد الحياة في عمر الحلم، هنا بالضبط يكمن دم الكتابة، لولا رحيل وغموض النساء وحضور الموت المستمر لما كان هناك أدب. لو بقيت الأشياء لما كان هناك روايات وشعر.
س- كيف ترصد اعمالك الابداعية.. من خلال القراء ام الاصدقاء المقربين ام تتميز بعين ثالثة؟.
ج- لا عين ثالثة لي، أنا بعينين اثنتين كباقي البشر، أرصد جمالي او هبوطي، من خلال مستوى دهشات الاصحاب والقراء، قرائي المفضلون لدي هم العاديون بمعنى القراء غير الادباء، الذين يقرؤون فقط، ويستمتعون بالقراءة، هؤلاء هم مرصدي وراداري، الذين يوقفوني في الشارع، ويظهرون الدهشة الصافية التي لا مصالح خلفها، لا الذي يجلسون في مقاهى رام الله ويقرؤوني وكأنهم يراقبونني.
س -لك ثروة لغوية بالغة حد التوثيق انها “زياد خداش”، ما هي مصادرك؟
ج- كان ادوار الخراط منجمي اللغوي الأول، بهرتني منحوتاته اللغوية حد الاستلاب، ثم غادرته باحترام حين اعتدت منجمه الارستقراطي الباذخ او اعتدت طريقتي في توظيف رفاهيته اللغوية على الفكرة التي أكتب عنها، تجولت في براري المعاجم، وجربت الصيغ اللغوية واستقر بي المطاف أخيرا في لغة قريبة من الناس وبعيدة عنهم، هناك في تلك البقعة عقدت قران حداثتي على عروس الهموم والأزمات الشعبية العادية أو حسب تعبير صديقي غسان على (عاديات) الناس والشارع والأفكار.
س- مؤخرا تستهويك ظهورات موثقة لافلام مشتركة بين اليهود والعرب وما بينك وشطرك في الداخل.. الم تخش فقدان التوازن بين انتمائك وتطبيع الجرح للسكين؟.
ج-التوازن محفوظ ومستقر جدا، لا أخشى اهتزازه ما دمت أعرف أن البلاد كلها تعرفتي وتتعرف إليّ من رائحتي، لا تطبيع في المسألة، كل ما في الأمر، اقترب بذكاء وهدوء من مرايا الآخر، لأتعرف على وجهي صافيا بكامل ملامحه في مرايا البلاد والأحلام العنيدة والحقيقة.
س- هل تبكي من نص قرأته بعد ان كتبته؟
ج- نعم، هناك نص لي يبكيني كلمه قرأته: (أريد قلبا لقلبي)، لا تستطيع عيني صمودا أمام هذا النص المدمر، واستغرب كيف كتبته، هذا النص مكتوب برموش العين ودم القلب وماء الجسد، كلما قرأته بكيت، احتاج بالفعل الى بنت صغيرة جدا، لا تكبر، تظل صغيرة وذات مطالب عديدة، بنت من شعري الفوضوي وهواجسي اليتيمة ومن ضحكات امرأة ليلية.
بنت تعطيني إياها هذه المرأة الشجاعة والمحبة كهدية ليلة حب طويلة ومجنونة ثم تغادر الى بلدها.
س-أي من قصصك الأقرب لزياد اليوم؟
ج-(شتاء في قميص رجل) هي تجربة وطن مسحوق و طفولة جنونية، كتبتها قبل عدة سنوات، تعذبتُ بكتمانها داخلي، لكني في النهاية سكبتها حكاية غريبة، ولقيت تفاعلا كبيرا، أسعدني، وأظن أن سر جمالها هو الصدق والنبرة الاعترافية فيها، وتمازج الوطني مع الطفولي الانساني.
س- أن تعيش وحدك حتى الآن دون زواج، مناخ من الطمأنية غير المربكة والمسؤولة؟ ماذا عن الاسرة.. أليست حلمك؟
ج- قررت بشكل نهائي أن أتخلى عن صيغة الزواج كحل غير مجد للخوف من الموت، نعم فنحن في لاعوينا نتزوج مروعبين من فكرة الفناء دون أثر.
لا أتخيل نفسي أعيش مع شخص يصدر صوتا كل يوم، أعيش سعيدا باضطراب خفيف في بيت قديم، بمكتبة ضخمة، أقرأ وأكتب وآكل الأفوكاتو اللذيذة صباحا، وأزور أمي وأطفال أشقائي اسبوعيا، ألعب معهم ساعة فقط، ثم أغادر الى رام الله حيث عزلتي وغابتي الصغيرة أمام بيتي.
س- حين تغادر النص كيف تنزل دفعة واحدة أم تحتاج بعض الجرعات المنبهة؟
ج- أهبط من مكوك النص حافي القدمين بجروح خفيفة، نصف عار، على الأرض، بعد كل نص أنهيه، أو أتوهم أني أنهيه، تلك هي غيبوبة الابداع المتعبة اللذيذة، التي يعرفها المبدعون فقط، ثمة دوخة تشبه تلك التي تحدث عندما كنا نترك أنفسنا نسقط عن شجر الصنوبر في طفولاتنا الراحلة، على أرض من تراب أحمر، حتى ترتج مؤخراتنا الصغيرة، لكي نحصل على طعم بطولة صداقة الشجرة والارض معا. ذلك هو سر الكتابة امتلاك السماء والارض معا في قبضة واحدة.

السيرة الذاتية زياد مصطفى خداش منمواليد القدس 1964، يعيش في مخيم الجلزون قرب رام الله، لاجئاً من قريته المهجرة بيت نبالا قضاء الرملة، يعمل مدرسا للكتابة الإبداعية في مدارس رام الله والبيرة، يكتب القصة القصيرة، في رصيده الإبداعي ثماني مجموعات قصصية:
نوما هادئاً يا رام الله , موعد بذيء مع العاصفة, الشرفات ترحل أيضاً, خذيني إلى موتي, كأن شخصاً ثالثاً كان بيننا, شتاء ثقيل وامرأة خفيفة , أوقات جميلة لأخطائنا النضرة, أن تقعي أرضاً ويكون اسمك أماني وخطأ النادل.

01

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة