الشراكة الأوروبيّة مع البحر

تاريخ النشر: 20/12/14 | 21:32

بعد تعيين مفوضيّة أوروبيّة جديدة وانتخاب برلمان أوروبي جديد، انطلقت في عواصم الاتحاد حوارات ونقاشات معقّدة لإعادة صياغة سياسات الجوار، ومنها ما يدعى «الشراكة الأورومتوسطيّة» أو «سياسات الجوار الجديدة». تأتي الصعوبة من أنّ البرلمان الأوروبي قد حصل على صلاحيات جديدة للرقابة على سياسة المفوضيّة، وأنّ المفوضيّة الجديدة تحتوي حساسيّات تجاه مشاكل المنطقة العربيّة، تختلف جذريّاً عن سابقاتها.
هكذا، أصبح مألوفاً أن تسمع مسؤولين أوروبيين يعلنون فشل سياسات «الشراكة» التي وضعت أسسها في برشلونة العام 1995 في سياق مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط. ولكنّ الأمر ليس جديداً. فقد أعلن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ذلك واضحاً عندما أطلق مشروعه المسمّى «الاتحاد من أجل المتوسط». المشروع بقي حبراً على ورق لأنّ آليّة الاتحاد لا تسمح لجزء من القارة الأوروبيّة المتواجد على شاطئ البحر المتوسّط، بالانفراد بسياسات خاصّة مع الدول العربيّة التي تشاركه هذا البحر. إلاّ أنّه افاق «هويّة متوسطيّة» بدأت تخلق فرزاً ضمن الاتحاد نفسه.
يتفاقم هذا الفرز مع شدّة الأزمة التي تعاني منها الدول الأوروبيّة المتوسطيّة، مثل اليونان، ومع الصلافة التي تعاملت بها دول الشمال التي تهيمن على المؤسسات الأوروبيّة، المالية منها خاصّة، حيث تمّ إنقاذ المصارف الأوروبيّة وليس البشر المفترض أنّهم أيضاً أوروبيّون. كذلك يبدو واضحاً اليوم أنّ سياسات «الشراكة» و»الجوار» قد فشلت في التعامل مع الإشكاليّة الرئيسيّة للدول العربيّة المتوسطيّة، وهي «التسونامي الشبابي»، خصوصاً أنّ المليارات التي أنفقت في «مساعدات»، لم يأت شيئاً يذكر منها لخلق وظائف وأفق لهؤلاء الشباب، أو لهيكلة «سوق عمل» ومؤسسات له.
لقد بدأنا اليوم نسمع أصوات مسؤولين أوروبيين يتحدّثون عن الجرم الذي ارتكب حين تمّ في برشلونة فصل السياسات الأوروبيّة تجاه الدول العربيّة الكثيفة السكّان، أي المتوسطيّة تحديداً، عن السياسات مع دول الخليج، كمن يفصل بين البشر ورأس المال ويتعامل مع كلّ على حدة. وبتنا نسمع مسؤولين أوروبيين يتحدّثون عن «نهج استعماريّ» لبعض الدول الأوروبيّة، مستخدمة بعض دول الخليج وإسرائيل للتعامل عسكريّاً ومخابراتيّاً مع الدول العربيّة المتوسطيّة وضرب مؤسسات الدولة فيها لإرساء هيمنتها عليها. ومن هنا يأتي سياق رغبة البرلمانات الأوروبيّة للاعتراف بالدولة الفلسطينيّة ولمساعدة التجربة التونسية المحفوفة بالمخاطر والتهديدات ولوقف النزيف السوري والليبيّ والدعم الضمنيّ للتنظيمات المتطرّفة. ولعلّ أقوى الطروحات هي إظهار مسؤوليّة بعض الدول الأوروبيّة المباشرة عمّا وصلت إليه الأوضاع في ليبيا وسوريا من جّراء تدخّلها فيها، واستمرارها بالتمسّك بهذا النهج.
من يزور بروكسيل هذه الأيّام يشهد هذا الصخب والرغبة في مراجعة السياسات. ولكنّ صوت عرب جنوب المتوسّط يبقى ضعيفاً فيها، إلاّ من بعض مؤسسّات «المجتمع المدنيّ» العربيّة التي تعمل غالبيتها بالمنطق الذي رسخته أوروبا ضمنها: متحدثة عن الحقوق الفرديّة من دون الحقوق الجماعيّة، ومن بينها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
«الشراكة الأوروبيّة – المتوسطيّة» لا معنى لها لأنّها شراكة بين قارة والبحر، والبشر هم أولئك الذين يعانون اليوم وراء البحر. و»سياسة الجوار» كذلك لأنّ دول أوروبا المتوسّط شريكة منذ القدم، لا جارة لتلك العربيّة على الضفّة الأخرى. لكنّنا اليوم في زمن هيمنة المال وصراعات القوى اللذين يلغيان التاريخ.
سمير العيطة ا- السفير
eeta

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة