الجزء الثاني:اربعون عاما على وفاة الزعيم جمال عبد الناصر

تاريخ النشر: 10/10/10 | 8:03

بقلم: استاذ فؤاد كبها

الضباط الاحرار:- الضباط الاحرار هم مجموعة من ضباط الجيش المصري, , وذات وعي قومي اجتماعي ومعاصر. هذه الاحاسيس جعلتهم يقفون على فساد النظام والسلطة في مصر. هؤلاء هم الذين تخرجوا من الكليات العسكرية, وحصلوا على رتبة ضابط , وتنظموا بصورة سرية في اواخر الثلاثينات من القرن الماضي, ولهذا لم ينضموا لاي حزب من احزاب مصر, ومن هنا جاءت التسمة (الضباط الاحرار).

الضباط الاحرار هم مجموعة ضباط امتازوا بالغيرة على بلدهم مصر, ولهذا رفضوا الفساد والتدخل الاجنبي, وتعاون الملك فاروق مع بريطانيا.

هذه المجموعة التي تتكون من 12 ضابطا رأت انها الوحيدة كطبقة واعية مثقفة ومسلحة القادرة على اخراج الامة من حالة اليأس وانقاذ الشعب من معاناته سواء في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وهم الذين رأوا التدخل الاجنبي الزائد في مجالات الحياة المختلفة, فكان هدفهم كسر هذه القيود للحصول على الحرية والاستقلال.

رفضوا اسلوب الملك اللااخلاقي بسبب انغماسه بالملذات والشهوات, وخنقه للفئات القومية.

هم الفئة التي دفعها حسها القومي خصوصا بعد هزيمة الدول العربية امام اسرائيل عام 1948, تلك الهزيمة التي اثرت على هذه الفئة بشكل خاص, التي تنظمت بصورة سرية, وكان جمال عبد الناصر على رأس هذه المجموعة, الذي احس بجرح الكرامة المصرية هو ورفاقه, بعد اسره في حرب 1948, وهزيمة مصر بسبب الاسلحة الفاسدة, وتهاون الملك الذي اتهم بالخيانة. هذه الفئة جاءت لتقول “لا” بدافع الغيرة الوطنية والقومية, هذه المجموعة التي تدعى الضباط الاحرار سعت بجد واجتهاد الى تغير النظام والسلطة الحاكمة, وقد وضعت نصب اعينها اهداف سامية اهمها استقلال مصر والقضاء على الاقطاع والاحتكار. هذه الفئة اعلنت ثورتها- ثورة الضباط الاحرار- 23/تموز/ 1952 التي كانت مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ مصر والعالم العربي في العصر الحديث. نذكر من هؤلاء

1- جمال سالم 2- انور السادات 3- عبد الحكيم عامر 4- علي صبري

5- زكريا محيي الدين 6- حسين الشافعي 7-صلاح سالم 8-عبد اللطيف البغدادي

وعلى رأسهم جمال عبد الناصر.

اهداف الثورة الستة:

كانت هزيمة مصر امام اسرائيل عام 1948 ضربة قاسية بالنسبة لهؤلاء الضباط ,ومنهم جمال عبد الناصر فاخذوا يخططون سرا للثورة, والانقلاب, واعادة الكرامة المصرية, وبالفعل في صبيحة 23 يوليو 1952 استيقظ الشعب المصري على خبر هام, وهو نجاح الضباط الاحرار في السيطرة على الاذاعة ,وقد قرأ محمد نجيب البيان الاول, واعلن عن اهداف الثورة الستة.

الهدف الاول: القضاء على الاستعمار: نجح الضباط الاحرار في القضاء على الاستعمار الذي دام حوالي 74 سنة علما ان مصر كانت قد احتلت في عام 1882 من قبل بريطانيا, وعند نجاح الثورة عزل الملك فاروق الذي تعاون مع الاستعمار, والغيت الاتفاقية البريطانية المصرية التي وقعت عام 1936 في عهد مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد, والتي كانت قد ابقت على قواعد عسكرية, بريطانية في مصر.

وفي عام 1954 وقعت اتفاقية الجلاء بين الرئيس جمال عبد الناصر وحكومة بريطانيا, واتفق على انسحاب اخر جندي من مصر خلال عشرين شهر وبالفعل فقد حصلت مصر على استقلالها الكامل , الغير منقوص في عام 1956.

وهكذا تحقق هذا الهدف الذي قامت من اجله الثورة. ثم اننا لا نستطيع ان نتجاهل ان تأميم القناة وانسحاب الجيوش المعتدية في عام 1956 من مدن القناة بعد العدوان الثلاثي كان قد حقق الاستقلال السياسي والاقتصادي معا.

الهدف الثاني والثالث: القضاء على الاقطاع والاحتكار وتحقيق العدالة الاجتماعية: نجح جمال عبد الناصر في التخفيف من حدة الاقطاع والاحتكار عندما اعلن عن قانون الاصلاح الزراعي في عام 1952 وحدد مساحة الاراضي للاقطاعيين ب200 فدان فقط, وصادر اراضي الاقطاعيين الذين اتبعوا سياسة الاحتكار للفلاحين, ووزع الاراضي المصادرة على الفلاحين وحصلت كل عائلة مصرية من ثلاثة الى خمس افدنة. وفي بداية الستينات من القرن العشرين اصدر جمال عبد الناصر اجراءات اشتراكية اخرى خففت من مِلكية الاقطاعيين الى خمسين فدان فقط.

وهكذا نلاحظ ان قانون الاصلاح الزراعي والاجراءات الاشتراكية ما يعرف بالقطاع العام وهو عكس القطاع الخاص كان قد حقق ايضا الهدف الثالث الا وهو تحقيق والاعلان عن العدالة الاجتماعية وتقليص التفاوت الطبقي.

الهدف الرابع: النهوض بالانتاج الوطني: اذا نظرنا الى الانجازات التي حققها جمال عبد الناصر خصوصا الانجازات الداخلية نلاحظ ان قانون الاصلاح الزراعي الذي خفف من ظاهرة استغلال الاقطاعيين جاء هذا القانون ليشجع الفلاحين ليعملوا في اراضيهم. وقد نتج عن ذلك النهوض بالانتاج الوطني خصوصا في المجال الزراعي فتطورت الثروة الحيوانية, ونمت زراعة القطن وانواع كثيرة من الزراعة لان الحكومة المصرية ساعدت الفلاحين في هذا المجال فامدتهم بالاسمدة وارسلت الخبراء الزراعيين. ثم ان جمال عبد الناصر اهتم بالصناعات فتطورت صناعة النسيج والملابس, ثم بالصناعات الثقيلة مستخدما المعادن الثقيلة مثل: الحديد والفولاذ.

وهكذا تطورت مصر نوعا ما اقتصاديا خصوصا بعد تأميم القناة فاصبحت الارباح كلها لمصر, واصبحت القناة لمصر, ثم ان فوائد السد العالي كانت:

أ- تزويد الكثير من المدن بالكهرباء عن طريق الشلالات الضخمة.

ب- اصلاح الكثير من الاراضي الزراعية ومنع الفياضانات التي كانت قبل ذلك

هكذا نلاحظ ان الثورة حققت هذا الهدف ونهضت بالانتاج الوطني لانها حققت انجازات كثيرة داخلية.

الهدف الخامس: منذ احتلال مصر عام 1882 حاولت بريطانيا قتل الروح العسكرية في صفوف الجيش المصري, وعاملت هذا الجيش كشرطة للحفاظ على الامن الداخلي, وسرحت الكثير من الجنود المصريين, واستبدلتهم بجنود بريطانيين وقواعد عسكرية, اجنبية بريطانية, فجاءت الثورة لتبني جيشا وطنيا يعيد الكرامة لمصر. وكان عبد الناصر صديقا للاتحاد السوفييتي, فكانت صفقة الاسلحة التشيكية عام 1955 مقدمة لنمو جيش وطني مزودا باسلحة سوفييتية الصنع, وقد عقد جمال عبد الناصر اتفاقيات مع الاتحاد السوفييتي الذي زوده بانواع الاسلحة المختلفة, مع مدربين من الاتحاد السوفييتي, الامر الذي اثار غضب الولايات المتحدة والمعسكر الغربي.

الهدف السادس: في بداية الثورة اعلن الثوار عن اقامة حياة ديمقراطية صحيحة, الا ان عبد الناصر تعرض لمحاولة قتل على يد الاخوان المسلمين في عام 1954 ولهذا تخوف من الفوضى السياسية وعبث الاحزاب المختلفة والمهاترات الشخصية, فاعلن عن قيام حزب واحد سمي “بالاتحاد الوطني. ومن هنا يمكن القول ان جمال عبد الناصر حكم بصورة دكتاتورية لانه منع الاحزاب مدعيا” ان مصر ما زالت غير ناضجة سياسيا, فالاحزاب تزيد من الانقسامات والخلافات والازمات الداخلية, لهذا يمكن القول ان هذا الهدف الوحيد من الاهداف الستة الذي لم يتحقق بسبب الظروف التي مرت بها مصر والمؤامرات الغربية والداخلية على حد قول الرئيس جمال عبد الناصر.

لهذا هناك من يعتبر ثورة الضباط الاحرار انقلابا عسكريا وليس ثورة بمعنى الكلمة. لان عبد الناصر حكم مصر بصورة دكتاتورية, ولم يستطع تحقيق هذا الهدف كما وعد في كتابه المشهور: “فلسفة الثورة” او بيان الثورة الذي اسمع من قبل محمد نجيب, الذي كان قد انضم الى الضباط الاحرار ,

ولكن رغم كبر سنه ولكن يجب ان نؤكد ان محمد نجيب لم يكن من الضباط الاحرار بل كان صديقا للضباط الاحرار, وبعد عزل الملك فاروق عين اول رئيس للجمهورية المصرية بسبب الخلافات بينه وبين جمال عبد الناصر حول قضية مشاركة الاخوان المسلمين في الحكومة المصرية, عزل محمد نجيب عن الحكم في عام 1954 واصبح جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية المصرية يحكم بصورة فردية حتى وفاته في عام 1970.

اسباب ثورة الضباط الاحرار:

1- السبب العسكري: في عام 1948 هزمت مصر الدولة ذات التاريخ المجيد امام اسرائيل الدولة الحديثة, واشترك بعض الضباط الاحرار في هذه الحرب, وكان جمال عبد الناصر من بين الاسرى, والذي حوصر في الفالوجة جنوب تل ابيب .بعد انتهاء الحرب وتبادل الاسرى شعر الضباط الاحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر بالاهانة وجرح الكرامة, فبدأ هؤلاء يخططون للثورة متهمين الملك فاروق بالتخاذل, والخيانة, ومدهم بالاسلحة الفاسدة ,الامر الذي سبب الهزيمة, فكان لا بد من الانقلاب, والتخلص من الملك فاروق الذي كان يهتم بملذاته الشخصية والتصرفات اللااخلاقية.

2- السبب السياسي: كانت مصر مقيدة حسب اتفاقية 1936 ,ما زالت القواعد العسكرية الاجنبية لحكومات مصر التي تعددت بعد الحرب العالمية الثانية, لانها فشلت في حل الازمات, ثم ظهرت ظاهرة الاغتيالات السياسية مثل اغتيال النقراشي, ثم اغتيال حسن البنا مؤسس حركة الاخوان المسلمين وكان الملك فاروق ينفذ اوامر الانجليز, وشعر الضباط الاحرار ان هذا الوضع لا يطاق, فكان لا بد من الانقلاب او الثورة.

3- السبب الاقتصادي الاجتماعي: كان وضع مصر سيئا من ناحية اقتصادية واجتماعية, بسبب استغلال الشركات الاجنبية والرأسماليين الاجانب لمصر لثروتها بخاصة القطن, وبسبب مصروفات القصر, والديون المتراكمة, وقلة الصادرات وكثرة الواردات والمصروفات, وكانت الخزينة في عجز كبير.

ازداد الفقر, والجوع, وازدادت البطالة, وارتفعت الاسعار, وسيطر الاقطاعيون على اكثر من %70 من اراضي مصر بينما كانت نسبتهم لا تتجاوز ال%15 ,وبهذا كثر عدد الفلاحين الذين لا يملكون ارضا وازداد التفاوت الطبقي, كل ذلك ادى الى تأييد غالبية الشعب المصري لثورة الضباط الاحرار التي وضعت نصب اعينها تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الاحتكار, والاقطاع . الثورة هي ثورتان ثورة سياسية وثورة اجتماعية في آن واحد, كما قال عبد الناصر في كتابه المشهور “فلسفة الثورة” ثورة ضد النفوذ الاجنبي وضد نظام الحكم الملكي بزعامة فاروق, وثورة ضد طبقة الاقطاع التي سيطرت على 70% من اراضي مصر, وحرمت الاغلبية الساحقة من فلاحي مصر من امتلاك قطعة صغيرة من الارض. وقد كانت الثورة ضد التفاوت الطبقي ثورة من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية, والنهوض بالانتاج الوطني, والتخلص من الاستعمار, والاحتكار.

الانجازات على الصعيد الداخلي واخرى على الصعيد الخارجي:

الانجازات الداخلية:

1- طرد الملك فاروق واعلان الجمهورية عام 1952:- اعلن عن قيام الجمهورية المصرية بعد ان كان النظام نظام ملكي, واصبح اللواء محمد نجيب اول رئيس للجمهورية, ولكنه اختلف مع جمال عبد الناصر في اساليب التعامل مع حركة الاخوان المسلمين, فعزل محمد نجيب, وعين جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية في عام 1954, واشغل هذا المنصب حتى وفاته في عام 1970 ,وخلفه انور السادات نائبه الذي كان ينتمي لحركة الضباط الاحرار.

2- قانون الاصلاح الزراعي 1952:

اهم الظروف لاصدار هذا القانون:

أ- نجاح الثورة في 23 يوليو 1952 وطرد الملك فاروق وحاشيته, شجع الحكومة المصرية الجديدة بدعم من جمال عبد الناصر اصدار هذا القانون, فقد كان عبد الناصر قد قال في كتابه فلسفة الثورة: “الثورة هي ثورتان, ثورة سياسية وثورة اجتماعية في آن واحد” ولهذا كان لا بد من سن هذا القانون الذي جاء لصالح الفلاحين لاحداث تغييرات اجتماعية.

ب- كان جمال عبد الناصر بالاساس ينتمي الى الطبقات المغلوبة على امرها, واعتقد ان الاقطاعيين كانوا قد سلبوا هذه الاراضي الواسعة ظلما وعدوانا على مر السنين بايدي نسبة قليلة من الاقطاعيين الامر الذي ادى الى التفاوت الطبقي, والظلم الاجتماعي, فجاء عبد الناصر وفي نيته تحقيق العدالة الاجتماعية, فتحدى هؤلاء الاقطاعيين ليقول لهم: من اين لكم هذا؟

أهم ما جاء في القانون:

* صادر اراضي الاقطاعيين وحدد الملكية ب200 فدان فقط .

*وزع الاراضي المصادرة على الفلاحين ,واعطى كل فلاح من 2- 5 افدنة باسعار رخيصة جدا وباقساط مريحة ,وسجلت هذه الاسعار الاراضي رسميا على اسم الفلاحين.

*زود الفلاحين بالارشاد الزراعي, والادوات الزراعية, والبذور, والاشتال.

نلاحظ ان هذا الانجاز العظيم الذي لاقى معارضة شديدة من الاقطاعيين وتأييد كبير من الفلاحين والعمال قد حقق اهم اهداف الثورة, وهو القضاء على الاقطاع, والاحتكار, والعدالة الاجتماعية ثم ان هذا القانون قلص التفاوت الطبقي, وساعد في النهوض بالانتاج الوطني.

وحقق حياة اجتماعية افضل وكذلك اقتصادية للفلاحين , وقد تطورت الزراعة بسبب هذا القانون كذلك زادت مساحات زراعة القطن, ومن هنا تطورت صناعة النسيج ,وبدأ الفلاح يشعر بالكرامة ويعمل لكسب الربح لصالحه بعد ان كان يعمل لصالح الاقطاعيين , ويمكن ان نعتبر قانون الاصلاح الزراعي من اهم انجازات الثورة الداخلية الاقتصادية على الصعيد الزراعي.

من الجدير بالذكر ان جمال عبد الناصر حدد ملكية الارض على مراحل, ففي بداية الستينات أي بعد عشر سنوات من اصادر هذا القانون, اصدر اجراءات اشتراكية اخرى حددت ملكية الارض بسبعين الى خمسين فدان فقط.

وقال في هذه المناسبة: ان الثورة لم تتوقف بل الثورة كانت مستمرة

هكذا كان هذا الانجاز على الصعيد الاقتصادي او الداخلي.

3- اتفاقية الجلاء عام 1954 :

هي اتفاقية بين الحكومة المصرية في فترة رئاسة عبد الناصر وبين حكومة بريطانيا .

الظروف لتوقيع هذه الاتفاقية:

أ- نجاح الثورة في 23 يوليو 1952 وطرد الملك فاروق وحاشيته, شجع الحكومة المصرية الجديدة بدعم من جمال عبد الناصر اصدار هذا القانون, ولهذا كان لا بد من توقيع اتفاقية بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية لتحقيق الاستقلال الكامل, الاستقلال السياسي وهو اهم هدف من اهداف الثورة, وقد اختار جمال عبد الناصر طريق المفاوضات مع حكومة بريطانيا, واستجابت بريطانيا.

ب- تراجع قوة بريطانيا في منطقة الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا بعد ظهور المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي, والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة, وبدأت تظهر موجة من انحسار وتراجع الاستعمار في منطقة الشرق الاوسط, وفي القارة الاسيوية والافريقية, وقد ظهر ما يُعرف بهيئة الامم المتحدة التي شجعت الاستقلال, ثم ان الاتحاد السوفياتي نادى بتحرير الشعوب, وفي ظل تراجع بريطانيا العظمى سياسيا كان لا بد من الجلوس على طاولة المفاوضات للوصول الى تفاهمات جديدة مع مصر, وقد استغل جمال عبد الناصر الظروف الدولية لصالحه عندما اصبحت بريطانيا تسير خلف الولايات المتحدة وليس في المقدمة كما كانت قبل الحرب العالمية الاولى.

اهم ما جاء في اتفاقية الجلاء:

أ- تلتزم بريطانيا باخراج قواتها ومعداتها العسكرية من مصر خلال عشرين شهر من توقيع الاتفاقية, وبهذا تلتزم بريطانيا في اخراج اخر جندي بريطاني بعد 20 شهر من توقيع الاتفاقية.

ب- يحق لبريطانيا وبموافقة مصر ان تحتفظ في بعض المهندسين والفنيين الاجانب لادارة الملاحة في قناة السويس.

ج- تعترف بريطانيا بالغاء الاتفاقية الانجلو- مصرية التي وقعت في عام 1936, والتي تنص على ابقاء قواعد عسكرية بريطانية في مصر, فكانت اتفاقية الجلاء قد الغت هذه الاتفاقية التي لم تعطِ مصر استقلالا كاملا, فجاءت اتفاقية الجلاء لتحصل مصر على استقلالها الكامل وليس المنقوص.

تقييم الاتفاقية واهميتها:

نلاحظ ان هذه الاتفاقية تعتبر من اهم انجازات الثورة على الصعيد السياسي, لان هذه الاتفاقية الغت الاتفاقية الانجلومصرية التي وقعت في عام 1936 في فترة مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد ,والذي سمح لبريطانيا بالاحتفاظ بقواعد عسكرية بريطانية في منطقة القناة.

كما ان اتفاقية الجلاء قد حققت الاستقلال الكامل وغير المنقوص لمصر بعد 74 عام من الاحتلال البريطاني لمصر, ذلك لان هذه الاتفاقية نفذت, وخرج اخر جندي بريطاني من مصر في عام 1956.

4- تأميم القناة وحرب السويس1956:

كانت القناة التي حفرت في زمن الخديوي اسماعيل تدار من قبل الشركة العالمية لحفر قناة السويس, وقد اتفق سعيد باشا مع المهندس ديلسبس بان تدار هذه القناة على يد الشركة لمدة 99 عاما.

وبعد نجاح الثورة وجلاء القوات البريطانية من مصر طلب الرئيس جمال عبد الناصر قرضا من البنك الدولي لبناء السد العالي, والنهوض بالانتاج الوطني رفض البنك الدولي بتحريض من الولايات المتحدة هذا الطلب فقام جمال عبد الناصر بخطوة جريئة معلنا عن تأميم القناة في عام 1956 مدعيا ان مصر بحاجة الى قناتها لدعم اقتصاد مصر, وقد سيطر المصريون على القناة ,وطردوا المهندسين والفنيين الاجانب ,الامر الذي اغضب كل من بريطانيا وفرنسا, فكان العدوان الثلاثي على مصر حيث انضمت اسرائيل الى هذا العدوان, وصمد الشعب المصري بالرغم من الضربات القاسية على بور سعيد ومدن القناة, وكانت هذه الازمة قد حركت الاتحاد السوفياتي الصديق لجمال عبد الناصر, فكان خورتشوف رئيس للاتحاد السوفياتي قد هدد كل من فرنسا, وبريطانيا, واسرائيل, وطلب الانسحاب فورا من مصر والقناة ,وقد ايدت الولايات المتحدة هذا الطلب لاحتواء الازمة, فانسحبت الدول المعتدية ,وهكذا حقق جمال عبد الناصر الاستقلال الاقتصادي والاستقلال السياسي.

5- بناء السد العالي1959-1969:

بدأ البناء في عام 1959 عند منطقة اسوان الاثرية جنوب مصر, وكان هذا المشروع من اضخم المشاريع التي اهتم بها عبد الناصر, فاقيم هذا السد للاهداف التالية:

أ- التحكم في مياه نهر النيل,ومنع فيضانه ,فقد كانت مصر تعاني من فيضان نهر النيل قبل بناء هذا السد, وكانت الخسائر البشرية والمادية في كل سنة ,فقد كانت هذه الفيضانات تغمر الاراضي المزروعة ,وتخرب المباني, وكان هذا السد قد طور مصر من ناحية زراعية.

ب- توليد الكهرباء: كان هذا السد قد افاد مصر من ناحية اقتصادية وصناعية, بسبب الشلالات التي انحدرت من فوق هذا السد حيث اقيمت مولدات الكهرباء التي وفرت الكهرباء للمصانع والمدن.

ج- بحيرة ناصر والثروة السمكية: تكونت بحيرة ناصر الواسعة خلف السد, وقد استفادت مصر من هذه البحيرة الثروة السمكية, ثم ان هذا السد يعتبر من اهم المناطق السياحية في مصر وفي منطقة اسوان الاثرية.

هكذا يمكن اعتبار هذا السد الذي ما زال شاهدا على عظمة عبد الناصر من اهم الانجازات على الصعيد الداخلي.

6-التعليم والثقافة: كانت نسبة الأميّة قبل الثورة عالية جدا، واهتم عبد الناصر في التعليم والقضاء على الجهل الذي خلّفه الاستعمار ، فاقيمت شبكة من المدارس الحكومية في جميع المحافظات والقرى على شتى المستويات . كذلك اهتم جمال عبد الناصر بالتعليم العالي فاقيمت الجامعات والكليات والتي ضمت الالاف من الطلاب الجامعيين الذين اختصوا في مجالات عدة. وقد كانت هذه الانجازات عظيمة جعلت من مصر دولة متقدمة حضاريا وثقافيا وعلميا .

الانجازات على الصعيد الخارجي:-

1- اتفاقية السودان 1953:- كان السودان حكما ثنائيا انجليزيا- مصريا, وقد وقع السودان تحت الاحتلال البريطاني المصري المشترك بعد احتلال مصر في عام 1882 . قام المهدي بثورة في السودان الا ان جيش الانجليزي المشترك اخمد هذه الثورة, ووقع السودان تحت الاحتلال الانجليزي المصري المشترك, ورفع العلم المصري والعلم الانجليزي على الخرطوم عاصمة السودان .بعد الثورة وفي عام 1953 وقّع عبد الناصر اتفاقية مع السودان الدولة المجاورة لمصر من جهة الجنوب ,وبموجب هذه الاتفاقية شكلت لجنة لادارة السودان لفترة انتقالية تنتهي بالاعلان عن استقلال السودان, وفصله عن مصر, وهكذا حقق عبد الناصر رغبات الشعب السوداني الا وهي الاستقلال والانفصال عن مصر بالرغم من ان عبد الناصر كان من دعاة الوحدة العربية, وقد حصل السودان على الاستقلال في فترة عبد الناصر خلال فترة انتقالية مدتها 3 سنوات.

2- دائرة عدم الانحياز (مؤتمر باندونغ) 1955 في اندونيسيا:-

كان جمال عبد الناصر من اهم الزعماء الذين حضروا هذا المؤتمر, وقد اقترح عبد الناصر على اصدقائه احمد سوكارنو الرئيس الاندونيسي ونهرو الرئيس الهندي اقامة كتلة او دائرة اطلق عليها دائرة عدم الانحياز رافعا شعارا ( لا شرق ولا غرب), ونادى بالحياد الايجابي , ووافق كل من سوكارنو ونهرو على هذه الفكرة, ووجهت دعوة مشتركة من باندونغ في اندونيسيا لزعماء دول العالم الثالث او الدول النامية للانضمام الى هذه الكتلة التي سميت بدائرة عدم الانحياز.

كان عبد الناصر وزملائه يعرفون مدى خطورة الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي الشيوعي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الرأسمالي الديمقراطي ولهذا فضل هؤلاء الزعماء التوجه الايجابي الى كلا المعسكرين بشرط عدم تدخل المعسكر الغربي والشرقي في الدول النامية التي رحبت بالمساعدات المادية من كلا المعسكرين. وكانت دائرة عدم الانحياز من اهم الانجازات على الصعيد الخارجي في عهد جمال عبد الناصر.

3-الوحدة السورية المصرية 1958-1961:

كان حلم عبد الناصر وحدة العالم العربي من المحيط الى الخليج, وقد آمن بهذا الفكر القومي الا ان هذا الحلم الكبير لم يتحقق. لكن اعلن عن قيام الوحدة بين سوريا ومصر في عام 1958 وبخاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر والاخطار الخارجية على سوريا من قبل تركيا ,ونمو الوعي القومي في كلا البلدين, والتقارب من حيث المبادئ , فحزب البعث يؤمن بفكرة الوحدة وكذلك الفكر الناصري.

كانت الوحدة بين القطر السوري والمصري كاملة, واصبح عبد الناصر رئيسا لها, واطلق عليها الجمهورية العربية المتحدة (ج.ع.م).

هذه الوحدة لم تعمر طويلا, فقد حدث انقلاب في سوريا عام 1961 ,واعلن عن فك الوحدة او الانفصال, كان ذلك بسبب المؤامرات الاستعمارية, ومؤامرات بعض ملوك وزعماء الدول العربية خوفا على عروشهم , ثم اتهام عبد الناصر بالتسلط, كذلك ساهمت الطبقة البرجوازية الوسطى في سوريا في اسقاط الوحدة, لان البرجوازية المصرية سيطرت على اسواق سوريا, فتخوفت الطبقة البرجوازية السورية من هذا التسلط . هذه هي العوامل مجمعة التي افشلت الوحدة, ولكن يمكن ان نعتبر الوحدة السورية المصرية انجازا كبيرا على الصعيد الخارجي والقومي.

ومن الانجازات الاخرى على الصعيد الخارجي مساعدة جمال عبد الناصر لاخوانه العرب على الاستقلال فقد ساعد في استقلال تونس والجزائر وتدخل في الثورة اليمنية الى جانب عبد الله السلال الذي ثار ضد حكم الامام بدر ابن يحيى.

حرب 1967 عام النكسة

شهادة معاصر (الكاتب) انظر صفحة 66 في كتاب امل وعطاء بالرغم

كنت في الصف السادس عند نشوب حرب 1967 كانت حرب تمتاز بالحرب النفسية من كلا الجانبين، فاستعملت كل وسائل الإعلام من اجل ذلك، وأنت المواطن البسيط لا تدري من هو الصادق ومن هو المغرض، وما هي الحقائق التي تدور على الجبهة، فكانت وسائل الإعلام غير موضوعية.1967

التي تخرج من المذياع بصورة دراماتيكية لإقناع السامعين بالمصداقية، ولكن هذا الشيء لم ينطلِ على اغلب القارئين أو السامعين.

فكانت هناك عدم ثقة ما بين الجبهة الداخلية ووسائل الإعلام، وبخاصة من الجانب العربي، لان تصريحات احمد سعيد الغير مسؤولة مثل “هنيئاً لك يا سمك”، ما زالت عالقة في الأذهان لان السمك انتظر جثة واحدة في حرب 1967 ولم تأتِ، وظل صائماً منتظراً وعود احمد سعيد الكاذبة الغوغائية التي لا تليق بإنسان، منتصر متحضر فما بالك إذا جاءت من الطرف الخاسر، هذه التصريحات الغريبة من نوعها، عادت بالضرر على كل عربي سمع هذه الكلمات، الم يتذكر قول الصديق أبي بكر عندما خرجت الجيوش الإسلامية لتحارب خارج الجزيرة العربية حينها قال:-“لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا صومعة”.

فيا لتعاسه ويا لغباء السعيد هذا، فالسعيد أصبح تعيساً عند انتهاء الحرب بعد ستة أيام وخفت وسكت صوت احمد سعيد مع سكوت المدافع، واختفى هذا الرجل بسرعة، ويا ليته لم يظهر في وسائل الإعلام مهما كانت النتائج.

فكان ظهوره سريعاً وقال ما قاله، ثم اختفى بسرعة وسكت لان كل ما سمعه اشتم رائحة المبالغة في كلامه، فهذا الكلام لم يكن لمصلحة مصر بل لمصلحة إسرائيل التي صورت العرب، بالصورة البشعة الذين لا يؤمن شرهم، حتى أن هذه التصريحات خدمت الإعلام الإسرائيلي، وتعاطف العالم مع إسرائيل، ولم يتعاطف مع السمك الذي انتظر وانتظر وهو يحلم، وأما أظافر العرب فقد بقيت باطلة عن العمل، ووقع الكثير منهم في الأسر والقتل، وكانت هزيمة العرب هزيمة نكراء، فلا صاروخ ظافر يا ناصر, ولا صاروخ قاهر، ولا أظافر حسن أو حسنين أو احمد، أو جمال، قد نفعت يا احمد سعيد، ولماذا در الرماد في العيون؟ وهل هذه التصريحات يقبلها العاقل أو الجاهل؟ ولماذا هذا الترويع؟ فهل هذه الكلمات تخدم الحرب النفسية؟ وهل هذا الوجه الحقيقي للعربي أو المسلم؟ فهناك أساليب أخرى للحرب النفسية، أليس كذلك؟ فلهذا بضاعتكم قد ردت إليكم يا احمد سعيد الذي قلت ما قيل لك كما تقول الببغاء، فنحن العرب يجب أن نعرف أن نختار الكلمات ولكل مقام مقال- وقد توسعت اسرائيل فاحتلت قطاع غزة وسيناء من مصر ثم احتلت الضفة الضفة الغربية التي كانت تحت سيطرة الاردن وضاعت هضبة الجولان من سوريا .

أنني اكتب عن هذه الحرب كشاهد عيان وليس كباحث واكتفي بهذا القسط من الجوانب من هذه الحرب التي خاض الباحثون والشاهدون على هذه الحرب كثيرا كثيرا.

كتب في هذا السياق بقلم الاستاذ فؤاد كبها: الجزء الاول اربعون عاماً على وفاة الزعيم الراحل عبد الناصر

‫5 تعليقات

  1. مشكور أستاذ فؤاد كبها
    إنّ له أعمال جيدة لا ينكرها أحد كتأميم القناة والقضاء على الإقطاع وأمور أخرى كثيرة ذكرتها في مقالتك .
    لكنّك قمت بتذكيرنا في الشهيد ” سيد قطب ” رحمه الله .
    إن كان هناك إمكانية كتابة موضوع عن حياة الشهيد .
    وعن الضابط “عبد الحكيم عامر ” وجميع ما يتعلّق بأولاده .

  2. حلو الاستاذ فؤاد لو كل واحد زي عبد الناصر كان احنا في خير (اعجبني)

  3. شكرا لك اخي الكريم علي هذا الموضوع واتمني ان تعرض موضوع للبطل رفعت الهجان والبطل احمد الهوان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة