الابتسامة الطائرة

تاريخ النشر: 22/01/15 | 11:40

قال الشاعر:
بنيتي عصفوره شادية….. تلعب في عش الصبا لاهية
أمنه طفلة عذبة، حلوة ونشيطة. تصحو باكرا قبل الجميع، تغسل وجهها وكفيها وترتب سريرها ثم تمشط شعرها. تدنو من أبيها، وبكل هدوء تطبع على محياه قبلة دافئة كدفء الربيع وعذوبته، تحضنه مرات ومرات حتى يستيقظ. ما أن يفتح عينيه حتى تستقبله بابتسامة رائعة من فمها الصغير قائلة: صباح الخير يا أبي. فيرد عليها الأب بتحية مماثلة ويحضنها متمنيا لها يوما سعيدا هانئا.
يذهب الأب ليغسل يديه ووجهه. وبعد الانتهاء من تناول الفطور، تنبري أمنة قائلة: أما زلت على عهدك ووعدك يا أبي؟ أما زلت تنوي الذهاب للحديقة ألعامة اليوم؟ فيحضنها الأب مرددا: ما شاء الله عليك يا ابنتي، أما زلت تتذكرين ذلك الأمر؟
تأخذ أمنة مفتاح السيارة وتنطلق كالريشة أمامه وتفتح له الباب وتجلس بجانبه و بيديها الصغيرتين تشد حزام الأمان قائلة: اربط حزام الأمان يا أبي، انه ضروري جدا، فطالما نجا الكثيرون من نهاية قاتلة بربطهم حزام الأمان. وتنطلق السيارة تتهادى وأمنة لا تنفك تذكّر أباها بالسياقة الهادئة.
ما أن حطت السيارة بركبها الميمون أمام الحد يقة العامة حتى هرع حشد غفير من الصبية الصغار في مثل سن أمنة، فعانق الجميع الجميع بشكل طفولي برىء وركضوا يتسابقون تجاه الألعاب : فهذا يقفز على أرجوحة وتلك تستقل القطار وذاك على لعبة الخيل. تبتسم أمنة للجميع والجميع يبادلها الابتسامة. تذهب لبائع التذاكر في الحديقة والابتسامة لا تفارق ثغرها، فيرد لها البائع الابتسامة ويمنحها تذكرة اضافية لابتسامتها. تعود أمنة لأصحابها تحمل التذاكر مبتسمة فيقابلها الجميع بالابتسام. أصيب الجميع بعدوى الابتسام، لعبوا وقفزوا وفرحوا واستمتعوا بكل شيء. استمرت الأمور على
هذي الحال ساعات طوال والجميع في نشاط لا يعرف الكلل ولا الملل. نعم. الفضل يعود الى الابتسامة الصادقة التي تمنح صاحبها الحيوية والتفاؤل.
تلقى الأب اتصالا من البيت بضرورة العودة لتناول طعام الغداء. لبت أمنة النداء، استأذنت من اصدقائها، ابتسمت لهم وابتسموا لها وقفلت راجعة إلى البيت. وفي طريق العودة نظرت أمنة إلى جانب الطريق ويا حسن ما رأت. لقد رأت ابتسامة تركض بجانب السيارة وتكاد تلتصق بنافذتها وهي تلوح بيديها الصغيرتين مودعة أمنة. نظرت أمنة للخلف وإلا بعشرات، بل مئات الابتسامات تهرول وتتسابق فيما بينها متمنية لأمنة يوما سعيدا.
وصلت أمنه إلى البيت، صعدت سلم البناية بنشاط قلما شعرت به من قبل، إنها تطير من الفرحة. وصلت باب البيت ونظرت خلفها وإلا بالعشرات من الابتسامات تتقافز على السلم متعقبة اثار خطاها. يا الهي ! ما هذا الحب الجارف؟ إنني اجزم ألان وبكل ثقة أن أمنه أصبحت الوكيل الحصري للابتسامة. ودخلت أمنة البيت واندفعت الابتسامات متوردة الخدود تتزاحم لنيل شرف السبق بالبقاء إلى جوار أمنة.
بعد الانتهاء من تناول طعام الغداء، ذهبت أمنة لأخذ قسط من الراحة. رفعت غطاء السرير وإلا بالابتسامات تخرج من الجنبات مرحبة بمقدم أمنة وتشكرها على غرس الابتسامة على ثغور جميع مرتادي الحديقة في ذلك اليوم. وغفت أمنة والابتسامات باتت تحرسها.
في المساء، قضت أمنة بعض الوقت مع الأهل في متابعة برنامج تلفزيوني حول سر الابتسامة وتأثيرها على الصحة والأداء. انتهى البرنامج ودب النعاس في أوصال الجسم الرقيق، فطبعت على جباه الأهل قبلا دافئة واستأذنت للذهاب إلى السرير ويا هول ما رأت. ابتسامات بألوان الطيف (احمر، اخضر، ازرق، اصفر…الخ) ملتصقة على النافذة وكلها فرحة بأمنة. أرادت أمنة تحية هذه الابتسامات، ففتحت النافذة وعانقتها وتمنت لها نوما هانئا وأحلاما سعيدة. ما أن وضعت أمنة رأسها الغض على الوسادة حتى سمعت أهازيج وكلمات عذبة في الخارج. فتحت النافذة ثانية وألقت نظرة على الشجيرات في الحديقة
الخلفية للبيت، فوجدت القمر يهمس في أذان الشجيرات ويحضها على دوام الابتسام. أما الابتسامات فكانت تقفز على ظهر القمر، تعانقه تارة وتلثمه قبلا تارة أخرى. رفعت أمنة يدها الصغيرة وحيت القمر فرد التحية بابتسامه ثم صعد حيث كان خشية أن يتهمه الناس باستئثار أمنة بنوره وإحلال الظلام عليهم.
أصبحت بيوت الجيران تعج بالابتسامات، فهي تتكاثر بطريقة عجيبة جدا. انتقلت من بيت إلى بيت، علت الأشجار الباسقة وعمت السهول والبطاح. لقد أثمرت سياسة أمنة في نشر وزرع الابتسامة على وجوه من تعرف ومن لا تعرف. أصبح الناس دائمي الابتسامة وغارت الوجوه الكئيبة وانقرضت وعلا شان الابتسامة. أصبح اسم الحي الذي تقطنه أمنة ( حي الابتسامات الطائرة). نعم الطائرة. إنها تطير وتحط على الجدران والنوافذ ليل نهار، تتلألأ كالدر. كل ذلك وأمنة تقول: ما أحلى الابتسامة على محيا الخلق جميعا. أنا لم آت ببدعة، أليس رسولنا الكريم(صلى الله عليه وسلم) ما انفك يحض البشر على الابتسام؟
الم يقل بما معنى الحديث ” ابتسامة في وجه أخيك صدقة” ؟ ثم وقفت مخاطبة الحشود المبتسمة قائلة :الابتسامة الصادقة والنابعة من صميم القلب تطيل عمر الشباب وتعطي نضارة في الوجه وهدوءا في الأعصاب. فهل تعاهدوني أمام الله على دوام الابتسام؟ فرد الجميع بصوت واحد : نعم نعاهدك أمام الله، والله خير الشاهدين.
وألان أخي القارئ، أختي القارئة، هل أمنة مجرد طفلة أدمية أم أنها طهارة بريئة تنطق بلسان الفضيلة ليعم الحب والتفاهم والمحبة بني البشر لأجل حياة فضلى؟

يونس عودة

yones3wdh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة