لم يُبقِ لي قولُ الحقِّ صديقًا

تاريخ النشر: 25/10/10 | 12:32

يتصفُ الأفرادُ والجماعاتُ بيننا بالعديد منَ الصفاتِ والمزايا، بعضُها مستحبٌّ ومقبول، والبعضُ الآخرُ مستقبحٌ ومرفوض.

من الصفات المحمودة نذكرُ: قرى الضيف، الإباء وعزّة النفس، برُّ الوالدين…

ومن الصفات المذمومة نذكرُ: الحسد، النميمة، والمجاملة والنفاق وعدم قول الحقيقة…

والمفروض أن نعمل على تعزيز الصفات المحمودة وترسيخها، وأن نسعى

لاستئصال الصفات المذمومة وإجهاضها.

ولكن ما يحزُّ في النفس أن نجد الكثير من الخصال المذمومة قد عمّت وطغت واستحوذت على العقول وانعكست في سلوك الناس وتصرفاتهم.

وهنا سأتوقّف عند ظاهرة المجاملة أو المسايرة وعدم مواجهة الآخرين بأخطائهم ومثالبهم إما طمعًا بمكسب معيّن وتحقيق مصلحة خاصّة، وإمّا خوفًا على ضياع مكسب ما وفقدان منفعة ذاتية تتعلق بمنصب أو ربح ماديّ ملموس!

متى نمتلك الشجاعة لنقول كلمة الحق حتى ولو كلّفنا ذلك ثمنا باهظًا؟

فهناك حاجة ماسّة لتغيير العديد من العادات والتصرفات السائدة في مجتمعنا لنلحق بركب الشعوب المتقدمة التي تسعى لتحكيم معايير الكفاءة والاستقامة والصدق في القول والفعل!

ولنعتبر بما قاله الصحابّي الجليل ” أبو ذر الغفاري ” باكياً و وحيداً قبيل موته :

” لقد ظل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوصيني بقول الحقِّ .. حتّى لم يُبقِِ لي قولُ الحقِّ صديقًا ” .

وهذا يذكّرنا بعبارة كتبها الأديب العبقريّ شكسبير:

” إن كلمةَ الحقِّ يجبُ أن تقالَ ومهما كلّف الأمرُ .. حتّى ولو لم يكنِ الإصلاحُ ممكنًا “

والسؤال المطروح للنقاش:

هل تؤيّد قول الحقّ حتى ولو خسرت أشياء وأشياء؟!

أم تفضّل اللجوء إلى أسلوب المجاملة والمسايرة لكي لا تخسر مكسبا ماديّا ومعنويّا؟!

أم أن لديك خيارا ثالثا؟!

‫15 تعليقات

  1. الحق يقال ولو على قطع الاعناق، لكن احيانا يحتاج الانسان للمسايره والمجامله عندما يكون الصلاح غالب على الفساد اي المسايره لغرض الاصلاح لا باس..فهذا شرعي في موضعه ومدى حاجته للصلاح.

  2. نفاق اجتماعي ام اسلوب دبلوماسي ؟!!

    ‘‘ المجامله الحميده ,,
    وهي تلك المجاملة التي تقرب بين القلوب بعيداً عن الإساءة للدين أو للآخرين
    فكلنا يحتاج للمجاملة حتى أنه أحياناً يستخدمها مع أطفاله وزوجته وأخوانه وزملائه في العمل ..

    ‘‘ المجامله المذمومه ,,
    وهي تلك المجاملة التي يقصد منها التزلف للآخرين أو كسب ود مسؤول أو تحقيق
    مكسب حتى لوكانت المجاملـــة على حســـاب الديـــن والأخــلاق والغيــــر

    إذا الغاية من المجاملة عدم جرح مشاعر شخص عزيز عليك …أنا مع
    إذا المجاملة سيكون فيها ضرر الي صار اسمها ضعف شخصية ..أنا ضد
    اذا المجاملة الغاية منها مصلحة صار اسمها نفاق -للأسف منتشر بالمجتمع كتير ….أنا ضد

    المجامله ناتجه عن ضعف في الشخصيـــه ؟؟
    ” المجامله ” إسلوب محاكاه محاط بسور من النفاق والمشاعر المزيفه والتمـــلق
    أم أنه أسلـــوب دبلوماسي نلجأ إليه عند الضرورة ؟؟

    أؤيّد قول الحقّ حتى ولو خسرت أشياء وأشياء؟!

  3. من الواضح انه موضوع حساس بعض الشي لكن من منا يرى الخطأ ويقبل على نفسه السكوت بالرغم من انه احيانا قول الحق والصحيح يؤلم الطرف الاخر لكن تنام وانت مرتاح البال .
    من الأهمية بمكان تربية الطفل على الأسس الصحيحة والمبادىء السليمة التي رضيها الله لعباده ومنها قول الحق .
    حتى يتعود الطفل على هذا يجب تعليمه أن الكذب حرام وأنه صفة مذمومة .
    اخواتي مهما كان عملنا كبيرا في المنزل لنجعل وقتا لطفلنا نعلمه الجراة .
    زوجك ربما وقته لا يسمح له بقضاء الوقت الذي تقضينه أنت مع طفلك علميه أن الله موجود بكل مكان علميه ان من يقول له كلمة بذيئة (حمار مثلا) أن يكون جواب ولدك إن نجوت على الصراط فأكون أفضل من الحمار والحيوان.
    علميه أن يكف الأذى عن الجيران وعدم استراق السمع وكراهية الغيبة والنميمة.
    أحد العلماء أراد ان يأكل فقال لأحدهم ماذا يوجد لدينا للطعام فقال له: سيدي لا يوجد طعام, فقال له هذا العالم :أيوجد خبز وشاي. فقال له: نعم. فقال له العالم: فكيف تقول لا يوجد لدينا طعام
    علمي طفلك أن المال ليس كل شيء في هذه الدنيا ,لا تجعلينه يعشق المال والدنيا .علميه ان الغش بالامتحان ليس بمحبذ وان قول الحقيقه هي الطريق الصحيحه انا انسانه تربيت بين سبع اخوه واخوات وبصغرنا ولكنا نعلم باننا مررنا بمتل هذه القصص واكيد كنا نرمي اللوم او العمل الذي قمنا به على اكتاف احد ما اخواننا ههههههههههه اتذكر والله تلك الايام لكن انا واقول ان العلم والتعليم والبيئه التي يتخذها الانسان لنفسه والحياة يتعلم منها الكتير وحتما انه لا يفكر بتكرار الذي سبق من ابنائه نقول الحق وكلمه الحق ولو رح يكلفنا الغالي ولي بيرضى يرضى والي ما بيرضى مثل ما قالوها اجدادنا يقطع الزاد عنا .

    موقع بقجه اراكم بتالق دائم ومميز يا الله يعجز لساني عن التعبير عما يجول بداخلي من شعور جميل لانني اراكم من يوم ليوم بتقدم وبانه هنالك الكتير من العطاء لقراءكم الله الموفق

  4. كلمة حق اقولها الآن بحق معقبة مواظبة وملتزمة لموقع بقجة كثيرا ما رأيت أخطاء لغوية عند تلك المعقبة وبعض المعقبين اشاروا لها بذلك ففرحت لأن هناك من يقول الحق وانا كنت اريد قول ذلك لها ولكن بعدما رأيت من قام بذلك عدلت..وها انا ثانية في كلمة حق اقولها بحقها قد اخذت بالنصيحة وبدأت تتأنى بالكتابة المختصرة والموضوعية وتتحاشى الأخطاء الإملائية ففرحت اكثر وكبرت بعيني اكثر….ولا بد انكم عرفتموها ألا وهي اختنا ام مهدي…ارأيتم ما فائدة قول الحق ولو كان احيانا محرجاً وربما قاسيا، ولكن اذا كان فيه مصلحة الآخر فلما لا نقوله بوضوح وبدون تردد.
    وفقنا الله واياكم الى قول الحق ولكن بإسلوب تربوي وحضاري مرتكز على مبادىء وقيم، بعيدا عن المصلحة الذاتية الأنانية التي فيها التملق والمجاملة الكاذبة…

  5. نعم أويد الحق ولوخسرة اشياء كثيرة مهما كلف الامر . لقولة تعالى قولوا الحق ولو على انفسكم . وكيف لا . لكن النفاق اصبح عند بعض الناس طريق حياة لا يمكن الاستغناء عنة في حياة اليومية اما لمصلحة ما او حبا للتقرب من شخص ما وصرنا ننادى على فلان أبا فلان لانة صار يملك بعض المال وغير ذلك من وسائل النقاق حتى اخذ الجبان يظن انة الشجاع والبخيل كريما والسفية حليما والجاهل عالما . ذلك كلة جاء من كثرة النفاق ولم يعد المرء يعرف قدر نفسة

  6. إن حداً أدنى من المجاملة هو أمر محمود, بل ومطلوب أيضا ًفنحن نحتاج من المجاملة بالقدر الذي يكفي فقط لإظهار تقديرنا واحترامنا للآخرين ولا شيء آخر, والحق أن معظم عللنا المستوطنة يعود سببها إلى النفاق, وهي التي تدفع بالشخص إلى التنازل عن مبادئه الكبيرة من أجل إرضاء طرف آخر تحت مبررات يختلقها لنفسه. المجاملة تسبب عمى للفرد, فلا يعود يرى الخطوط الفاصلة بين ما هو حق للناس وما هو افتراء على الحق. الشخص المصاب بداء النفاق يفتقد للقوة التي تبقيه شامخاً على مبادئه الشخصية ومبادئ عمله, إنه شخص يسهل قيادته وتوجيهه واختراقه‏ .

  7. الساكت عن الحق شيطان اخرس .
    الحق يجب ان يقال بكل المواقف والظروف .

  8. من يقرأ احاديث الرسول عليه اتم الصلاة والسلام فلا عجب بأن هذه من علامات اخر الزمان…فالدين حق واقع, وسياسه بحد ذاته…ارجعوا للدين فانه علاج كل افه…ولا يخلو المجتمع من افات..ففي عز الاستقرار هنالك شواذ.اللهم اصلح حال بلدنا وسائر بلاد المسلمين

  9. يجب علينا كبشر بان نقول كلمة الحق مهما كلف الامر او الثمن من ذلك لقد فقدت كلمة الحق فيما بيينا في ايامنا هذه وتربعت مكانها المسايرة والمجاملة لكي نحافظ على مصلحة ما فان قول كلمة الحق تغضب بعض الاشخاص.
    صحيح ان قول كلمة الحق تكون صعبة لكنها تكون من ورائها التصحيح والتنبية من خطأ ما قد ارتكبناه فانه يدفعنا الى التقدم والتطور نحو الافضل في حياتنا اليومية وان نكون من ارقى واسمى الشعوب

  10. تحية طيبة لاستاذي ومعلمي د. محمود أبو فنة ( أبو سامي )
    لقد سعدت بهذا الباب للحوار وبموضوع الصداقة المطروح للنقاش
    لقد عرَّفتُ الحياة بأنها رحلة البحث عن صديق وبأن الانسان يمر بمراحل انتقالية كثيرة يصادق هذا ويخلص له ويتوالفان حتى تظهر الحقيقة فيختلفان فيعود للبحث من جديد وهكذا دواليك ……
    لقد قيل باللين القابل للعصر والجاف القابل للكسر والسعي والعمل على الوسطية والمرونة وقالوا بأن صديقك من أوجد لزلاتك الأعذار لكن ليس إلى ما لا نهاية وخاصة ونحن نواكب هذا العصر الذي تنوعت فيه الأولويات واختلفت فيه المعايير .
    والانسان الذي يستطيع ارضاء جميع الناس إنما ينجح بذلك فقط من خلال التنازل عن نفسه وكل صداقة كانت لوجه الله فانها باقية وما خلا ذلك فهو إلى زوال في محنة الحقد والغش والوساطة والمحسوبيات والغيرة والحسد والاختلاف في تعريف المصطلحات في هذا الزمان .
    ماذا ينفعني أن أربح كل العالم وأخسر نفسي .
    بوركت وفي انتظار المزيد !

  11. حياك الله اخي محمود وجمل ايامك بالسعاده والعطاء.

    قال الشاعر:
    ان كأس الحنظل بالعز اشهى …. من ماء الحياة مع الذل

    اذا الانسان لم يحترم نفسه بالحق ويسلك سلوك الحق فلن يجد من يحترمه.
    علينا التمسك بقول الحق مهما كلف الامر لنبقى محترمين لذاتنا . فالانسان الكيس المحترم يعمل بالحق ويقول الحق بشجاعه.

    طوبى لاصحاب الضمائر الحيه فلهم من المجتمع الاحترام والتقدير بالدنيا, وان شاء الله يكونوا مع الانبياء والصدقين في الاخره.

    الانتقاد الموضوعي البناء عنصر حيوي في المجتمعات الراقيه, منه نتعلم تصحيح الاخطاء وادراك النجاح التام.

    اخي محمود …
    اصارحك منذ ان كنت صغيراً من تلاميذك, احبك, اقدرك, واعتز بك لانك مربي كبير تتمتع بضمير حي واخلاق حميده. كنت دائماً موضوعياً, مع الحق, امنت بالحق, قلت الحق وعملت بالحق.

  12. أحب أن أشكر أخي وأستاذي د. محمود ابو فنه على جهوده الملحوظه لطرحه مثل هذا الموضوع. ومن هنا أقول لك هنيئا لك ولحرمك المصون سلفا أداء فريضة الحج، وأتمنى من ألله عز وجل ان ترجعوا بحج مبرور وسعي مشكور وسائر الحجاج.
    ولو كنت فضا غليظ القلب لأنفضوا من حولك…..
    ألأمر يحتاج الى وسطية في التعامل
    ان استخدام المجامله لأغراض نزيهه لا تعتبر نفاق , المجامله من وجهة نظري هي الدبلوماسيه لحل كثير من المشاكل.
    انا لا انكلم عن المجامله والمسايره الني تصب احياناً في الخداع التي فيها اسقاط حق وإعطاء شي لمن لا يستحق !! لكل شيء حدود فـي تجميل الكلام مطلوب لكن بحدود لا أن يصل إلى درجة النفاق. ان الكلمه الطيبه تحافظ على خيط التواصل بين الطرفين فأسر القلوب لا يكون إلا بالكلمة الطيبة .
    العلاج في هذه الحاله تربية النشء على ماهو صحيح وعلى مبادئ وأسس ثابته بعيده كل البعد عن سلبيات الحياه بشكل عام ويبدأ العلاج من البيت أساس كل شيء وبمساعدة المؤسسات التربويه من مدارس وغيرها.
    برأيي أنَّ زمن ” النقد ” اصبح على استحياء في هذه الأيام.. النقد الذي نأمل منه البناء لا الهدم … النقد بالأسلوب الهادئ البنَّاء … النقد بالحكمة و الموعظة الحسنة النقد بأسلوب مؤدب بعيداً عن إثارة المشاكل
    وأخيرا اقو ل ألحق بلا عنجهيه … بحجه اني اقول الحق !! واجعلوا الأخلاق الطيبه هي سيده الموقف وبالنهايه
    ألحق يعلو ولا يعلى عليه

  13. د. محمود أبو فنة مشكور على طرحك للموضوع
    قول الحق دائماَ وأبداَ يبقيك على الطريق المستقيم , عندما لن يبقى لي صديقاَ بقول الحق والبعد عن النفاق فهذا أعتبره مكسباَ لي , فلا حاجة لي بأصدقاء الزّور .
    فما حاجتي لأناس قلوبهم مجبولة على الخداع والنفاق سيتركوني في أول محنة أمرّ فيها .
    إذا أنت أكرمت الكريم ملكته – وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا .( المتنبي)
    قول الحق سيبقي الكريم معي , واللئيم تاركي سواء مدحته أو ذممته .
    أن أحتفظ بصديق صادق لألف سنة خير لي من أن أصادق ألف صديق كلّ سنة .

  14. بارك الله فيك دمحمود ابو فنه كلمه الحق جهاد بحد ذاتها وهي صفه تتانى من خلال قوه القلب والشجاعه كلمه الحق ترقى بنا الى اعلى مستوى الى العزه والكرامه وتتطهر القلب والنفس فما بالنا بالرجل الذي وقف امام امير المؤمنين سيدنا عمر وقال قوله الشهير لا سمع ولا طاعه وهو على خطا ولكن لم يستحي من قول الحق ولو على حساب امير المؤمنين اما القصه اراد عمر يوم ان يخطب في المسلمون فقال ايها المسلمون اسمعوا واطيعوا واذا برجل ينبعث من بين المصلين فقال لا سمعا ولا طاعة يا عمر لقد اثرت علينا نفسك في الدنيا اعطيت نفسك برده طويله اي عباه من الغنيمه واعطيتنا برده قصيره فقام عمر وقال اين ولدي عبد الله تخيلوا اخواني امير المؤمنين اين ولدي اخبرهم عن قصه البرده فقال عبد الله انكم تعلمون والدي اي عمر رجل طويل القامه وقد جاءت بردته قصيره جدا فاعطيته بردتي ليطيل بها بردته فبكى سلمان وقال سمعا وطاعة يا امير المؤمنين فقول الحق براءه وعزه

  15. لو ما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم

    ——————————————————————————–

    تفسير سورة العصر
    بسم الله الرحمن الرحيم : وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .

    ——————————————————————————–

    هذه السورة، سورة العصر هي التي قال فيها الإمام الشافعي -رحمه الله-: “لو ما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم” وقد شرح ابن القيم -رحمه الله- كلام الإمام الشافعي في كتابه مفتاح السعادة، وبين رحمه الله أن هذه الآية مشتملة على أربعة أمور: –

    الأمر الأول: العلم وهو معرفة الحق، وهو الذي دل عليه قوله جل وعلا: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فالمؤمن يعلم أن الله حق، وأن وعده حق، وأن رسوله حق، وأن لقاءه حق، وأن الملائكة حق، وأن النبيين حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، ثم يعمل بذلك.

    وقد دل عليه قوله جل وعلا: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثم يدعو الناس إلى ذلك وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ويصبروا على العلم والعمل والتعليم فهذه أربعة أشياء إذا كملها الإنسان يكون مكملا لنفسه، ومكملا لغيره.

    وهذه السورة أقسم الله -جل وعلا- فيها بالعصر، وهو الدهر كاملا، أو العصر وهو الوقت المعروف، أقسم به جل وعلا على أن الإنسان لفي خسر، والمراد كل الإنسان في خسر، في خسارة وهلاك، إلا من استثناهم الله -جل وعلا- بعد ذلك إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .

    والخسران هذا بيَّنه الله -جل وعلا- بأنه خسران الدنيا والآخرة في قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ .

    وفي الآخرة يخسر نفسه وماله وأهله، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة كقول الله -جل وعلا-: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ وقال جل وعلا: فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ وقال جل وعلا: إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ .

    وفي هذه السورة استثنى الله -جل وعلا- فيها مَن اتصفوا بالصفات الأربع التي تقدم ذكرها.

    فقوله جل وعلا: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يعني: آمنوا بما يجب الإيمان به، وهي أركان الإيمان التي بيَّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ يعني: أوصى بعضهم بعضا بالحق، وهذا دليل على أن الإنسان في نفسه قد عمل الحق؛ لأنه لا يوصي غيره بالحق إلا إذا عمل به، وهذا يدل على أن هناك أمرا بالمعروف.

    وقوله جل وعلا: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ يعني: أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله، والصبر عن محارم الله، والصبر على أقدار الله، وذلك يقضي بأن هناك نهيا عن المنكر، فهؤلاء موصفون بأنهم مؤمنون، وأنهم يعملون الصالحات، وأنهم يتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر، فيأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الله جل وعلا.

    والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وإن كان من عمل الصالحات إلا أن الله -جل وعلا- خصه بهذا الذكر لشدة أو لحصول الغفلة عنه من كثير من الناس؛ لأن بعض الناس يظن أنه إذا اهتدى في نفسه، فإن ذلك يكفي، وهذا من الخلط؛ ولهذا قال الله: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ فلا ينفع الإنسان أن يخرج من هذه الخسارة، إلا إذا أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر.

    وقد يظن بعض الناس أن قول الله -جل وعلا-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ يعارض هذه الآية؛ لأن هذه الآية تأمر بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر؛ وذلك يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ يظن بعض الناس أنه إذا اهتدى في نفسه كفى.

    وقد أجاب العلماء عن ذلك وقالوا: إن الآيتين معناهما واحد، ولا اختلاف بينهما؛ لأن الله -جل وعلا- قال في آية المائدة: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ما قال جل وعلا: لا يضركم من ضل إذا لم تأمروه بالمعروف وتنهوه عن المنكر، ولكن الله -جل وعلا- إذا ضل إنسان وكان أخوه المسلم يأمره بالمعروف، وإن كان هذا كافرا، يعني: إذا ضل إنسان بكفره، أو ضل الطريق المستقيم، أو وقع في شيء من المعاصي، وأمره أخوه بالمعروف ونهاه عن المنكر، ولكنه بقي على ضلاله، فإن هذا المؤمن تبرأ ذمته.

    وأما إذا لم يأمره بالمعروف ولم ينهه عن المنكر فلا تبرأ ذمته؛ لأن من اهتداء الإنسان أن يكون آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، وإذا لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر لم يكن مهتديا؛ ولهذا جعله الله -جل وعلا- في هذا الآية في خسارة، وذلك دليل على أنه غير مهتد.

    وقول الله -جل وعلا-: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يدل على أن من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر فليس بمهتد.

    فالشاهد أن قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ أي: إذا ضل بعد أن أمرتموه بالمعروف، ونهيتموه عن المنكر ووقع منه ضلال، فلا يضركم ذلك شيئا؛ لأن إثمه إنما يعود لنفسه. أما إذا لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر فتأتي هذه الآية، آية العصر، ويكون الإنسان في خسارة. نعم.
    نسأل الله أن يجلعنا مع حبيبه المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة