البَشَائِرُ الغَزْيَّةُ مِنْ الآياتِ القُرْآنِيّةِ

تاريخ النشر: 20/08/14 | 14:44

شرعت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة تنقل وتتحدث عن ميزان الربح والخسارة، وعن النصر والهزيمة، والقوة الرادعة ومن القاهر والمقهور، ومن الغالب والمغلوب. وأخذ المحللون والمحررون والشخصيات الرسمية والخبراء والقادة يصرخون ويحللون كل من موقعه، ووفق رؤيته ومصلحته، وحسب نظرته وشخصيته، ومن أية زاوية يريد، حتى أصبح إجماعٌ بينهم من حيث لا يدرون، واتفاق من حيث لا يشعرون، وكلمتهم واحدة، وتصريحهم موحّد، والنتيجة مشتركة أن الخاسر الأكبر هو العدوان على غزة، والحرب على الشعب الأعزل.
وستجد المعنى المقصود من خلال البشائر الغزّية حدّدت الكسبان من الربحان، والفرحان من الحزين، وصاحب اللطم من صاحب اللجم، والعبوس القمطرير من الصدّيق النحرير، وأصحاب الوجوه النضرة من أصحاب الوجوه الباسرة التي عليها غبرة وصدمة ولطمة وحسرة وندامة.

البشارة الثالثة
أجد هذه الآية الكريمة من المبشرات القرآنية التي تبشر أصحاب القلوب المؤمنة، الناظرة لوجه الحقيقة بميزان أن العاقبة للمتقين والغلبة للمرابطين بعد كيدهم وتخطيطهم وجهودهم، هذه البشرى في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)”.
هذه بشرى لأهل الإيمان والحق، ووعيد لأهل الكفر والباطل، هذا ميزان المعركة، وهذه نتيجة العدوان. فهي آية عامة وإن كان سبب نزولها خاصّا حيث نزلت في أبي سفيان ونفقته الأموال في أحُد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اشتملت الآية على تهديدات واضحة في الدنيا وفي الآخرة؛ أما في الدنيا فإنفاق المال للصد عن سبيل الله، وأنه سيكون على صاحبه حسرة ثم يغلب، ثم إلى جهنم يحشر. وهذا وعد رباني بإحباط كيد الكافرين ومكرهم بالإسلام، “ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله”،هذه الميزانيات والدولارات والأموال ستعود على صاحبها وجامعها ومنفقها وممّولها والمتصدق بها حسرة بل حسرات، وندامة وخذلان، وخزيا وبوارا وهزيمة وذلا، وسوءًا وشرا، وصدمة بل صدمات، ودمارا وهلاكا، جفاءً وعذابا، وستكون حسرة على المعتدين وبشرى للصابرين، وندامة للظالمين وبشرى للمظلومين، وخزيا للمنفقين أموالهم لقتل الأبرياء وهدم المساجد، وقصف المدارس وتدمير المصانع وغلبة للأحرار الأتقياء المرابطين من أهل الفطنة واليقظة والثبات.

يقول سيد قطب في تفسير هذا الوعد وهذه البشرى: (إنه الأسلوب التقليدي لأعداء هذا الدين، إنهم ينفقون أموالهم، ويبذلون جهودهم، ويستنفدون كيدهم في حرب العصبة المسلمة، ولن يتركوا أولياء هذا الدين في مأمن، سينفقون أموالهم وستعود بالحسرة، وينتصر الحق، ويظهر الصامدون الصابرون الذين يستحقون نصر الله). أرادوا الاستعلاء والعلو فكان السقوط عليهم حسرة، وطمعوا بالكبرياء والغطرسة فكان الانحطاط والإحباط حظهم، واستعدوا بالنخبة التي لا تقهر فبرز القهر والذل والهزيمة في الشجاعية وبيت حانون وغيرها، وخططوا للربح والنصر والجرف الصامد فخسروا أنفسهم وأموالهم وسُمعتهم وأسطورتهم وشهرتهم فانطبق عليهم المثل “جاجة حفرت عَ راسها عفرت”، وتبخرت الأوهام وذهبت الأحلام، والحقيقة تقول “ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون”. وحتى تظهر الحسرة على صاحبها تحتاج وقتا من أيام، فيذوق الصدمة ويستغرق بالتفكير ويضرب يمينا وشمالا، ويبحث عن منقذ ومغيث فيأتيه الجواب: “ثمّ يُغلبون”.

ولا يخفى على أحد ما نشرته وسائل الإعلام العبرية عن الخسائر (الحسرات) بعد ثلاثين يوما من العدوان على غزة. وجاء ذلك على لسان خبراء اقتصاديين ومحللين سياسيين أن الميزانيات التي صرفت وأنفقت، والجهود التي بذلت، والأموال التي جمعت، والتبرعات التي جلبت، ما عادت إلا بالحسرة والصدمة.
ومن الحسرات واللعنات بسبب العدوان على غزة ما ورد في صحيفة “معاريف” في أحد أعدادها على لسان ضابط إسرائيلي رفيع المستوى حيث قال: (إن الخسائر اللوجستية التي تكبدها الجيش خلال “الجرف الصامد” بلغت 15 مليون شيكل للغذاء والعتاد فقط، ووصلت التكلفة الإجمالية إلى 420 مليون شيكل). فماذا جلبت الملايين سوى القهر والظلم والقتل والحسرة؟

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” خلال تقريرها أن الضرر الذي لحق بالإنتاج المحلي جراء (العدوان على غزة) (وصل 45 مليار شيكل، وقدرت سلطة الضرائب قيمة الضرر على الخزينة بمليار شيكل). هذه نتيجة مكرهم وظلمهم وعدوانهم وحسرتهم.

ومن الحسرات الواقعة بسبب (العدوان على غزة) الحسرة السياحية حيث نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الضرر الذي لحق بالقطاع السياحي بلغ أوجه، حيث ألغي 50% من رحلات السياح الأوروبيين، الذين كان من المفترض أن يزودوا البلاد خلال النصف الثاني من هذا العام. وقال “عوديد جروفمان” نائب المدير العام لمنظمي السياحة الوافدة إن نحو 300 ألف سائح ألغوا حجوزاتهم، ناهيك عن الضرر الذي لحق بقطاع الفنادق، حيث وصلت خسائرها حتى الآن 1.3 مليار شيكل. أما قطاع الطيران فقدرت خسائره (حسراته) بمئات الملايين، حيث شهد أشد الأزمات في تاريخه وفي دورة موسم الصيف السياحي. وحسب صحيفة “مجيفون” فإن الخسائر بلغت ما يقارب 680 مليون شيكل، وحجم خسائر الطيران تقدر بأكثر من 65 مليون شيكل…. هكذا جنت براقش على نفسها، وذلك بما كسبت أيديكم وخططت عقولكم وهندسَ خبراؤكم، وما جنوا إلا الخسائر والحسرات. ومن الحسرات الواقعة بسبب العدوان على غزة الحسرة الصناعية، حيث ذكرت صحيفة (إسرائيل اليوم) أن الخسائر بلغت في الجنوب 470 مليون شيكل في القطاع العقاري، وذكرت صحيفة (كول حاي) بعد بحث أجري على نحو 100 مصنع أن الخسائر بلغت 40% في الجنوب و50% في الوسط.

ومن الحسرات الواقعة بسبب العدوان على غزة الحسرة الصحية التي تمثلت في خسائر وحسرات على صعيد تقليص الإيرادات أو زيادة النفقات. وحسب تقديرات مسؤولين رسميين فإن الأضرار ستتراوح بين 170 مليونا إلى 200 مليون شيكل. ومن الحسرات الواقعة على غزة الحسرة الفنية حسبما ذكرت ذلك صحيفة “معاريف” في تقرير مفصل، حيث ألغيت عدة عروض لنجوم عالميين كالمهرجانات والحفلات والمسرحيات، بعد الكثير من التجهيزات. وعبّر الكثير من الفنانين والنجوم تضامنهم مع غزة وإدانة العدوان (فانقلب السحر على الساحر). فقد كتب الممثل الأمريكي “روب شنايدر”: (هذا هو اليوم الأكثر دمارا في الحصار غير الإنساني على غزة). وقالت “روزي أودنيل”: (هذا ليس أقل من مذبحة، مذبحة مع سبق الإصرار). ووصف المؤلف الإسباني “بيدرو المورباد” العدوان على غزة (بالإبادة الجماعية). هذه المواقف الفنية والإعلامية تشكل صفعة وحسرة على وجوه المعتدين الظالمين، وهذه التصريحات من أحرار العالم الذين يعرفون قيمة للإنسانية والرافضين للرقص على جرح الإنسانية يشكل لطمة في وجوه من يدّعون الحرية.
ومن الحسرات الواقعة بسبب العدوان على غزة ما قاله “يهودا شاروني” الخبير الاقتصادي في صحيفة “معاريف”: (إن هناك عدم ثقة الآن في الاقتصاد الإسرائيلي)، وما قاله المحلل الإسرائيلي “إليكس فيشمان”: (دفعتنا غزة لنقعد على ركبتينا)، وما قاله الدكتور “بدنير”: (إن الصدمة النفسية التي يعاني منها المصابون كبيرة جدا، ونحن بحاجة إلى طواقم وأطباء نفسيين). هذه حسرة نفسية وصدمة داخلية تسلب النوم من العيون، وتقذف الرعب في القلوب، وتجعل ليل أصحابها نهارا، ونهارهم نارا، فالصدمة جندي من جنود الله، والغباء والحسرة والخزي جنود من جند الله (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ).

هي حسرات متنوعة داخلية وخارجية، سياسية واجتماعية واقتصادية على المعتدين والظالمين…. وبعدها يكتب الله الغلبة للمرابطين، والتمكين لأهل الحق، والانتصار لأهل غزة؛ (كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي).. (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رمَى)، فالعاقبة للمتقين الصابرين الصامدين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

الشيخ محمود اغبارية – رئيس لجنة نشر الدعوة القطرية

m7modeghbarih

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة