أعطني صحتي وخد ثروتي…

تاريخ النشر: 26/01/12 | 10:14

أَعْطِنِي صِحَّتِي وَخُذْ ثَرْوَتي مَقولَةٌ لَنْ يَقولَها أوْ يُفَكِّرَ بِها إلّا مَنْ ذاقَ طَعْمَ الرَّفاهِ وَتَنَعَّمَ بِهِ، ثُمَّ لَعَقَ مَرارَةَ المَرَضِ أوِ العَجْزِ؛ لِيُجْبَرَ عَلى المُقارَنَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَعَلَّهُما الأهَمُّ في حَياتِنا هذِه. الصِّحَّةُ مَوْرِدٌ طَبيعِيُّ يَمْتَلِكُهُ مُعْظَمُ النَّاسِ، أمَّا المالُ فَاِنَّ عَلى الإنْسانِ أنْ يَسْعَى لِلْحُصولِ عَلَيْهِ مِمَّا قَد يُوقِعُ البَعْضَ فِي مَتاهَةِ الفُرقَةِ بَيْنَهم وَإيجادِ أيُّهما أفْضَل إذ نَميلُ كَبَشَرٍ إلى الاعْتِقادِ عادَةً أنَّ الأبْعَدَ مَنالاً وَالأَصْعَبَ إيجاداً هُوَ الأثْمَنُ لِكَمّيّةِ التَّحَدِّي التّي نَتَعَرَّضُ الَيها لِمُجَرَّدِ الحُصولِ عَلى هذا الشَّيْءِ؛ لِذا نَظُنُّ بِالتَّالي أنَّهُ الأفْضَلْ.

تَنْقَسِمُ اراءُ النّاسِ عادَةً في مُواجَهَةِ مِثْلِ هذِهِ المَواقِفِ إِلى مَجْموعَتَيْنِ إحداها تَقِفُ في صَفِّ الثَّرْوَةِ فَتُعارِضُ المَقولَةَ، وَالأخْرى تَأْخُذُ بِرَأيِ المَقولَةِ.

أمَّا الدَّاعِمونَ لِلثَّروَةِ حِتَّى لَوْ عَلى حِسابِ الصِّحَةِ فَيَرَوْنَ أنَّ الثَّرْوَةَ هِيَ التّي يَسْعى الإنْسانُ الى نَيْلِها مُنْذُ أنْ يَبْدَأ تَمْييزَ أَهَمّيّتِها ، كَما أنَّ المالَ يَسْتَطيعُ أنْ يُؤَثِّرَ في الصُّعُدِ المُخْتَلِفَةِ في حَياةِ الإنْسانِ التَّي تُشَكِّلُ السَّبَبَ الأَوَّلَ لِلْأَمْراضِ مِثْلَ الحالَةِ الاجْتِماعِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ إذْ يَدَّعون أنَّ الأَشْخاصَ الّذينَ لا يَمْلِكونَ المالَ الكافي لِلْحُصولِ عَلى مَرْكِزٍ اجْتِماعِيٍّ مَرْموقٍ سَيَكونُ لَدَيْهِمْ اِحْساسٌ بِالنَّقْصِ الاجْتِماعِيِّ الذي يُؤَثِّرُ سَلْباً في الصِّحَةِ النَّفْسِيَّةِ لِهذا الشَّخْص، وَبِالتَّالي يَنْعَكِسُ ذلك على صورَةِ أَمْراضٍ مُخْتَلِفَةٍ في الجَسْمِ، فَانَّ العَلاقَةَ بَيْنَ قِلَّةِ الثَّرْوَةِ وَالأمْراض- حَسْبَ رَأيِهِمْ-عَلاقَةٌ طَرْدِيَّةٌ، إضافَةً إِلى ادِّعائِهِمْ بأنَّ الأمْراضَ غَيْرَ الظَّاهِرَةِ التَّي يُصابُ بِها اولئِكَ الَّذينَ لَمْ يَنالَهُمْ حَظّ وافِرٌ مَنَ الثَّراءِ كَالأمراضِ النَّفْسِيَّةِ هِيَ أشَدُّ خَطَراً عَلى حَياةِ الفَرْدِ مِنَ الفَقْرِ نَفْسِهِ.

وَهُناكَ الِفئَةُ التّي تَرى في الصِّحَّةِ القيمَةَ الأكْثَرَ أهَمِّيَّةً مِنَ المالِ في هذِهِ الحَياة، فَيَزْعَمونَ أن لا قيمَةَ لِلْمالِ إِذا لَمْ يَتَمَتَّعْ صاحِبُهُ بِالصِّحَّةِ الكافِيَةِ؛ لِيُنْفَقَهُ بِالطَّريقَةِ التّي يُريدُ. فَكَما قيل “هُناكَ شَيْئانِ يُصَوِّبُ عَلَيْهِما الإنْسانُ في هذِهِ الحَياة، الأوَّلُ أنْ يَحْظى بِما يُريدُ وَالآخَرُ أنْ يَسْتَمْتِعَ بِهِ”. فَإذا كانَ الهَدَفُ الأوَّلُ هُوَ تَحْصيلَ المالِ وَكان هذا الشَّخْصُ مَريضاً فَانَّ مَرَضَهُ سَوْفَ يَمْنَعَهُ مِنْ تَحْقيقِ الهَدَفِ الثّاني، وَبِالتَّالي سَيَفْقِدُ هذا الإنْسانُ الإحْساسَ بِقيمَةِ المال الذي رُبَّما أفْنى عُمُرَهُ في جَمْعِهِ، وَهكَذا يَكونُ الإنْسانُ قَدْ أهْدَرَ عُمُرَهُ هَباءً.

إذا سُئِلْتُ شَخْصِيّاً عَنْ مَسْألَةٍ كَهذِهِ، وَأيْنَ أضَعُ رَأيي مِنْها، أعْتَقِدُ أنَّني سَأَقولُ انَّني سَأَكْتَفي بِالصِّحَّة؛ لأنَّها الاسْتَثْمارُ الوَحيدُ الذي اذا ضاعَ فَلا يُمْكِنُ تَعْويضُهُ، وَفي نَفْسِ الوَقْتِ هو الاسْتِثْمارُ الوَحيدُ الذي فيه الأفْضَلِيَّةُ في المُساعَدَةِ عَلى تَحْقيقِ أيِّ اسْتِثْماراتٍ أكْثَرَ مادِّيَّةً في الحَياةِ. كَما يَحضرني لِهذا المَوقِفِ قَوْلُ الرَّسولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ازهد في الدنيا يحبكالله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس}،  وَمَعَ ذلِكَ لا أمانِعُ وُجودَ بِضْعَةِ الافِ أوْ مَلايينَ – لا أحْسِنُ العَدَّ – مِنَ الشَّواقِلِ في حِسابِيَ المَصْرِفِيِّ.

ناقش وابد رأيك!

من رجاء عبد الباقي

‫4 تعليقات

  1. انا اعتقد ان الامر اكثر تعقيدا مما يبدوا عليه للوهلة الاولى فنحن لا نحكم بمقدا النقود المتواجدة داخل جيوبنا بل للاهداف التي نطوع لها هذه النقود
    موضوع قابل للجدل والنقاش اعجبتني جرأتك ووضوحك في طرح الموضوع خصوصا في زمن لم نعد ندري في :أنحن نحكم النقود ام العكس؟؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة