الخيام ورباعياته 1040-1123

تاريخ النشر: 05/03/15 | 8:53

أولى بهذا القلب أن يخفق
وفي ضرام الحب أن يحرق
ما أضيع اليوم الذي مر بي
من غير أن أهوى وأن أعشق

فيلسوف، شاعر، عالم تخصص في الرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ. يعد صاحب الباع الأول في طريقة حساب المثلثات والمعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة، ناهيك عن قمة الابداع الأدبي في الشعر- الرباعيات.
لم يدر في خلده تدوين هذه النفائس من الأشعار اطلاقا، فطالما تغنى بها لنفسه وعلى مسامع بعض الأصدقاء بغية التسلية وقضاء الوقت. فاول نسخة لها كانت باللغة الفارسية، ومع مرور الزمن ترجمت الى لغات عدة، منها العربية، اللاتينية، الانجليزية، الفرنسية، الألمانية، الايطالية وغيرها. وكما الحال مع كل عمل متميز، فقد لحق بالرباعيات وصاحبها الكثير من الأقوال؛ قدحا ومدحا. البعض لم يتوانى عن اتهامه بالدعوة الصريحة الى اانتهاز الفرص، واستثمار العمر في اللهو والمجون، واحتساء المحرم من المشروبات، وأحيانا الدعوة الى الالحاد. وهنالك فريق اخر نظر الى هذه الأشعار من منظار مختلف يدعو الى التمتع بالحياة- كونها قصيرة – باللهو المباح، والدعوة الى الرضا بما قسم له خالق الكون، واعمال العقل في كينونته كانسان، الا أن زخم الترجمات قد ألحق بها زيادة ونقصانا، أحيانا، وخرجت عن دائرة الالتزام والذوق. فهنالك اقوال تثبت بأن الخيام كان عالما جليلا، وذو أخلاق رفيعة تحول دون انزلاقه الى الفحش والتفحش، والبذيء من الأقوال، بل كان يطلق عليه لقب ” الامام “.
الطريف في الأمر ظهور بعض الكتاب ممن ينسف فضل الخيام، ويكاد يخرجه-ضمنا- من دائرة امتلاك هذه الاشعار. فالمستشرق الروسي” زوكوفسكي “، قد انبرى للبحث والتنقيب عن أصحاب الرباعيات واستطاع ان يرفع ما مجموعه( 82 ) رباعية الى أصحابها الأصليين، ولم يتبقى الا القليل، الذي يعتبره مجهول المؤلف. ومما يجدر ذكره، أن ذهب البعض الى الصاق بعض الرباعيات بالخيام، وهو بريء منها. فمع مرور الزمن، نسبت الى الخيام ما مجموعه ( 2000) رباعية، في حين ان ما يرفع اليه على وجه اليقين هو أقل من ( 200 ) من هذه الرباعيات.
وممن قام بترجمة الرباعيات الى العربية: مصطفى وهبي التل/ الأردن، طالب الحيدري/ العراق، ابراهيم العريض/ البحرين، مصطفى صادق القرق/ الامارات، محمد حسن عواد/ السعودية، أحمد رامي/ مصر. ومع كل التقدير لجهود مترجمي الرباعيات، الا أن ترجمة أحمد رامي تعتبر الأكثر رواجا وجمالا. فقد شاء له القدر-احمد رامي- أن يلتحق باحدى جامعات باريس لسنتين كاملتين لدراسة اللغة الفارسية، تمكن خلالهما من التنقيب والبحث في الأدب الفارسي، وتحديدا الرباعيات. أسقط رامي الكثير من الرباعيات، وترجم ما وثق انه تصح نسبته الى الخيام، ومنها ما شدت به أم كلثوم.
فالرباعيات التي بين أيدينا تغص بالمتناقضات؛ ففيها التقى والمجون، وفيها التصوف والزهد والاستهتار، وفيها مسحة من تشائم لما سيأتي ما بعد الحياة. فهو هنا كذلك التائب الى الله تعالى، الذي يفر منه اليه. فتارة هو مسترسل و مفكر في الوجود، وفي ابداع المولى عز وجل، وتارة اخرى يلهث وراء اللهو. فهل جمع الخيام، حقيقة، كل هذه التناقضات في شعره الذي هو انعكاس لحياته اليومية؟ فكما سبق، فقد كان يطلق على هذا الرجل القابا جميلة مثل الامام، الحكيم، الدستور، وغيرها من الألقاب التي تصب في الثناء عليه، وليس العكس. فأحمد رامي، قد بصر بهذه الأضداد، وهذا ما جعله يبدأ ديوانه بأخر عبارة نطقها الخيام حين شعر بدنو أجله، اذ قام فصلى ركعتين ثم قال:” اللهم اني عرفتك على مبلغ امكاني فاغفر لي، فان معرفتي اياك وسيلتي اليك “. لقد ابدع رامي حيث ختم ديوانه بانتقائه لاروع المقاطع في التوبة والاستغفار ومناجاة الله تعالى، مدبر هذا الكون:
يا عالم الأسرار علم اليقين
يا كاشف الضر عن البائسين
يا قابل الأعذار عدنا الى
ظلك فاقبل توبة التائبين

يونس عودة/ الاردن

yones3wdh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة