جامعاتنا ومعضلة التنمية

تاريخ النشر: 28/08/14 | 11:40

أﹸولى الجامعات في العالم انشئت في الوطن العربي، فهذه جامعة القرويين في فاس التي انشئت عام 859 ميلادية وتلك جامعة الازهر التي انشئت عام 972 ميلادية بينما جاء انشاء اول جامعة اوروبية هي جامعة بولونيا في ايطاليا عام 1088 تبعتها جامعة باريس في فرنسا عام 1150 فجامعة اكسفورد عام 1167 ومع ذلك فلا يوجد اي جامعة عربية ضمن قائمة افضل مئة جامعة في العالم.
ولقد لعبت الجامعات بشكل عام دورا” اساسيا” في عملية التنمية في بلادها وفي العالم حيث لم يقتصر دور الجامعات وبشكل رئيسي في اوروباعلى اعداد الكوادر الفنية والادارية اللازمة لعمليات التنمية وادارة عجلة الاقتصاد بل كان لها دورا” اكثر اهمية في البحث العلمي وفي تطوير وانتاج المعرفة مما ساهم بشكل كبير في تسارع التنمية الصناعية والزراعية وفي التحول الديمقراطي المدني.
فالجامعات تعتبر المنتج الاساسي للمعرفة وتطبيقاتها وهي الركن الاساس في بناء الدولة العصرية التي تعتمد الفكر المستنير كما ان التعليم الجامعي بما يحققه من فرص لاكتساب المعرفة يلعب دورا” في خلق مناخات التغيير الاجتماعي وفي اكتساب المهارات وامتلاك التكنولوجيا ومتابعة تطورها.
ورغم الدور المميز التي لعبته الجامعات في الوطن العربي في منذ بدايات القرن الماضي وبشكل بارز في مصر والعراق ولبنان الا ان هذا الدور قد تقلص وتراجع بشكل ملحوظ في الربع الاخير من القرن الماضي ولا يزال التراجع مستمر وبتسارع ملحوظ، في نفس الوقت تلعب الجامعات في امريكا واوروبا واليابان والصين وغيرها من الدول التي سجلت معدلات تنمية متسارعة الدور الرئيس في انتاج المعرفة واستخداماتها في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية ولهذا نرى جامعات مثل هارفرد وييل وماساسوشيتس وكامبريدج وأكسفورد وكلية لندن الملكية والمعهد الفيدرالي التقني العالي في زيورخ، ومعهد لوزان وجامعات جنيف وزيورخ وبازل ولوزان وبرن وباقي الجامعات والمعاهد الأوروبية واليابانية والصينية تحتل المراتب المتقدمة في العالم قياسا” بما تلعبه من دور في التنمية وما تنتجه من علماء لهم مساهمات في انتاج المعرفة وتطويرها.
وياتي السؤال المعتاد دائما” وهو لماذا نتخلف عن اللحاق بركب الحضارة الانسانية وكنا في الماضي من روادها ولماذا تراجع دور جامعاتنا وهي الاقدم والاعرق؟ لماذا توقف دور جامعاتنا في انتاج المعرفة ونشرها في المجتمع ورفد المجتمع بالكفاءات العلمية والعقول المفكرة والمبدعة؟ الجواب معروف ولكننا دائما” نقترب منه باستحياء واحيانا” بخوف، فالجامعات حتى تلعب دورها المنشود تحتاج الى امكانات وموازنات فلا يعقل ان تبلغ ميزانية جامعة امريكية واحدة اكثر من مجموع ميزانيات الجامعات العربية مجتمعة كما ذكر العالم المصري احمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999.
وبالتأكيد ليس المال هو العائق والمانع الوحيد لتطور جامعاتنا العربية ولعب دورها المنوط بها في دفع عجلة التنمية رغم اهميته، بل ان هناك الاحتلال الاسرائيلي ودوره التخريبي المستمر في خلق وتغذية حالات عدم الاستقرار في الوطن العربي واستعمال وجود هذا الاحتلال من قبل الانظمة العربية كعامل قمع لشعوبها تحت شعار الاولوية للحشد لصراعنا مع العدو كما كان الشعار في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
ولا بد من التأكيد على دور الانظمة السياسية العربية في قمع الحريات الاكاديمية وفي تسيس الجامعات بل والسيطرة على اداراتها وربط التعينات والترقيات في الجامعات بالولاء للنظام الحاكم وعدم المحافظة على الكفاءات والعقول المفكرة بل ادت السياسات الرسمية والتدخل السافر للسياسيين في عمل وادارة الجامعات وعدم الشفافية في التعامل مع التعينات والترقيات وانعدام التحفيز المادي والمعنوي الى خلق الاحباطات التي ادت الى هجرة الاف الكوادر والكفاءات الاكاديمية المبدعة الى خارج الوطن العربي.
ومن الاسباب المهمة ايضا” لتراجع دور الجامعات وتخلفها عن القيام بدورها في عملية التنمية هو اهمال دور الجامعات في الوطن العربي بالعملية الانتاجية وتطوير الصناعة والزراعة من خلال البحث العلمي ومحدودية الانفاق عليه او ندرته كما ادت الزيادة الكبيرة والسريعة في اعدادها الى تدني مستوى التعليم فيها فلم يكن من المنطقي او الصحي ان يتضاعف عدد الجامعات في الوطن العربي خلال اقل من ربع قرن حوالي ستة مرات ليصل عدد الان ما يقارب من 250 جامعة بينما كانت لا تزيد في تمانينيات القرن الماضي على ثلاثين جامعة.
واذا كانت هناك جدية في ان تنهض الشعوب العربية وتجد دورها اللائق في مسيرة التنمية الانسانية فلا بد من اعادة الاعتبار للجامعات العربية واطلاق الحريات فيها وتمويلها بشكل لائق ورفع يد الوصاية والهيمنة عليها وابعادها عن مصالح السياسة والسياسيين ورفدها بالطلبة الجيدين من خلال رفع سوية التعليم ما قبل الجامعي وتغيير المناهج الدراسية واساليب التعليم التلقيني حتى نخلق جيلا” يفكر ويحلل ويناقش ويقرر ويبدع.
إن ربط فلسفة التعليم في كل مراحلة وعلى الاخص في مرحلة التعليم الجامعي بالمفهوم الشامل للتنمية ومنح الجامعات الاستقلالية المالية والادارية المطلقة هي الطريق الاوحد نحو تمكين الجامعات في الوطن العربي من استعادة الروح التي انطلقت بها ولعب دورها في دفع عجلة التنمية وتحقيق طموحات الانسان العربي الذي اصبح عاجزا” وغريبا” في وطنه بسبب التخلف الاقتصادي والاجتماعي والفقر والبطالة التي تسحق اكثر من نصف القوى المنتجة من الشباب العربي.

د. فتحي ابومغلي

dr.ft7em8le

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة