عن الأمن أو المخابرات في التعيينات

تاريخ النشر: 30/08/14 | 12:34

يكثر الحديث هذه الأيام عن الوساطات في التعيينات، وعن الترقيات غير المقنعة، ولا أظن أن تلك قصر على مجتمعنا العربي، أو أنها فقط في بلادنا، أو أ،ها عرضية غير مدروسة.

اصحبوني واقرأوا بعض ما جرى معي، وكنت دونته في كتابي “أقواس من سيرتي الذاتية”. ط 2. طولكرم: مطبعة ابن خلدون- 2011، ص 31- 34.
******************************************

ملحق أمني لا بد منه:
لا بد من تناول الموضوع الأمني فيما يتعلق بسيرتي شخصيًا، فلعل ذلك يعكس بعض ما مر على الوسط العربي عامة.
لا أنكر أن كل تعيين لوظيفة رسمية يجب أن يمر عبر الدوائر الرسمية، ولا بد من موافقة أمنية، فهذا أمر لا مشاحّة (1) فيه، ولكني لم أكن أعرف مدى حولهم وطولهم إلا بعد اللقطات التالية:
– عندما انتخب قريبي رئيسًا للمجلس المحلي في أواخر السبعينيات كنت أجلس في ساحة منزله، فإذا بشخص غريب مريب يحمل حقيبة سوداء ويلبس نظارة بيضاء. طلب هذا أن يختلي بالرئيس، وبعد ساعة خرج مودعًا “شالوم شالوم”.
سألت الرئيس: ومن يكون هذا؟
قال: هذا من جهاز الأمن. حضر خصيصًا ليحذرني من تعيينك مديرًا أو مسؤولاً في المدرسة الثانوية.
قلت في نفسي: “لعل الرئيس يبحث عن ذريعة لإبعادي عن الوظيفة، لا بأس”. ولم أصدّق قريبي إلا يوم أن كان يهاتف الأستاذ علي حيدر – نائب مدير المعارف – ويقول له على مسمع مني: “أعطينا فاروق ساعات لنيابة الإدارة”، وقبل أن يجيب حيدر قدم لي الرئيس السماعة لأسمع بنفسي جواب الأستاذ. كان صوت حيدر يداعب الرئيس بقسوة: “ألا تعرف أن الأمر ليس بيدي ولا يدك، ضب حالك واسكت”.
سمعت ذلك، وناولت السماعة على التو للرئيس ليواصل مكالمته.
سألني الرئيس فيما بعد: وماذا قال لك؟
قلت ماكرًا: “قال لا مانع عندي، وأنا أشجع ذلك”.
قال منكرًا: بلا دواوين.
وقبيل انتهاء فترة رئاسة قريبي عينني نائبًا للمدير، قدّم لي رسالة التعيين، وهو يقول لي: “لن يهمني أحد” – قال ذلك وكأنه يجابه شخصًا معينًا، ثم أردف: “سيأتي الرئيس الجديد المنتخب، وسيكون أول عمل يقوم به هو فصلك عن نيابة الإدارة، لأنه سيُطلب منه ذلك”……. وهكذا كان.
– في أوائل السبعينيات استدعاني مرة موظف جديد في وزارة المعارف يدعى م. غولن. طلب مني الحضور إلى نتانيا لمقابلته في أمر هام. خلت أن الأمر حقًًا يتعلق بالنشاطات التربوية والتعليمية، فحملت الأمر على محمل الجد، وتيمنت خيرًا وسافرت.
أخذ هذا يحقق معي وسأل بحدة: لماذا تتطرق إلى السياسة في دروسك؟
– ولماذا تسألني ؟ ومن أنت؟
– أنا من الأمن وأعمل مباشرة مع مدير المعارف، ويهمنا أن يخلص المعلم في عمله ويبتعد عن السياسة، وإلا فإننا سنوقفه عن العمل.
– ظننت أنك استدعيتني لأمر تربوي، فإذا بك تخيب أملي، خسارة…..!
– هذا هو الأمر التربوي الأول والأخير.
– أنا آسف لحضوري، بل إني أطلب منك أن تدفعوا لي أجرة يوم العمل وأجرة الطريق. لقد خسرت يومًا. وما لبثت أن أدرت له ظهري. (فيما بعد تبين لي أنه كان قد استدعى الكاتب محمد علي طه وغيره، وقد لاقى منهم موقفًا حادًا وجادًا بيّن له أننا شببنا عن الطوق).
– في إحدى المسابقات حول الوظائف الشاغرة تقدمت بترشيح نفسي للعمل مديرًا للمدرسة الثانوية – وقد كان هذا حلمي-، وبينما كنت أنتظر مدير المعارف كوبيليفيتش، وأنا جالس أمام مكتبه وراء عمود يحجبه عني، فإذا بي أسمع حوارًا بين مدير المعارف ومندوب منظمة المعلمين الثانويين – طاليب.
قال طاليب: لنفسح المجال لفاروق، فهو مرشح لم يخض التجربة، فأجابه مدير المعارف: مستحيل. إن له ملفًا ضخمًا يحول دون ذلك. فقال طاليب (وهو من العفولة وكان يعرفني جيدًا):
أنا لا أعرف التطرف فيه. فأجابه المدير: هم أعرف منا.
– شكوت لصهر لي في قرية ميسر من هذا التنكر لي والوقوف حجر عثرة دون تقدمي، وكنت أطمح أن أكون مفتشًا للغة العربية، وكان ذلك أوائل الثمانينيات.
قال صهري: غدًا سيحضر إلى منزلي بعض رجال الأمن لتناول طعام الغداء، فهل لديك استعداد أن تعرض أمامهم طلبك.
قلت: لن أخسر شيئًا.
كان ثمة حديث صريح بيني وبين المسؤول الأمني عن المنطقة.
قال بصراحة: إذا ساعدتني ساعدتك، وهذه الوظيفة هي أقل ما يمكن أن تستحقــه.
– كيف سأساعدك؟
– لا أطلب منك أن تذكر لي ماذا قال هذا، وماذا قال ذاك، فهناك متطوعون لذلك.
– إذن، بماذا؟
– بتحليل ظواهر. ألست تقول إن هناك ضرورة للتعايش العادل بين العرب واليهود في إسرائيل، وبأن هناك ضرورة للمساواة.
– بلى.
– إذن سنلتقي كل خميس لنتداول شؤون الوسط العربي الذي تحرص أنت على أبنائه خوفًا من أن يقعوا في ما لا يحمد عقباه. هناك سيكون بيننا تعاون في البحث عن طرق المعالجة في أية مشكلة عارضة.
– ليس لدي وقت، وأنا لا أحسن تحليل الظواهر السياسية و..
– لا تتعب نفسك، فأنا أعرف أنك لن تقبل، لكني أود أن أذكر لك أمرين:
1- أن تتأكد أن ليست هناك أية وظيفة رسمية للعرب أو اليهود لا تتم موافقتنا عليها.
2- لقد وجدت لديك موقفًا ما، فنصيحتي ألا تتقدم لأية وظيفة رسمية شاغرة بعد اليوم دون أن تكون قد”خيطت” الموضوع.
قلت له مكابرًا: القانون يفرض عليك إذا كان لي حق، ولن أتردد في ترشيح نفسي لما أحب.
– أنت حر، ولكنك ستتذكر نصيحتي يوما ما.
ولم أقبل نصيحته، فقد تقدمت لعطاء وظيفة شاغرة – أن أكون معدًا لمناهج تعليمية معينة، وكنت يومها أحمل شهادة M. A، وإجازة التعليم معًا. ولكن لجنة العطاء اختارت مرشحًا آخر لم يكن قد حصل على الشهادة الأولى، بحجة أن له خبرة سابقة.
قلت في نفسي: لقد نصحني الرجل، فمنذ اليوم لن أتقدم إلى المحاكم، ولن أتقدم لأي عطاء أو وظيفة، فمن يحتاج إليك يبحث عنك.
وهكذا كان.
ويبقى السؤال: هل تغيرت هذه الأساليب، وإلى أي حد؟!!
……………………………………………………………..
(1)- بعد نشر هذه المادة أولاً في”الاتحاد” 24/11/2001 نشرت صحيفة”هآرتس” في 6/12/2001 اعترافًا أوليًا واضحًا أن نائب المسؤول عن التعليم العربي ي. كوهين هو رئيس لجنة التعيينات في جهاز التعليم العربي، وهو مندوب جهاز الأمن (الشاباك) في كل تعيين. وقد أثار هذا الخبر أو هذا الاعتراف أصداء واسعة.

ب. فاروق مواسي

faroq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة