أنا وحماري .. والناس ..!

تاريخ النشر: 07/12/14 | 23:13

مررت بباب بيت حماري , فأرسلت كعادتي التفاتة الى داخله ,لأطمئن بها على وجوده فيه , ولما لم ” أقشعه ” . تقدمت خطوة أخرى باتجاه فتحة الباب , كي اتمكن من رؤيته , ولما تاهت عيناي في فضاء خالي من جنس الحمير , هاجمتني مخاوف , لا أدري الى أين ستصل بي .!
فدخلت الى بيتي مهمونا مغموما .. يلاحقني سيل من الاسئلة .. الى أين ” شطح ” حماري.!؟ وهل ترك بيته بمحض ارادته , أم أخذه أحدهم عنوة طامعا في خدماته و”نعمه”..!؟
وبدأت أحضر نفسي للبدء بالبحث عنه , لأ عيده الى ” أحضاني “..!.فلم اعد أطيق البعد عنه , فهو الوحيد الذي يحملني ويحمل ” رزالتي ” , وتعودت على ” فلسفاته ” التي لا تدري ان كانت تصدر عن مخ صغير لحمار كبير , أم عن مخ كبير فاق أبناء جنسه .!
وبينما انا غرقان في تخميسي وتسديسي, محاولا حل أحجية غياب حماري العزيز , وأذا ب ” نقالي ” يناديني اليه , ولما لبت أذني النداء ,هاجمها صوت, يحمل في باطنه سيل من
التهديد والوعيد ,مما يعجز حمار في حجم الفيل مثل حماري عن حمله .!
– أأنت مسالم ابن سلامة العبقري .. !؟ رماني بأول حجر من سنسلة , أحسست انها على وشك الانهيار على رأسي ..
– نعم .. أنا مس ..
– أتملك حمارا لعين ..!؟ قاطعني مستمرا في كيل تهديداته , التي أحسست بأذني أنها أوشكت على الانفلات .
– نعم أملك . .
– أين هو .. وما شكله ..وما لونه ..!؟ أستمر في مقاطعتي وتخويفي ..
– انه مفقود – يا سيدي – ولا أدري أين هو ..
– ما شكله , وما لونه ..!! ؟علا صوته حتى شعرت انه ” سيخزق ” أذني .!
– شكله كبير كالجبل .. اما رأسه ورقبته فلونهما أبيض , أما ما تبقى من جسمه فلونه
أسود كالغراب .
– نحن من الشرطة .. أعطنا عنوانك .. وانتظرنا سنأتي لأخذك, الى مكان حمارك . !
أغلق ” النقال ” .. وتركني أتقلب في الوحل , الذي رماني به حماري .. ومع مين ..!؟ .. مع الشرطة .. !؟
وما ان مرت ساعة او يزيد,حتى سمعت صوت فرامل سيارة تزعق في ساحة داري , فنزلت الدرج , وتقدمت منها , وقبل ان أنطق بكلمة واحدة , طلبوا مني الصعود الى السيارة , وأطلق السائق العنان للسيارة , فراحت تبلع المسافات بسرعة جنونية , ولما لاحظت ان المشوار طال ,تسللت الى نفسي مخاوف أقلقتني , فسألت الذي يجلس بجانبي : ” مطولين ..!؟ ” , فأسكتني بسهام حاقدة خرجت من عينيه وهمس همسة تخلع المسمار :” أسكت ..ّ!”
أخذت السيارة طريقا يصعد الى جبل عال لا تظهرقمته من أسفله,وبعد لف ودوران في طريق ترابية شقت عن قريب , وما ان وصلنا الى أعلاه , حتى هالني ما رأ يت , رأيت عشرات السيارات والجرارات, ومئات من الرجال , منهم بالزي العسكري ,ومنهم بلباس مدني, يتجمعون في ساحة , قامت الجرارات بتسويتهاعما قريب .نزلت من السيارة وسرت مع ” رفاقي ” من رجال الشرطة, باتجاه تجمع كثيف في وسط الساحة .وسرعان ما وجدت نفسي بجانب حماري..! التقت عيوننا , وتحدثت بلغة خاصة, لا يفهمها أحدا غيرنا .! وعرفت منه أن” الحرنة” أصابته ..!وأنتم كما تعرفون, عندما تصيبه هذه الحالة , فانه يتجمد كالصخر , لا يتحرك وينحبس صوته في داخله .فعرفت أنهم أتوا بي الى هنا , كي أساعد في “فك ” حرنته ,ليستطيعوا ان يتفاهموا معه, بعد ان فشلت كل محاولاتهم , للوصول للتفاهم معه .
لماذا انت رابض هنا ايها الحمار الجميل ..!؟سأله أحدهم , محاولا استدراجه بالكلام.. عرفت بعد ذلك انه كبيرهم
– أنا ” متنحيل .. ! ” قال الحمار كأنه يقول أمرا طبيعيا..
– ” متنحيل ..!!؟” تعالت أصواتا كلها استهجان من كل جهة ..
– ومن أعطاك الحق بالاقامة هنا ..!؟ سأله آخر بنوع من التحدي..
– ومن أعطى هؤلاء ” المتنحلين ” ,الذين يلتصقون كالهالوك ,على كل تلة وجبل ,الحق
بالاقامة فيها ..!!؟
– ان معهم ” كوشان ” يثبت ملكيتهم لهذه الأراضي .! صرخ أحدهم من بعيد ..
– وانا معي “كوشان ” ..!!رد عليه الحمار بتحدي .
– أين هو ايها الحمار اللعين ..!؟ صاح كبيرهم بعد ان نفذ صبره .
– أنه مكتوب هنا على حوافري ..!! قال وهو ينبطح على ظهره , ويرفع قوائمه , الى أعلى ..
– “كوشان ” على حوافرك ..!؟ انطلق سيل من الاستهجان من كل جانب ..
– نعم كتبتها هذه الارض على حوافري .. بعد ان أفنيت عمري وأنا أعمل فيها ..!! ولكنكم – أيها السادة – ستعجزون عن قراءتها ,لأنكم لم تتعلموا لغة الارض مثلنا ..!!
– ولكنك لست يهوديا ..! صاح رجل يلبس ” الكباة “..
– لقد صرت يهوديا اكثر منك ,بعد ان اشتريتها من سوق الحمير , اشتريت لي جدة يهودية روسية , وهذا مثبت في ورقة موجودة في أذني اليسرى ..!
مددت يدي في أذنه فاخرجت ورقة مختومة من كل الجهات الرسمية تثبت انه يهوديا “كشير ” , لاغبار عليه ..!
– لا بد من طرده من هنا بالقوة ..لم أعد اقدر على سماع رزالته ..!؟ صرخ كبيرهم بعد كاد صبره ان ينفجر ..
– انك – يا سيدي القائد – سوف ” تعلق ” مع جمعية الرفق بالحيوان .. قال مساعده محذرا..
بقي حماري رابضا ( متنحيل ) في مكانه .. ولم تستطع كل جهودهم وقواتهم من انزاله من الجبل , ووصلت أخباره الى جميع أنحاء العالم , وعلقت احدى الصحف الأسرئيلية على موضوع الحمار قائلة : ” ان المشروع الصهيوني في خطر ..!! ” . كل ذلك بسبب حمار ..!
هوامش : متنحيل : مستوطن صهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة
يهودي كشير :يهودي صحيح , معترف بيهوديته, من قبل المؤسسات الدينية اليهودية التقليدية .

بقلم يوسف جمال -عرعرة

jmal-yosf2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة