أَمُرُّ عَلى ظِلالِكِ في ظِلالي

تاريخ النشر: 24/11/14 | 16:49

مُنْذُ رَمادَيْنِ وَجَليدٍ بِدائِيِّ الزَّحْفِ وَأَنا أَصُدُّ لُغَةَ الْـمَجازِ عَنِ اسْتِعاراتِ مَباني تَأْويلي بِما يُشْبِهُني، خَوْفًا أَنْ أَصيرَهُ، فَلَسْتُ هُوَ، لكِنَّها انْتَصَرْت وَجاءَتْني الْآنَ بِكُلِّ ما فيها، وَأَرَتْني ما أَعَدَّتْهُ لي مِنْ مَشانِقَ بِكْرٍ وَشَهْوَةٍ، وَمِنْ دُروبِ غُروبٍ لا يُحيلُ إِلى ذاتِهِ في ضِدِّهِ، وَكُهوفٍ لا تُؤِّدي مَسارِبُها إِلى صُبْحٍ.. جاءَتْ بَعْدَما هَزَمَتْ لُغَتي وَأَقْصَتْها عَنْ سُهولِ خُصوبَتِها كَيْ لا تَلِدَ جَنينَ الْعَصْرِ النَّابِتِ في رَحِمِ الظِّلالِ الْجَديدَةِ.
جاءَتْ تُمْلي عَلَيَّ الْـمَوْتَ الْجَديدَ، تَبْسُطُ أَوْجُهَهُ، وَريحُ الطَّريقِ تَعْوي عَلى قارِعَةِ اللَّفْظِ الْقَديمِ، تُرَتِّبُ رَذاذَ الْوَقْتِ وَبابَ الْحَياةِ، وَتَرْفَعُ الشَّهْوَةَ الْـمُسافِرَةَ في الصَّدى الْـمُرْتَدِّ عَنْ جِبالِ الْكَلامِ الْقادِمِ تارِكًا مَعْناهُ عِنْدَ مُنْعَطَفِ انْزِياحِ فِقْهِ اللُّغَةِ عَنْ تَفْسيرِ وَجْهِ ظِلالِنا.
تَغُذُّ الصَّحارى الْجَديدَةُ خُطاها صَوْبَ حَرْفٍ أَفْلَتَ مِنْ رِحْلَتي وَسارَ إِلى صَباحٍ غَريبٍ رَدَّهُ عَنْ مَراعيهِ فَعادَ يَجُرُّ أَماسي لُغَتِهِ، وَقَدْ أَضاعَ سَماءَهُ، إِلى بِئْرِ نَوْمِهِ في دَفْقَةِ الطُّوفانِ الزَّاحِفِ عَلى سَديمٍ هُناكَ تَرَكْتُهُ يُقَلِّبُ وَجْهَ السَّماءِ بَحْثًا عَنْ سَمائِهِ عَلى سَطْحِ خَليقَةٍ أُخْرى تُشْبِهُ انْدِفاعَةَ الْوَقْتِ في عَبَثِ الطَّريقِ.
قالَ الْـمَجازُ: كُلُّ هذِهِ الْأَبْوابِ طَريقُكَ، أَيُّها تَدْخُلُهُ فَهُوَ أَنْتَ، وَكُلُّ هذِهِ الْوُجوهِ أَمامَكَ أَنْتَ، وَهذا الْـمَوْتُ الْجَمْعِيُّ الْـمُكَدَّسُ أَنْتَ، إَلَّا وَجْهُ مَوْتِها فَلَيْسَ أَنْتَ، فَلا تَسْقِهِ ماءَ مَوْتِكَ لِئَلَّا يَعيشَ فيكَ كَلامًا جَديدًا وَقَصيدَةً.. وَاتْرُكْ ظِلالَكَ هُنا في وَقْتِها فَهِيَ لا تَحْتاجُ غَيْرَ ظِلِّكَ كَيْ تُمارِسَ مَوْتَها الْـمُعْتادَ، فَلَها شَهْوَةٌ إِلَيْكَ نَعْرِفُها مُنْذُ انْشِطارِكَ فَوْقَ جِهاتِ لَيْلِ الْـمَدينَةِ، وَتَخَطِّيكَ غُبارَ بُحَيْرَةِ السَّرابِ.. لا نَرى طَريقَكَ عَبْرَ شَهْوَتِها، فَاتْرُكْ لَها ظِلالَكَ وَالْخُطى عِنْدَ الْـمُنْحَنى الْفِضِّيِّ وَامْضِ وَحْدَكَ صَوْبَ مَوْتِكَ، وَلا تُطْعِمْ سِواكَ جَناهُ لِئَلَّا تَصيرَ أَكْثَرَ مِنْكَ إِذا ما فَرَّقْتَ ذاتَكَ عَلى الْبَلاغَةِ، فَتَسْقُطَ عَنْ سَماءِ الْأُغْنِياتِ، وَيَنْساكَ قِطارٌ مَضى بِلا خَريطَةٍ، وَتَبْقى هُناكَ أَنْتَ بِلا أَنْتَ.
يَسْحَبُني الْـمَجازُ بِكُلِّ ما فِيَّ مِنْ لُغَتي إِلى رَدْهَةِ صَمْتٍ لَمْ يَزَلْ يَتَرَبَّصُ بي، وَأَرى لُغَتي تَنْتَفِضُ الْآنَ في سِجْنِها خَلْفَ قُضْبانِ عُصورٍ قادِمَةٍ، تُناديني وَكَأَنَّني أَسْمَعُها، لكِنَّ خَدَرًا ما تَسَرَّبَ إِلى أُغْنِيَتي الْأُولى فَوْقَ تِلالِ الْخَليقَةِ يَحْجُبُ عَنِّي الْآَن فِقْهَ اجْتِيازِ الْـمَدارِ وَطَعْمَ الْاِسْتِعارَةِ وَتَغيبُ لُغَتي كَالْأَمْسِ حَلَّاهُ أَمْسُ.
أَتَوَكَّأُ الْآنَ عَلى صَوْتي، أَهُشُّ بِهِ عَلى وَجَعي، وَيَرْكُضُني تاريخي اللُّغَوِيُّ يُنْبِتُني وَجْهًا لِلنَّدامَةِ، فَأَصيحُ يا مَوْلايَ ما فَقَدْتُ الْبوصَلَةَ، وَما اسْتَرَحْتُ لَدى الْفاصِلَةِ، لكِنَّ النِّقاطَ خالَفَتْ وَجْهَ حُروفِ الدَّرْبِ وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْها قَيْدَ قُبْلَةٍ، وَيَرْكُلُني الْـمَجازُ يَدْفَعُني إِلى بابٍ أَبَيْتُهُ مُنْذُ خَيَّرَني الدُّخولَ، يَصيحُ بي: “وَدِّعْ هُرَيْرَةَ” قَبْلَ الْـماءِ كَيْ تَخْضَرَّ الطَّريقُ، وَانْسَ مَغاني الْعامِرِيَّةِ فَقَدْ ماتَتْ قَبْلَكَ بِصورَتَيْنِ، كَيْ تَنْشَطِرَ وَتَرْجِعَ مِنْ أَنْتَ هُناكَ إِلى أَنْتَ الْجَديدِ هُنا، هَيَّأْنا لَكَ تُرْبَةَ الْقَصيدَةِ الْبِكْرِ وَسَماءَ الْـمَعاني كُلِّها، فَاشْرَبْ صورَتَكَ الْجَديدَةَ، وَاغْرَقْ في الْـمَجازِ وَما يُفيضُ عَلَيْكَ مِنِ اسْتِعاراتٍ كَيْ تَكونَ اللُّغَةُ، فَما أَنْتَ سِوى وَجْهٍ لِلُّغَةِ، وَلَنْ تَكونَ سِوى مَجالِ حَمامٍ مُجَنِّحٍ وَسَطَ دَهاليزِ مَدائِنَ رَقَّصَتْ عُرْيَ ياسَمينِها في الْخِتامِ.
أَمُرُّ عَلى ظِلالِكِ في ظِلالي .. وَأَغْمِسُ فيكِ أَزْمِنَةَ الظِّلالِ
أَجُسُّ جُذى ضَلالِكِ في غِوائي .. فَيَحْجُبُني ضَلالُكِ عَنْ ظِلالي
أَميلُ عَلى صَهيلِكِ في انْعِتاقي .. أُقَبِّلُ فيكِ ما يُمْلي احْتِمالي
وَأُوقِدُ مِنْ شِفاهِكِ نارَ قَوْلي .. وَتَرْكُضُ شِقْوَتي عَبَثَ ارْتِحالي
وَأَنْتِ فَناءُ أَزْمِنَةِ احْتِراقٍ .. أُحاوِلُ بَعْثَها لِغَدِ احْتِمالِ
أُجَرِّدُها مِنْ بَقايا أَوْ حَكايا .. مَخافَةَ أَنْ تُحاكى في الْـمِثالِ
وَأَقْتُلُ كُلَّ قافِيَةٍ شَرودٍ.. إِذا لَمْ تَجْلُها فَوْقَ الْخَيالِ
لِأُطْلِعَها الْيَتيمَةَ حينَ تُجْلى .. خَريدَةَ كُلِّ عَصْرٍ في الْجَمالِ
وَجاءَتْها صِلالُ الْعَصْرِ حَصْرًا .. تُحاصِرُها بِثَرْثَرَةِ اخْتِزالِ
وَكَمْ مِنْ أَصْلَةٍ هاجَتْ وَماجَتْ .. وَزالَتْ قَبْلَ زائِلَةِ الزَّوالِ
وَما تَدْري الصِّلالُ أَوانَ زَحْفٍ .. أَتَلْقى الصَّيْدَ أَمْ دَوْسَ النِّعالِ
وَلكِنْ خابَ تَقْديري لِأَني .. نَظَرْتُ غَوائِلي بَعْضَ الْغِلالِ
فَخابَتْ رَمْيَتي إِذْ طاشَ سَهْمي .. وَهاجَ السُّمُّ في جَسَدِ احْتِفالي
وَما أَخْطَأْتُ تَصْويبًا وَلكِنْ .. نَبا سَهْمي عَنِ الْهَدَفِ الْـمُزالِ
هُنالِكَ عادَني الْإِدراكُ عَصْفًا .. فَسَهْمي قُدَّ مِنْ شَجَرِ اللَّيالي
لَوَيْتُ عِنانَ صاهِلَةِ الْـمَعاني .. إِلى مَغْنى ابْتِهالي وَانْثِيالي

بقلم: محمود مرعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة