القرآن: عمل ودعوة

تاريخ النشر: 22/10/14 | 5:24

قد أكرمنا الله بخير رسالة أُنزلت، وخير رسول بُعث، وأعظم كتاب أُرسل للبشر، سارع الجنّ لما أدركوا عظمة القرآن إلى اعتناق هذا الدين, وفهم الصحابة مقصد القرآن فتعاملوا معه من منطلق عظمته, فأعطوه عقولهم وقلوبهم وأوقاتهم , تعاملوا معه على أنه منهج حياة , فأكرمهم الله وأحسن صياغتهم بهذا القرآن , فكانوا هم الجيل الفريد الذي لم تشهد البشرية لهم نظير.

إننا نشهد في عصرنا جاهلية جهلاء, جاهلية طغت على الأخلاق والآداب, ونفوس اتبعت الشهوات والحياة الدنيا, فماذا فعلنا حتى نغيِّر هذا الواقع الأليم؟

نقرأ قوله تعالى {إنَّ الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فالتغيير يبدأ من عندنا , والبداية في التغيير لا تكون ولن تكون إلا من خلال القرآن , وقد صدق القائل (لن يصلح آخرهم إلا ما صلح به أولهم وهو إتباع الكتاب والسنة..). فكيف نتعامل مع هذا الكتاب العظيم وهذا النور المبين حتى نتغيَّر ونغيِّر!!

الدكتور القرضاوي ـ بارك الله في عمره وعلمه ـ يتحدث عن هذا التعامل في كتابه (كيف نتعامل مع القرآن العظيم ), ويذكر أنّ التعامل مع القرآن بعد فهم خصائصه ومقاصده على ثلاثة دروب , وهي:

الأول: التعامل مع القرآن حفظاً وتلاوة واستماعا:
هل خطر في بالك أن تكونمع السفرة في جنان النعيم ؟ يقول عليه الصلاة والسلام (الَّذي يقرأ القُرآن وهو ماهرٌ به مع السَّفرة الكرام البررَةِ) . ويقول صلى الله عليه وسلم( مثَلُ المؤمنِ الَّذِييقْرَأُ القرآنَ مثلُ الأُتْرُجَّةِ ريحهَا طَيِّبٌوطَعمُهَا حلْوٌ ، ومثَلُ المؤمنِ الَّذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمثَلِ التَّمرةِلا رِيح لهَا وطعْمُهَا حلو..) فمن أيهما أنت ؟

كم تحفظ من كتاب الله ؟ أما آن الأوان أن نبدأ بحفظ القرآن ؟ إنها الهمة العالية والإرادة القوية والنفس المؤمنة التي تقود صاحبها إلى أعلى الجنان.

هل تقرأ القرآن بالطريقة الصحيحة؟ بدون أخطاء في الحركات وفي الألفاظ ؟ هل تقرأ القرآن بأحكام التلاوة والتجويد ؟ أليسَ من الأدب مع كتاب الله أن نسعى لنتعلم الأحكام حتى نقرأ القرآن غضاً كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

هل نحن ممن يستمع للقرآن ؟ قال عبد الله بن مسعود: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: إقرأ عليّ القرآن .قلت: أقرأ عليك وعليك أُنزل ! فقال: إني أحب أن أسمعه من غيري. فلما قرأ ، غلب البكاء رسول الله صلى الله عليه وسلموفاضت عيناه بالدموع !فإذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يطلب سماع القرآن من صحابته ويبكي أفلا نستمع له نحن ونبكي أو نتباكى!

الثاني: التعامل مع القرآن فهماً وتفسيراً
يقول تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ) نحن نقرأ القرآن ونختمه مرة في الشهر وربما مرتين, ولكن كم نفهم من آيات القرآن ؟ هذا الكتاب الذي “.. لا تنقضي عجائبه ولا يَخلق من كثرة الرد ..” ورحم الله ذاك الصالح لما قال ( كل آية لا أفهمها ولا يكون قلبي فيها ..لا أعد لها ثوابا).

ولفهمالقرآن ركائز أربع نص عليها العلماء: القراءة ،التدبر،الفهم ، ثمّ التطبيق.إذاً ماذا علينا أن نفعل ؟ واجبنا أن نقرأ من كتب التفسير , نفهم مُراد الله في الآية , ماذا يريد منا , بماذا يأمرنا وعن ماذا ينهانا .

الثالث: التعامل مع القرآن اتباعاً وعملاً ودعوة
يقول رب العزة {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون}(الأنعام: 155 ). إن الذين يحفظون القرآن كثيرون والحمد لله , والذين يقرءون القرآن أكثر والحمد لله , ولكن كم من الناس من يتبع القرآن ويعمل به , وكم منهم من جعله إماماً يقوده إلى الجنة ؟

النبيّ صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن, أصحابه جعلوه منهجاً لحياتهم وإماماً لهم وقائداً, قادوا الدنيا وسادوا الأمم، ليس بحسبهم ونسبهم وإنما لاتباعهم وأخذهم للقرآن. فهذا أبو طلحة يتصدق ببستانه ” بيرُحاء ” وهو أحب أمواله إلى قلبه لما نزل قول الله {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. وهؤلاء ينتهون عن شرب الخمر لما نزل قوله تعالى {.. فهل أنتم منتهون}. والنساء تلتزم الحجاب لما نزل قوله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن). فالقرآن رسم علاقة الإنسان بخالقه وعلاقته بأخيه الإنسان وسائر المخلوقات.والقرآن كلٌ لا يتجزأ. منا مَن يصوم ولا يصلي ؟ أو تصلي ولا تتحجب ؟ أو تصلي وتصوم وتتحجب ولا تتخلق بأخلاق القرآن ؟ أهذا هو الإسلام ؟

يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (من قرأ القرآن وعمل بما فيه أُلبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم . فما ظنكم بالذي عمل بهذا)

إن القرآن منهج تربية متكامل لأنفسنا حتى نعتقها من ذلِّ وأسر الدنيا , لأبنائنا حتى يكونوا لبنة في بناء المجتمع الصالح , لبيوتنا حتى تكون سعيدة

القيَم التربوية المستوحاة من القرآن الكريم هي التي تصنع الأفراد ، بفضلها واجهوا تبعات الحياة ومشاق السير في دروبها الوعرة، إن تمسكنا بقيَم القرآن وعملنا بها في واقع حياتنا فمعنى ذلك أننا نعيش في مجتمع متماسك البنيان راسخ الأركان سائر إلى الأمام ، أفراده أقوياء النفوس ممتلئين بالعزم والقدرة على الثبات.

إنه القرآن كتاب الله إن تمسكنا به ( ليس حفظاً وقراءة ) إنما فهماً وعملاً واتباعاً سننجو بإذن الله وصدق النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ يقول ” إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا ” .فلنتمسك، لعل وعسى أن يكون القرآن لنا شفيعاً ونكون من أهل الله وخاصته.

05

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة