د. سامي ادريس: مدخل الى عالم روان أرشيد

تاريخ النشر: 02/02/12 | 6:21

لقد شعرتُ وأنا أدخل مدونة روان أرشيد الساحرة، أنني أدخل ديرأ سحرياً تحيط به الأشجار الباسقة وترفرف في أرجائه طيور ملونة، يكاد صمته يتكلم لولا هذا الصوت المنبعث من النواقيس الملائكية ، ديراً يسكنه العشاق لا الرهبان وتسكنه القلوب المعذبة، التي رحلت عن حياة البشر لتأتلف وحياة الطيور والأزهار وصهيل الفرس القادم من خلف التلال، وصوت قرقرة حجلة قادم من ربيع الجبال العسجدية، ودعاء كروان مؤمن يشكر نعمة الله في تلك الحقول . فعلمت أن الطبيعة قد أكرمتني أيما إكرام بأن افتتحت أمامي هذا الدير العابق بالسحر على مصراعية.

تُعرّف روان نفسها فتقول:

أنثى لا تعرِف البحر وَلا الى أينَ تذهَب الشَمس عِند المغيب ..

أنثى يَجتاحَها صَمتٌ مُرعِب ..

أنثى نَسيها الماضي وَالتاريخ وتُحاوِل جَمعهُما حَتى لَو كَلَّف هذا الكثير ..

أنثى تَغوص لِوحدها في قَعر البحر ولا تُريد أحدٌ لِيُنجيها مِن عُقدة الغَرق ..

وأقول بكل حب وصراحة إنني في بحثي في هذه المدونة العامرة بالفيروز والمرجان وقماقم سليمان ، عثرت على عدد من العاشقين لشعر هذه الأنثى وللأنثى نفسها. الأمر الذي جعلهم يتساءلون عن النبأ العظيم في شعرها وكيف فاقت وتجاوزت حاجز احتكار الرجل لشعر العشق والبوح، وأصبحت رمزاً لهذا الشعر النسائي الراقي الذي تتغنى به بأصوات مطربة شجية الألحان.

وأقتبس لكم قولاً جريئاً لروان ارشيد: من قصيدة : ( حبكَ ككؤوس خمر تسكرني)

أنحنُ سُكارى في شِعركَ يا سيّدي

أنحن محاجرٌ بلا عيون

أنحن متعلمون بلا قضية

أنحن مثقفون جبناء

الشعر قدرها وليس اختيارها ، فتقول:

دعني أجرّب جميع الألوان

وأغري الحَجرْ

والأرضْ والأكوانْ

وأزِدهُما جُرعةً من الإدمان

ومن آرائها:

” …ليس كلُ من ادعى الحب يكون صادقًا فيما يقول تسلط الحب أصفهُ كتسلط شياطين الجن على المسلمين. المحبة الحقيقية كما وصفوها هي ميلٌ دائم في جميع نواحي القلب الهائم، وهي إيثار المحبوب على جميع المصخوب، وهي موافقة الحبيب في المشهد والمغِيب، وهي مواطأة القلب لمرادات المحبوب، وهي سقوط كل محبّة من القلب إلّا محبة الحبيب، وهي الدخول تحت رق المحبوب وعبوديته”.

:”من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته”. هناكّ البعض الّذين لم يعلمون بعد أنّ الإسلام أباح للشّخص أن يأكل من طعام صديقه كما يأكل من طعام والديه وإخوته والأقربين منه”.

فشرعت أبحث في جنبات هذا البناء الشامخ فعثرت على قصيدة تحت عنوان:

الاستقالة عنواني:

هي قصيدة النجمة الساطعة والعين العاشقة روان أرشيد، التي لم تأخذ حقها من النقد الأدبي المحلي، والتي تشكل منعطفاً حادّاً في قصة الأحزان. ويأتيني هذا الصوت الحالم من الفتاة التي تلقي القصيدة، فتضفي على هذا لشعر أمواجاً عاشقة تروح وتجيء في حبٍ وثورة وخضوع وعصيان. وكم وددتُ يا روان لو تكون بصوتكِ أنتِ أيتها الشاعرة المجربة المعانية التي نحتت آلام الزمن وعثراته حروفاً ونقوشاً حادة على وجه حياتها، وأبقت على صمودها أمام الزلازل والعواصف الهوجاء ، كزهرة نرجس تطل علينا بعد البرد والصقيع باسمة نافحةً أريجها وطيبها الساحر. وأذكر أنني قرأت لك هذه القصيدة سابقاً ، لكن هذا لا يمنع من شربها مراراً وتكراراً فكلما عتقت زادت لذتها، وطابت مسامرتها ، والابحار نحو شاطئها النائي، حيث تقولين:

لَقَدْ أَحْبَبتُكَ حَتّى أَحْرَقَ الحُبُّ حالي

وَلَسْتُ أَدري أيَّانَ أَمضي

بَحرٌ أَمامي، وَبَحرٌ وَرائي

وتشرعين في قصة الألم بقولك:

جاءَ رَجُلٌ في غيرِ أوانهِ لِعالمي

جاءَ بَعدَ خسارةٍ لحبّهِ الفاني

ثم تعبرين عن ألمكِ الدفين، وقصة الشك القاتل حيث تقولين:

أَتَسْتَطيعُ أَنْ تَقشَعَ ظَلامَ الشّكِ عَنْ قَلْبي

لأُبْصِرَ غَدًا دَرْبي

لقد أحسنت اختيار نهاية موفقة للقصيدة، نهاية فيها التفاؤل والانطلاق الى عوالم الحب اللامتناهي، حيث تشقين درباً جديداً للحب الجديد. فهنيئاً لك هذا الأمل وهذه الإشراقات والتطلعات النورانية الخلاّقة.

وَلَسَوفَ أَحْيا في بُعادِكَ عَنّي

وَلَن يُصْبِحَ حُبُّكَ بَعدَ الآنَ يَحتَويني

سَأَمْضي

وَبَعدَ الآنْ لَنْ أُبالي

نعم ستمضين وستجدين في هذا العالم من ينتظرك، أو من كان يبحث عنك بفارغ الصبر

وقد قال الشاعر:

وقد يلتقي الشتيتانِ بعدما يظنانِ كلَّ الظنِّ ألاّ تلاقيا

وقد شابه هذا الأمل الذي في قصيدتك قصيدة تغنيها فيروز تحت عنوان : ” سوف أحيا”

لم لا أحيا وظل الورد يحيا في الشفاه

ونشيد البـلـبـل الشـــــــادي حياة لهواه

لم لا أحيا وفي قلبى وفي عيني الحياه

سوف أحيا .. ســوف أحيا

قصيدة لقدومه سحرٌ لا يُقاوم

ولكن روان أرشيد تقول في قصيدة لقدومه سحرٌ لا يُقاوم شيئاً أخر ، حين لا تستطيع الوقوف أمام شوقها لحبيبها

ذُقتُ مِن جَميع الكُؤوس

……..

أبحَثُ عَن قِصَصي المُفزعه

فَقَد فاضَ خاطِري

وَجَفَّ مَدادي

وَأَصبَحَت الأفكار مُتَلَجلِجَةً بِصَدري

وَإذ بِهِ هَرِعَ إلى المَكان

يُنجِدني

فَلِقُدومهِ سِحرٌ لا يُقاوَم

وكأني بها تقول كلمات الأغنية : ما أحلى الرجوع إليه؟! فترجع لتعيد قصة سيزيف الذي يحمل الصخرة الى أعلى الجبل فتسقط منه ثم يظل يصعد بها وتهوي الى الأبد.

وتقولين في قصيدة مطولة غاية في الجمال والعذوبة

لا تَقُل بأنّني لا أهوى الخُضوع

ولا تَقُل بأنّني ثَورية أو مُتمردة

على جميع ممالك العِشق

دَعني أتمرد وأُحدد طرف عَينيك

دَعني أتمرد على أنغام الصَّمت

وَعلى وَصمة جَبينك

دَعني أصرُخ وَأثور

ولا تقُل لي قِفي

دَعني ألبس ما لديّ

دعني أجرّب جميع الألوان

وأغري الحَجرْ

والأرضْ والأكوانْ

وأزِدهُما جُرعةً من الإدمان

رحلة البحث عن الايمان

مثلها كمثل كثير من الشعراء المبدعين تنتابهم حالات الشك والتساؤل، ويهتدون الى الأسئلة التي لا تخطر بذهن الانسان العادي . إنها لا تعرف المصير والمستقبل القريب وكيف ستقضي ليلتها القادمة:

لو كنتُ أعرف كيفَ سأقضي ليلتي

لما بحثتُ بين ثنايا الحديث عن قَهوةٍ وَدُخان

ولمَا جنَّ الظَلام وقُدِحَت بِيَدي الصّوان

تقول الشاعرة في قصيدة: ” لو كنت أعرف ما أريد”

لَو كنتُ أعرف كيف يكون الإدمان

لَما بحثتُ عنهُ بينَ السُطور المحترقة

بَين الأحرف والكلمات

بين رَسائل قديمة

بَين النُجوم والكَواكِب

في زوايا الذاكِرة

في البَراعم الزَّهرِية

في النباتات المعمرّة

في الزمن المُحترق

في سُطور الكُحل

في الأرصِفة

وورق النِسيان

بينَ الموج والغُروب

وبينَ اللّيل والنَهار

وإذا رجعنا الى آخر قصيدة نشرت في موقع بقجة: ( فلسفة حب مقيتة)، اهتدينا الى مواطن السحر والجمال في شعر روان ارشيد:

وَمِن مُقلَتيهِ أَسْقاني زَهْرَ اللَّوزِ ..

وَمِنْ أنْفاسِهِ الدافِئَه احتَرَقَتْ وجنتايَّ باللَّهيبْ ..

وَفَوقَ رُموشِ عَينيهِ أمْطَرَتْ أشلاءُ عِطرٍ ..

وَقَبَلتهُ تِسعًا وَتِسعينَ قُبلَه حَتى سَكِرتُ صمتًا وَحُبًا من ريقِهِ كَما سَكِرَتْ الأناقةُ وَالعُطورْ مِن رِضابِ ثَغرِه ..

وتَجَمّدَ فَوقَهُ السُّكر ..

أعود لاكرر ما قلته سابقاً : ما أجمل المبالغة هنا. إن القصيدة تبدو كحلم مسحور مشحونة بالبخور والأفاوية الزكية. وهكذا كل قصائدك.

فتحية لك من قلب شاعر عتيق معتق، ساحر مسحور ومسكون بشعرك.

اقرأ المزيد في موقع بقجة للشاعرة رَوان إرشيد – النّاصِرة

فَلسَفَةُ حُبٍّ مَقيتَه

الإستقالةَ عُنواني

نقد وتحليل لقصيدة الإستقالة عنواني للشاعر احمد سلامه

جُرح في عُنق النّسيان..

رَثاء أميـــر…

دُموع الصَّمت

‫10 تعليقات

  1. إن من أراد العوم في محيط العلم العميق ليصطاد الياقوت والمرجان ما عليه إلا أن يبحر ويعوم في محيط د. سامي إدريس , فلديه كنز أدبي لا نعلم كنهه إلا إذا تعمقنا بتدبر كلماته واغترفنا من موسوعة علمه ما يبل عروقنا ويطفئ ظمأنا .
    حقا يا دكتور , فليس بمقدوري أن أصف لك مدى الفائدة التي نكتسبها من بحر علمكم الذي هو البحر الوحيد الذي من يعم فيه يتلذذ بالعوم وينجو وبعكس الأبحر الأخرى التي نعلمها .
    روان إرشيد تستحق هذا الإهتمام من حضرتكم لأنها أهل لذلك والنفع للجميع .
    لك مني كل تحية وتقدير سائلا المولى القدير أن يتم نعمته عليك وعائلتك وكل محبيك

  2. الحبيب أبا فريد أثلج صدري أنك نشطت في التعليق على المواد المنشورة في بقجة،كما ويسعدني تعليقك وايمانك القوي بقدراتي الأدبية. وأنا بدوري أقول لك بكل تواضع هذا غيض من فيض لو قارنت نفسي بنقاد شامخي القامات أمثال رجاء النقاش أو محمد مندور، أو مارون عبود الذي إذا نظرت اليه على صفحة كتبة عرفت مع من وقعت، وتسلحت بأدوات الغوص حتى لا تغرق.
    روان ارشيد عالم واسع وتاريخ يستحق منا الوقوف والدخول الى ديرها.

  3. د. سامي إدريس الطّيّب:
    مساؤُكَ طُهر…
    حينَ رأيتُ اُسمكَ هُنا ابتسمتُ، وآمنتُ بقلبي أكثر.. وصدّقتُ كلّ ما يُمكن لهُ أن يحمِد بروحك.. لهذا آمنتُ بروحي أكثر، وأكثر..
    لقد عَجِزَ الكثير عَن رَصد طقس دَواخلنا الّذي لجأنا بِهِ إلى أَقلام بمثل جَميل قَلَمكَ لَعلَّنا نَخُطّ بِهِ عَلى لَوحةِ الأرصاد دَورة الرّياح وَدَرجة الحرارة في أعماقنا.. فعندَها فقط يموتُ نبْضُ الحَرفِ في صَدري” كَما لو عاشَ كلّ حياتهِ مُستعارًا.
    كم أعتبِر نفسي محظوظة بمعرفتكَ الطّيّبة.. محظوظة بكلّ هذِهِ العلائِق والوشائج الّتي تَربطني بإخوتي، وأحبّائي، وأهلي في المدينة الطّيّبة وجميع المُدن الّتي تُحيطها. وَفخورة بمعرفتكُم وَالإنتساب إليكُم داخل جَمال بُقجة.
    قرأتها للمرّة الأولى مُستَطلعة، كَعادتي مع كلّ شَيء جميل، ثم عاوَدتُ قراءَتها على مَهل، مَرّتين على التّوالي بمزيد من التّركيز. غير أنّني كلَّما أمعنتُ في تأمُّلها، وجدتها أبعد غورًا، وأعمق بُعدًا، وأشدّ إشعاعًا، ممَّا أظن. فاختنقتْ الكلمات في فمي من فرط التأَثُّر بحديثكَ الطّيّب وبِعِباراتكَ التَحليلية الجميلة.
    أحاول أن أجِد لإعجابي تفسيرًا.. كَما أُحاوِل أَن أَشكُرُكَ.. أن أثنيكَ على ذلك.. أن أقول لكَ أنّني لم أفعل بعد ما يستحق هذا التّكريم والمدح الرّائِع. وأصدّق قارئي القَول: إنّي أحسَستُ بهذا الشَبع وَهذا الريّ، وَغمرتني دَهشة إعجاب لم أعهدها منذُ زمن طويل..!

    دُمتَ ورديًّا مُزهِرًا أينَما كُنت، وَدامَ حَرفُكَ وَنَبضكَ أنيقًا
    تحيَّة ليلية وَقناديل شُموع

  4. الشّاعر زُهدي غاوي:
    أشكُركَ حينما يهمس الحرف أدبًا.. والحديثُ الّذي يجمعنا في بقجة يكونُ لحنًا مُترفَ العُذوبةِ والجَمال

    دُمتَ بسعادة لا تُفارق نَبَضات قلبك
    تحيَّة

  5. أشكرك يا روان . إنك حقاً عوالم متداخلة، حاولت أن أبحر فيها. لعلني أفلحت في الوصول الى شاطئ الأمان
    إذا لم يصل صوتي اليك ، فيمكننا التواصل عبر البريد الالكتروني:
    [email protected]
    واسلمي لأخيك

  6. كلك تواضع يا دكتورنا وهذه سمة العظماء كلما ازدادوا علما إزدادوا تواضعا , وأشهد أنك الأكثر علما بيننا في حاضرنا ومستقبلنا وإن الأمر لا يحتمل الجدل ولا ينتطح به عنزان , تحياتي وأشواقي لشخصكم الكريم

  7. والله بعرفش اكتبلك تعليق زي ما بتكتبو شعر بس بقدر احكيلك كلام روعة والا الامام

  8. ما بعرف اكتب تعليق متل ما بتكتبيه كلامات من الشعر بس بقدر احكيلك كلامك عسل وروعة والى الاامام يا روان وينجحك بحياتك يا رب

  9. كل الاحترام والتقدير باين انك مبحر في اللغة ومحضر في عمق للتحليل الى الاما م دكتور سامي

  10. […] اقرأ المزيد في موقع بقجة للشاعرة رَوان إرشيد – النّاصِرة فَلسَفَةُ حُبٍّ مَقيتَه الإستقالةَ عُنواني جُرح في عُنق النّسيان.. رَثاء أميـــر… دُموع الصَّمت د. سامي ادريس: مدخل الى عالم روان أرشيد […]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة