أغرب قضية في التاريخ: هذا هو الإسلام بقلم المربي محمد حبايب

تاريخ النشر: 23/08/14 | 10:32

نعم إنها قصة قضية حقيقية أغرب من الخيال، لم يكن لها مثيلاً في التاريخ، وأظنه لن يكون، حين قال القاضي المسلم لقائد جيوش المسلمين: يا قتيبة لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً، ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل….

وأصدر القاضي المسلم حكمه على قائد جيوش المسلمين: قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك بدعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب……
لله دركم يا من عرفتم العدل والحق وأقمتموه على أنفسكم وفي ساعة الحرب…..

اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين، اللهم وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل واجعلنا للمتقين إماما.
والقصة تدور حول فتح سمرقند وما حدث بعد ذلك، وسنأتي على ذكرها كاملة، فصبراً جميلاً والله المستعان.

1

لكنني قبل ذلك أريد أن أرسل صرخة مدوية ليسمعها المسلمين وغير المسلمين أوجهها الى هؤلاء القتلة المجرمين الذين يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ، والرجال العزل الذين ليسو معهم في حرب، هؤلاء السفاحين المجرمين الذين مردوا على سفك وإراقة الدماء البريئة كل يوم حتى أصبح يجري شلالاً من الدماء الزكية الطاهرة، من المسلمين ومن غير المسلمين، ناهيك عن أشكال التنكيل والتمثيل المفزعة المقززة من الذبح وقطع الرؤوس والتميل بالأحشاء، مدعين زوراً وبهتانا وظلماً وعدواناً وجوراً،ً بأن هذا باسم الاسلام ودفاعاً عن الاسلام وإحقاقاً لشريعة الاسلام!!!…
ويلكم، فالظلم ظلمات يوم القيامة، وكيف ستحملون وزر كل هذه الدماء التي أرقتموها؟
آآآلله أمركم بهذا أم على الله تفترون؟؟؟
أتقتلون العشرات والمئات وتذبحون وتسلخون وتقطعون الرؤوس وتمعنون في التمثيل والتنكيل بالجثث والأحشاء ثم تدعون بأن هذا دين الله ورسوله؟؟؟
ويلكم، فإن ما تفعلونه يغضب الله فلا تفتروا على الله كذباً، ولا تفتروا على الله ودينه ورسوله ما هم براء منه براءة الذئب من دم يوسف..
وقد قال تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام: “قَالَ لَهُمْ مُوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ”، وان كان هذا الوعيد بالعذاب على السحر وحده، فكيف بكم وقد اقترفتم أعمالاً هي رجز من عمل الشيطان، فهل أنتم منتهون؟؟؟ فاتقوا الله! ألا تخافون الله؟
فالله لم يأمر بهذا، وحاشا له ان يفعل، ولم يأمر بذلك رسوله وحاشا له ان يفعل، ولم يأمر بذلك كتابه….!!!
لقد شوهتم صورة الاسلام، وظلمتم الاسلام وأهله ظلماً شديداً، فمسكين هذا الدين الذي اقترفتم جميع هذه المجازر باسمه، وان ما تفعلونه لمن دواعي النفور من الدين وليس اعتناقه، وان كنتم حقاً تطمعون في دخول غير المسلمين الاسلام فافعلوا ما فعله المسلمون في هذه القصة ولتكن لكم قدوة وعبرة، لكم ولغبركم، فاعتبروا يا أولي الألباب.

فديننا الإسلام الحنيف ليس بدين تكفير، وبالتأكيد فهو ليس بدين سفاك للدماء ولا يدعو الى ذلك، ومن قال أو ادعى غير ذلك فقد ضل سواء السبيل، وافترى الكذب على الله ورسوله وكتابه، إنما هو دين رحمة وتراحم ورأفة وتسامح وتاريخنا يشهد بذلك.
ووقائع القضية التي بين أيدينا تشهد للمسلمين بذلك، عندما فتح المسلمون سمرقند…!!!

وانظروا الى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوصياته لجيوش المسلمين:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشًا قال: «انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخاً فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين».

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيرًا ولا مريضًا ولا راهبًا وَلا عابداً مُنْعَزِلاً بِصَوْمَعَته ولا تقطعوا مثمرًا ولا تخربوا عامرًا ولا تذبحوا بعيرًا ولا بقرة إلا لمأكل ولا تغرقوا نحلاً ولا تحرقوه.
وأمر بعدم قتال من التجأ إلى بيته أو أدبر من جيش العدو: فإن رسول الله قد قال :”ومن جلس خلف باب بيته فلهم الأمان جميعا”.

وأمر رسول الله بعدم الغدر: فكان يوَدِّع السرايا موصِيًا إياهم: “…وَلاَ ‏تَغْدِرُوا…” ولم تكن هذه الوصية في معاملات المسلمين مع إخوانهم المسلمين، بل كانت مع عدوٍّ يكيد لهم، ويجمع لهم، وهم ذاهبون لحربه! وقد وصلت أهمية هذا الأمر عند رسول الله أنه تبرَّأ من الغادرين، ولو كانوا مسلمين، ولو كان المغدورُ به كافرًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَمَّن رَجُلاً عَلَى دَمّهِ فَقَتَلَهُ، فَأنَا بَرِيءٌ مِنَ القَاتِل، وَإِنْ كَانَ المَقْتُولُ كَافِرًا”.

ولقد حبا الله الاسلام والمسلمين بالعمرين رضي الله عنهما بعدلهما الذي عرفه وسمع به القاصي والداني، عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.
وظن الناس ممن عاصروا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه القمة في العدل ولن يكون له مثيلاً، خاصة ونحن نتذكر قصة مندوب كسرى، ملك الفرس، الذي قدم الى المدينة المنورة لمقابلة ملك العرب، فوجد سيدنا عمر رضي الله عنه، نائما تحت ظل شجرة، وليس في قصر منيف، وبدون حرس يحميه، فأبدى تعجبه فقال قولته الشهيرة التي أصبحت مثلاً وهي: “لله درك يا عمر، حكمت فعدلت، فأمنت فنمت، يا عمر”.
وبعد عشرات السنين وقي زمن الأمويين، يأتي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ليضاهي بن الخطاب في عدله، وبزمنه حدثت هذه القصة التي نحن بصددها.

2

وسمرقند من المدن المهمة التي فتحها العرب على يد القائد قتيبة بن مسلم الباهلي في العهد الأموي سنة 92هـ/710م. وسكانها حاليا حوالي نصف مليون. وهي مدينة في أوزبكستان وتعتبر ثاني أكبر مدن أوزباكستان، التي أصبحت فيما بعد تابعة للإتحاد السوفييتي إلى أن تفكك سنة 1992.

وكان ذلك في زمن خلافة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، وكان قتيبة بن مسلم الباهلي قائد الجيش يفتح المدن والقرى ينشر دين الله في الأرض، وفتح الله على يديه مدينة سمرقند، وسكنوها واستتب لهم الأمر فيها.
لكنه خالف النهج الإسلامي وافتتحها بدون أن يدعوَ أهلها للإسلام أو الجزية، ثم يمهلهم ثلاثة أيام كعادة المسلمين، وإن لم يستجيبوا يبدأ بالقتال.
فلما علم أهل سمرقند بأن هذا الأمر مخالف للإسلام كتب كهنتها رسالة إلى “سلطان” المسلمين في ذلك الوقت وهو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وأرسلوا بهذه الرسالة مع رجل من أهل سمرقند، ويقول هذا الرسول كما يروي القصة بلسانه:
أخذت أتنقّل من بلد إلى بلد أشهراً حتى وصلت إلى دمشق دار الخلافة، فلما وصلت أخذت أتنقل في أحيائها وأُحدِّث نفسي بأن أسأل عن دار “السلطان”، وخفت ان يتم قتلي إن نطقت باسم “السلطان”، فلما رأيت أعظم بناءٍ في المدينة، دخلت إليه وإذا بأناس يدخلون ويخرجون ويركعون ويسجدون، فقلت لأحدهم أهذه دار السلطان؟
قال: لا ، بل هذا هو المسجد.
قال: هل صليت؟ قلت: وماذا يعني صليت؟ ، قال: وما دينك؟
قلت: على دين أهل سمرقند، فجعل يحدثني عن الإسلام حتى اعتنقته وشهدت الشهادتين، ثم قلت له: أنا رجل غريب أريد “السلطان” دلّني عليه يرحمك الله؟
قال أتعني أمير المؤمنين؟ قلت: نعم.
قال: اسلك ذلك الطريق حتى تصل إلى تلك الدار وأشار إلى دار من طين.
فقلت: أتهزأ بي؟
قال: لا ولكن اسلك هذا الطريق فتلك دار أمير المؤمنين إن كنت تريده.
قال: فذهبت واقتربت وإذا برجل يأخذ طيناً ويسدّ به ثُلمة (خرق، تقشر في الطين) في جدار الدار وامرأة تناوله الطين.
قال: فرجعت إلى الذي دلّني وقلت: أسألك عن دار أمير المؤمنين وتدلّني على طيّان! فقال: هو ذاك أمير المؤمنين.
قال: فعدت وطرقت الباب، فذهبت المرأة وخرج الرجل فسلّم علي ورحّب بي وغسل يديه، وقال: ما تريد؟ قلت: هذه رسالة من كهنة سمرقند، فقرأها ثم قلبها فكتب على ظهرها، (من عبد الله، عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضياً ينظر فيما ذكروا)، ثم ختمها وناولني إياها.
فانطلقت أقول: فلولا أني خشيت أن يكذبني أهل سمرقند لألقيتها في الطريق، ماذا تفعل هذه الورقة وهذه الكلمات في إخراج هذه الجيوش العرمرم وذلك القائد الذي دوّخ شرق الأرض برمتها، وهو حاكم سمرقند وحاكم قضاتها.
قال: وعدت بفضل الله مسلماً كلما دخلت بلداً صليت بمسجده وأكرمني أهله، فلما وصلت إلى سمرقند وقرأ الكهنة الرسالة أظلمت عليهم الأرض وضاقت عليهم بما رحبت، ذهبوا بها إلى عامل عمر على سمرقند وهو قائد الجيش بنفسه، فنصّب لهم القاضي “جُمَيْع بن حاضر الباجي” لينظر في شكواهم.

ثم اجتمعوا في يوم ونادى الغلام: يا قتيبة (هكذا بلا لقب) فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُميْع.
ثم قال القاضي: ما دعواك يا سمرقندي؟ قال : إجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا كمنهج المسلمين في الفتوحات حتى ننظر في أمرنا..
التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة؟
قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية…
قال القاضي: يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ قال قتيبة : لا إنما باغتناهم كما ذكرت لك…
قال القاضي: أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة….
وأردف قائلاً: يا قتيبة لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً، ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل.

ثم قال : قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك!!

لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه، فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعورا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا فقيل لهم لقد تم تنفيذ الحكم كله حالاً،َ وأنَّ الجيش قد انسحب، في مشهدٍ مهيب تتقلب فيه القلوب والأبصار وتقشعر له الأنفس قبل الجلود…

وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين خارج المدينة، وهم يرددون في صوت اهتزت له المدينة بأسرها شهادة “أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله”..

فاستقبلهم قتيبة، بابتسامة عريضة، فهم اليوم اخوة في الاسلام وبالامس كانوا متخاصمين امام القاضي.
فيا لله ما أعظمها من قصة، وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق،
وما اعظم تاريخنا، وما صنعناه من تاريخ يشرفنا جميعا وما أغرب وأعظم هؤلاء الذين صنعوا هذا التاريخ بعدلهم وليس بسيفهم.
فالجيش الاسلامي، يفتح مدينة ويستولي عليها، ثم يشتكي اهل المدينة، الي حاكم الدولة المنتصرة، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر المنتصر بالخروج.

فهل علمتم شبيهاً لهذا الموقف في أمة من الأمم؟؟؟.

هذا هو الإسلام……..

فهلا فتحتم أعينكم جيداً لكي ترون المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ” لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”،
فاعتبروا يا أولي الألباب والأبصار، وهلا انتهجتم نهج هؤلاء الأبرار يا من تدعون نصرة الإسلام والدفاع عنه، لكنكم تسيئون للإسلام بأفعالكم التي لا يقرها الإسلام ولا ولم يعرفها،أعمالاً يندى لها الجبين لشدة بشاعتها، بجميع ما اقترفتموه من القتل والتنكيل والتمثيل المفزعة المقززة من الذبح والنحر وقطع الرؤوس والتمثيل بالأحشاء، الله ودينه ورسوله بريئون من كل هذا.
أسألكم بالله الذي أنتم به مؤمنين ما هذا؟ أتذبحون دجاجاً أم نعاجاً؟
فكفوا كفوا كفوا عن سفك وإراقة الدماء يرحمكم الله، وعن جميع هذه الجرائم البشعة ان كنتم مؤمنين، وهدانا الله وهداكم الى الحق المبين ان كنتم مسلمين.

بقلم المربي: محمد حبايب، أبو شادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة