وقفة مع ديوان “نزيف الظلال” للشاعر الفلسطيني مفلح طبعوني

تاريخ النشر: 06/10/14 | 10:41

وقفة مع ديوان : نزيف الظلال ” للشاعر الفلسطيني مفلح طبعوني :  “الطبعوني يمزج اينشتاين وفرويد والشيطان في النرفانا ويحولنا لحزمات نور.”

“- نزيف الظل” هو الديوان الثالث للشاعر الفلسطيني مفلح طبعوني،والذي صدر مؤخرا في الناصرة.
يحوي 13 قصيدة شعرية تزينت بالقافية والموسيقى الداخلية وجلست على اوزان تفعيلية ناعمة تنسجم مع المزاج الخاص بالشاعر المركب من الحزن ونزعه الرثاء الى الالم المرافق مسيره شعبه وبلده وقضيته الانسانيه الى الرغبة الاسديه في الوثوب من جديد بانبعاث جديد.
1.”الطبعوني يمزج اينشتاين (الفيزياء) وفرويد النفسية وشيطان الشعر في قالب من النرفانا ويرمينا في فضاء نور الحقيقة الانسانية.

لا اعرف شخصيا عمق درايه الشاعر المهندس الطبعوني بالفيزياء الكوانتومية النسبية- الأينشطانيه..ولا اعرف عمق درايته بفرويد ونظريته التحليليه “البسيخواناليزا”..ولكنه استطاع بفطره الشاعر صاحب الحدس والرؤيه والحلم المبنيه على قاعدة الثقافة العميقة للتراث الأنساني المتنور ان يخترع لنا كوكتيلا اينشطانيا فرويديا يسكبه شيطان الشعر، في قوارير الطهارة اكسيرا للنرفانا-NERVANA التي تسرقنا كمجرة تتحول فيها كل الكتل الى طاقه من نور ،تشع على طريق ناصع يوصل الكون والكائنات الى حالة من السعادة والخلود والكرامة.

الطبعوني من حيث يدري او لا يدري يخضع قوانين التحول في الكون للنص الشعري الملحمي ليحول المادة : الجسد : الواقع المرير: التجربة..ترسبات الحلم..الانا ..الى طاقه..نور.. يضيء طريق حرية الانسان المطلقة…بهذا يختصر الأنا خاصتة ال EGO ,ليرتقي بنا درجات الى “الأنا الأعلى”- السوبر ايغو…SUPEREGO…والى السوبر سوبر ايغو…فينثر كل مادته نورا ” وكأنه نقلها بدقه قانون التحول الاينشطايني.. E =mc2″ ليتحول الشعر الى كشف دائم ،يفتح اعيننا على الكون وينتطلق من اعماق الذات الى ارجائه” كما كتب الشاعر عبد الناصر صالح في مقدمة الديوان.

يفتتح ديوانه بقصيدة : بعث ابيد” بالكلمات الأولية ” عادت الأيام من عمق الزمان”..ليستفزنا في التفكير والبحث والتساؤل ؟؟ ما هو عمق الزمان ؟؟ متى ومن خلق الزمان؟ وكم عمر الزمان؟؟ واصلا ما هو الزمان؟؟ وفعلا هذه المسالة هي التي اشغلت العالم البرت اينشتاين..الى ان وصل للمعادلة التي غيرت العالم وفهمت الكن ..ان الزمان هو شكل من اشكال المادة..وهي ماده اذا هي خاضعه لقوانين التغير والتاثير..فهي تتألم …تحس..تفرح ..تكبر وتصغر…وفجاه ياخذنا الى اطياف المكان ” في كلماته ” تتحدى كل اطياف المكان “…وهنا استفزاز اخر..ما هو المكان؟؟ ما حدوده…وكيف يتعامل المكان والزمان معا؟؟؟
يحدد الشاعر المكان..ربما ليريحنا من صدمه الإستفزاز الفلسفي…ليقول ” انقذيني من عذابات الحواجز…وخديني للشموس الشامخات”..
والشموس هي جمع شمس..والشمس في الفضاء…ولا حياة بدون الشمس…ولا زمان بدون الشمس..فالشمس..هي نواة الوحده بين عمق الزمان واطياف المكان ليكون للزمن والمكان معنى حقيقي…..وهنا في هذه اللحظه بالذات يمسك الشاعر بيدنا لياخذنا الى ” جموع الاوفياء في بلادي…ويأخذنا معه الى حيفا…حيفا ليست الشارع او المنتزه الو المطعم او البار…انما حيفا “موج العائدين”..وهنا يزرع الامل المتجدد نورا رغم طعم الفراق ونشاف الريق والظلام..بدعوة ونداء ان يفيق الكون من هذا السبات :…..
هنا تكمن الرساله العليا…..الكون في سبات..نوم..ظلام…..وحان الوقت ليفيق ليتحول الى عالم من نور الاستفاقة…
في هذا المدخل المعقد المبني من تركيبات الزمان والمكان والالم والالم والظلام والسبات ،يبدأ الشاعر الطبعوني إنفاعله النفسي الذاتي..ليبدأ بالانصهار…انصهار جسدي وروحاني…انصهار تحولي الى شكل جديد للمادة…فصرخ ” الهبيني…وظلليني وزمليني وجديليني وقلميني واتركيني واسكريني وعانقيني وانشقيني واقرئيني واحفظيني وشنقيني وصومعيني واصلبيني وسمديني وعمديني وطوقيني وازرعيني وقدسيني وخصبيني ولملميني واسنديني واعيديني وازرعيني واغزليني وخمريني وارشفيني واحرقيني ورمديني وصهبيني ……وقمه الصرخه يهز جدران الحبكة الادبية الراقية…”واجمعيني واجبليني واجعليني طينة البعث الأبيد….”…
عوده الى الابدية…والأبدية خاضعة للزمان والمكان…والانبعاث خاضع للحظه الحياة الاولى في الزمان والمكان..والطينة هي شكل جديد للمادة المتحولة من نور – وطاقه الانصهار الاولى للمادة الاولى المتصارعة من قيمة الوحدة الخلاقه بين الزمان والمكان.
قدره الشاعر الطبعوني، الفطرية..او الغير فطرية في تحول الانفعالات ونسجها معا في قالب زمني- مكاني – ..يبدأ من الأوفياء وحيفا ..وحلم العودة..مرورا بالنخيل والفرات و بحجر في وجه المارقين … وأوتاد الخليل وعنبه والمنافي وعطر الجليل ونبيذ قانا الجليل…….
في القصيدة رسالة عليا..وهي السعي للبقاء والتشبث وعدم التنازل “ولو كأسطورة تأتي من النزف القديم…”.
2.التعامل مع الفوضى:
الفوضى : الكاوس chaoes..الأنارخيا…حالات قاتله للإبداع..لا قوانين هنا..حتى حدس الشاعر يصبح قنبلة موقوتة في قلبه ويكون الاكتئاب سيد الموقف.
للطبعوني وجهة نظر اخرى بالموضوع ..هذا ما افهمه من قراءتي لقصيدته “تكامل الفوضى”..فهو ينظر اليها جزء من لوحه تسعى للتكامل…فيصفها بدقه عامل المختبر او المهدنس من كل الزوايا…ليصف تفكك نوته العشق امام ضباب ناعم النمنمات”…اذا ماذا تبقى للإنسان او للشاعر بعد تفكك نوته العشق؟؟؟ زغاريد ألاندهاش؟؟ مخاطبة القلق؟؟..مخاطبه البحر الحائر؟؟ امام هذه الفظاعة والمجزرة للحس الانساني يهرب بنا الشاعر ويكسونا بدرع من السمو الروحاني…فيأخذنا الى الحان اورفيوس اليونانية وماسوره سرحان الزيادية الفلسطينية وحكمة ناظم حكمت التركية وارسطو الاغريقية..ياخذنا الى كانت الألماني وابن رشد الاندلسي ونيرودا اللاتيني ليعود الى حنظلة الفلسطيني المنتظر المتسلح بسمفونيات بتهوفن واغاني الشيخ امام المصري…وصوت ماياكوفسكي الجهوري من على جبال القفقاز لينتهى الى شارع مقهى في رام الله حيث يجلس الدرويش لاعب النرد قبل ان يرسم جداريته بالندى الكنعاني..وفجاه يرميك بين نهدي فلسطين الطيبه القلب…ليسرقك في برهة الى رصاص غير إتجاهه…فصار زغاريد في الأعراس والأعياد فتضرب كف بكف…وما ان تلتفت وإذا بالشاعر يدعوك ساخرا الى شاشات التفاهات من ابواب الحارات وشبابيك الامارات للخلفيات التركيات ولعيون مهند حارق الألباب…فتلطم الكفين بالخدين…والفوضى لم تكتمل بعد …فهناك من يصلب على الحائط وهناك من تذبح على العتبة….وهناك سجن كبير لشعب كل ما يريده هو ان يعيش كبقيه الشعوب يحرق بالبارود وقنابل الاف كيلوغرام تي ان تي…وربما سموم اخرى…ويدرك الطبعوني وينبهك ان ” لا حد يتدخل لانقاذك…بل سينام الجميع….
هنا يصرخ الشاعر برسالته الصادقة…تعالوا لنبدأ من جديد….ربما هنا تبدأ المهمة الاولى بعد الانبعاث الابيد في قصيدة “الانبعاث”…ان نزرع هذه العتمة…بالنعمة والنغمة…..ليس فقط في مكان سكنانا..انما من قاع الارض الى القمة….
3.الرثائيات:
في الديوان ثلاثة رثائيات : الاولى لقائد وشاعر وعلم هو توفيق زياد والثانية لام مناضلة هي ام باسل ميسر عاقلة طنوس ..والرثائية الثالثه للكادح حسن عميري “ابو ناصر”..
في الرثائيات تكامل انساني سياسي وجداني واخلاقي تربوي وثقافي حيث تشكل الثلاثيه موجز الروايه الفلسطينية منذ النكبة الى معركة الكرامه والبقاء في ارض الاجداد ..هذه الثالثه تستحق بحثا مترويا لما فيه من صدق وابداع وحقائق تصلح لتكون وثيقة تاريخية تدرس في المدارس والخالايا الحزبية.
والأروع ان الشاعر مفلح طبعوني نجح في يعطي كل شخص حقه بالكامل بأجمل صورة شعرية ناقلا للقاري تفاصيل حلم وممارسه وعطاء كل واحد منهم .
4.المأساة السورية:
في قصيدة دمشق والتي سماها الشاعر ” دمشق حبيبة الشمس” والتي كتبت عام 1973 بعد حرب تشرين ، نجح بدقه في التعبير عن الوفاء لدمشق حبيبه القلب التي لن تباع بالذهب والدنانير..فعبر عن املها في الحياة بان بعد الشوك ازهار وبعد اللحزن افراح وبعد الموت ميلاد….
طبيعي ان يكتب شاعر بهذة القامة الوطنية عن سوريا ليذكرنا باهميتها وقيمتها العليا لنا كعرب وكفلسطينيين رافضا تقسيمها وتدميرها والتدخل التكفيري والأجنبي فيها.
5.قصيدة “غدا العيد “:
قصيدة عظيمه بتفاصيلها ودقتها وبروعه وصف الحركة الديناميكيه فيها…فقلما ما قرات اوصافا دقيقه كالتي كتبت هنا شعرا جميلا…
القصيده تشكل لوحة لفنان إستغرق في رسمها مئة عام …وهنا ريشه الفنان هي القلم الطبعوني الدقيق دقه اشعه الليزر البارد…اذ يصف بدقه وجماليه حركة يد الجزار في كشط ” الشبط” مرورا ببريق عيون قطة متشردة في الزوايا تلتهم البقايا, الى تناثر الشعر الابيض والأسود والخروبي على مسطبة الحلاق البيضاء…ليرتاح برهة على انكشاف عبثي لصدور النساء….ويواصل القلم ليستعيد بالذاكره لطفولة الشاعر بانشوده “بقرة اسعيد”…والتي كانت النشيد الوطني للعيد في القرى والمدن قبل سيطره الايفون والايباد والنت على السنه واصابع الاطفال…
هذه الأنشودة العريقة المغروسة في الذاكرة ،لن تتأثر بمناداة السماك “سلطان ابراهيم.. الكيلو ببلاش لأولاد الحلال “..
ولا تخلوا القصيده للعنه على ” شيخ يتربص للمراهقات في محطة الباصات”..او يبحث في جريده الصباح عن اخبار الزواج والطلاق .لهدف في نفس يعقوب…
“وبقرة إسعيد” لن تستسلم امام زخم هيفاء وهبي من سماعات سائق باص يترنم على ” رجب حوش صاحبك عني”..
“وبقرة اسعيد” لن تغار من نكهة الحب والجنس المنبعثة من بين رفوف مكتبه مفتش المعارف المقبل على عطلة العيد…
وبقرة اسعيد..لن تفرح بإنتظار الحجاج…ولا باعديه طول العمر للملوك والرؤساء العادلين…
كل هذا في العيد لكن ..لن ننسى عباد الله المقهورين.
وهنا يختتم الشاعر القصيده بذكر الموت والموتى رغم انها تخص موضوع العيد والأعياد.
ربما كما في الانبعاث الابيد ” وفي “التخمة العمياء”..و”تكامل الفوضى”… و”الرثائيات الثلاثة ” “ودمشق”… و”غدا العيد”…فان موضوع “الموت” يرافق الشاعر في قمة الحبكات الادبية في خاتمات القصائد لكن يظهر جليا للقاريء ان اقتران الحبكات بالموت ليس نابعا من خوفا منه..وإنما في ديناميكية قلب الموت لحدث عابر وتحوله لحياة وانبعاث جديد…وكانها التزاما ووفاء لرسالة القصيدة الاولى في الديوان…رسالة الطينة الجديدة التي ستغير وتتمرد على الكون والعالم والفوضى والانحطاط
6.قصيدة “اعتكاف ” :
القصيدة الأخيرة في الديوان ..وبعد معالجة فلسفيه شعرية لمواضيع الزمان والمكان ..الموت والحياة..التحدي والخذول..والأمل والإحباط…الذاكرة والنسيان والوفاء لطريق الانسان وحريته تاتي قصيدة اعتكاف..للتربع على مزاج القاريء..فيبدأ بعقاقير الضغط والقلب وهي امراض العصر..ليطرح اسئلة وجوديه معقدة..ليسال السؤال الاهم في المجموعه الشهريه هذه وهو ” اين الوفاق
ما بين الطين والانبعاث”
والدساتير تعتصر المحال
وتراهن على تراكم الفجائع والانحرافات عن مسارات التكاثر
وارصفه الشهوات تسمم اللقاح وزوايا انجاب الجنون
لينتهى بإقرار مؤكد ” انا في اعتكاف..ما قام السؤال “…
اذا بعد رحلتنا الشعرية في الرواية الوجوديه لشعبنا وللإنسانية وبعد تشخيص الألم والفجائع…وطرح الامل بالأفضل كبديل…
وبالمفاهيم الشخصية لشاعر محسوب على الحركة الوطنيه وقائد جبهوي وحزبي..
هل فعلا نجح الشاعر مفلح طبعوني في تثبيت الأمل عند القاريء بوضع قصيدة “اعتكاف” في نهاية الديوان ؟
هل يرسل الشاعر رسائل جديدة من خلال هذه ألقصيده لنا كمحبين لشعرة ..لشعبه الفلسطيني ؟؟لبلدة الناصرة؟؟ لجبهته وحزبه…ام هنا رسائل فرديه مرتبطة بالحالة الصحية فيا نصيحة شخصيه ان نخلد للاعتكاف لنحافظ على صحتنا ولا نرهق اجسادنا عند ألمرض
ام ان القصيده هي حاله اعلان استسلام وياس من التحول القادم امام فظاعه ما يجري في عالمنا من جرائم وانحطاط …
اسأله تبقى مفتوحة..لن نعرف اجوبتها إلا في الديوان القادم …
انا شخصيا تمنيت لو ان هذه القصيدة (رغم روعتها الشعرية ) لم تنشر في هذا الموقع وهذا الديوان …لما فيها من طاقه سلبيه تتناقض مع روح الطاقات الإيجابية في باقي القصائد.
7.الخلاصة :
ديوان “نزيف الظلال ” يجسد شعريا حلم ومعاناة ورؤية تفصيلية للواقع العربي والفلسطيني وربما النصراوي…فيه صراح حاد بين الموت والحياة لتنتصر الحياة وصراع بين الاصالة والحداثة المشوهة لتنتصر الأصالة ،وصراع بين اليأس والأمل لينتصر الأمل..وفيه توثيق شعري لحقائق تاريخية عن شخصيات ومناضلين واحداث علينا ان نبقى وفيين لها .
مفلح طبعوني في هذا الديوان يحافظ على مواصفاته كشاعر مقاوم..فهو ينتمى منذ انطلاقته الشعرية الاولى الى جيل كتاب الشعر المقاوم ،برومانسيته وبتحريضه ضد الظلم وتمرده على الرديء القديم والتزامه بحريه الشعب وكرامته وإنسانيته…وفي هذا الديوان تتكامل انسانيته حين نجح في بناء نموذج “البازل” الانساني النضالي التحرري المتنور بنقل مواصفات المناضلين الرموز لتكتمل مع نزعة الولادة الجديدة بطينة جديدة تعيد بناء الكون والوطن والسعادة والحرية والكرامة ..فبرز هنا كشاعر ثوري من الطراز الاول..شاعر مقاوم..شاعر متنور يحمل رسائل الهم الانساني لكل الناس.
عبقرية الشاعر مفلح طبعوني تجلت في هذا الديوان ،حين سكب لنا الشعر في كؤوس من فلسفة ابداعية مرصعة برسومات الزمان والمكان والإنسان والأمل والحياة ، وأسقانا اياها عطرا ونورا ليحولنا الى جزء من الطاقة الايجابية والنور، رغم المعاناة الشخصية الجسدية والنفسية…
بوركت ايها الشاعر الوطني الثوري والإنساني الراقي.
بوركتك على جهدك ان تجعلنا شعاعات مضيئة في ظلمة الطريق.
بوركت ايها الشاعر الحالم المكافح.. بوركت ايها الرفيق.
بقلم د.زياد محاميد – ام الفحم

009006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة