قراءة في قصة الأطفال “احذر يا جدّي” للكاتب سهيل عيساوي

تاريخ النشر: 06/05/14 | 12:54

أهداني، مشكورًا، الكاتب المربّي ومدير مدرسة ابن سينا الابتدائيّة في كفر مندا، بعضًا من إبداعاته في الكتابة للأطفال وهي: “يارا ترسم حلمًا” وَ “احذر يا جدّي”. كما أهدى نسخة من الكتاب الثاني لمكتبة كليّة سخنين لتأهيل المعلّمين الّتي أحاضر فيها وأرافق قسمًا من طلّاب التخصّص في موضوع اللّغة العربيّة في السّنة الأولى بالتّربيّة العمليّة في مدرسته.
أوّلًا: أقدّم له، باسمي وباسم كليّة سخنين والطلّاب، أسمى آيات الشّكر والتّقدير على استقبال طلّابنا في مدرسته وعلى إهدائه كتب الأطفال، متمنّين له مزيدًا من الإبداع والعطاء.
ثانيًا: رأيت من واجبي أن أقدّم له قراءة في كتابه “احذر يا جدّي” على الرّغم من أنّني لستُ ناقدًا أدبيًّا أو عاملًا في مجال الأطفال. لكن من خلال مطالعاتي وقراءاتي وعملي كمعلّم ومحاضر ومرشد لموضوع اللّغة العربيّة، أردت أن أقدّم بعض الملاحظات حول هذا العمل الأدبيّ الهامّ في مجال أدب الأطفال، راجيًا أن يفيد الكاتب أوّلًا ويساهم في تطوير هذا النّوع من الأدب في بلادنا ثانيًا، حيث نرى في المكتبات والمعارض غزارة ووفرة في الكتابات للأطفال منها الغثّ ومنها السمين.
ثالثًا: قصّة “احذر يا جدّي” تأليف: سهيل إبراهيم عيساوي، تدقيق لغويّ: الأستاذ أحمد شدافنة، لوحة الغلاف: فينا تنئيل، رسومات داخليّة: أروى أيوب، حقوق الطبع محفوظة للمؤلّف، بدون تاريخ للإصدار.
رابعًا: لم يكتب أيّ ناقد أو معلّق أو قارئ عن هذه القصّة من قبل.

التّعريف بالكاتب:
سهيل إبراهيم عيساوي أستاذ ومربّ وشاعر وأديب ومؤرّخ ومدوّن، من مواليد قرية كفر مندا – الجليل بتاريخ 1973\1\15، متزوّج وله أربعة أولاد، أنهى دراسته الثانويّة في قرية كفر مندا وتابع دراسته الأكاديميّة بعد ذلك، حاصل على شهادة البكالوريوس B.A في موضوع تاريخ الشرق الأوسط والعلوم السياسيّة، وعلى شهادة الماجستير M.A في موضوع تاريخ الشعب اليهوديّ من جامعة بن غوريون في بئر السبع، عمل في سلك التّدريس في منطقة النقب في مدينة رهط لمدة 9 سنوات، وبعدها عُيِّن مديرًا لمدرسة ابن سينا الابتدائيّة في قريته كفر مندا سنة 2004 وما زال إلى الآن يشغل هذا المنصب.
صدر للكاتب أكثر من 20 كتابًا توزّعت على الشّعر والنّثر والتّاريخ والسّياسة وأدب الأطفال:
– وتعود الأطيار إلى أوكارها- (قصائد). 1994.
– نظارتي – (تأمّلات).1996.
_ فردوس العاشقين- (قصائد وخواطر).1996.
– وتشرق أسطورة الإنسان- (قصائد). 1998.
– بين فكّي التّاريخ- (بحث تاريخيّ).1999.
– غسّان 2000- (وهو دراسة عن الشّيخ غسّان حاج يحيى). 2000.
– أوراق متناثرة- مقالات، 2003.
– قصائد تغازل الشّمس (قصائد)،2003.
– ثورات فجّرت صمت التّاريخ الإسلاميّ. ( بحث تاريخيّ) 2005.
– النحت في ذاكرة الصّحراء ( ذكريات ومواقف)2007.
– معارك فاصلة في التّاريخ الإسلاميّ، (بحث تاريخيّ) 2008.
60 _ لعبة شعبيّة، إعداد وترجمة، مشترك مع د.أمين مقطرن، محمد جنداوي، وفيقة أيوب، إصدار وزارة المعارف،2008.
– عندما تصمت طيور الوطن، (شعر) 2009.
– الطريق إلى كفر مندا عروس البطوف. (بحث شامل) 2010.
– تصبحون على ثورة، (بحث سياسيّ) 2011.
قصص للأطفال: يارا ترسم حلما2013، بجانب أبي2013، الأميرة ميار وحبّات الخوخ2013، طاهر يتعثّر بالشّبكة العنكبوتيّة2013، الصيّاد والفانوس السّحريّ2014، احذر يا جدّي (ب.ت).
وللأديب عدّة إسهامات هامّة في مجال أدب الأطفال المحليّ، من مقالات وقراءات ونقد.
كما أنّه نشر قسمًا كبيرًا من إنتاجه الكتابيّ النثريّ والشعريّ في مختلف الصحف والمجلّات المحليّة وخارج البلاد في الدول العربيّة، وأيضًا في الكثير من مواقع الإنترنت الأدبيّة والثقافيّة محليًّا وعربيًّا وعالميًّا.
ترجمت بعض أعماله لعدّة لغات منها الإنجليزيّة والعبريّة والفرنسيّة والإيطاليّة والرومانيّة والبلغاريّة والألمانيّة.
صدر عنه: إضاءات في شاعريّة سهيل عيساوي 2009، للكاتب المغربيّ محمد داني. وكتب عن نتاجه الأدباء المحليّون: صالح أحمد، حاتم جوعية، علي قدح، غسان حاج يحيى، وتمّ اختيار قصته “يارا ترسم حلما” ضمن مشروع مسيرة الكتاب للعام الدراسيّ الحاليّ.
يوسف حمد سعيد- نحف

مقدّمة
يعرِّف الدكتور علي الحديدي أدب الأطفال بقوله:
“أدب الأطفال خبرة لغويّة في شكل فنّيّ، يبدعه الفنّان خاصّة للأطفال فيما بين الثانية والثانية عشرة أو أكثر قليلًا، يعيشونه ويتفاعلون معه، فيمنحهم المتعة والتسلية، ويدخل على قلوبهم البهجة والمرح، وينمّي فيهم الإحساس بالجمال وتذوّقه، ويقوّي تقديرهم للخير ومحبّته، ويطلق العنان لخيالاتهم وطاقاتهم الإبداعيّة، ويبني فيهم الإنسان”(الحديدي،1996).
وتعتبر القصّة أكثر الأنواع الأدبيّة انتشارًا وشيوعًا بين الأطفال، وأشدّها جاذبيّة لهم، ولا يمكن تصوّر الطفل دون أن نتخيّله مع لعبة يلعب بها، وحكاية يستمع إليها، أو قصّة يقرأها في كتاب، أو يشاهد أحداثها في الإذاعة المرئيّة، يعيش أحداثها، وينفعل بها فرحًا أو حزنًا، غضبًا أو رضًا، أمنًا أو خوفًا. وإذا كان الطفل مشبعًا بعنصر الخيال، مزوّدًا بالقدرة على التجسيد، فإنّه يرافق أبطاله يطوف معهم العالم، ويذهب إلى حيث يذهبون، ويغامر معهم إن كانوا يغامرون، ومن كلّ ذلك يشبع خياله الإيهاميّ، وتزداد خبراته.
فمن خلال القصّة يستخلص الأطفال العبرة والمفهوم والسلوك المرغوب فيه اجتماعيًّا بطريقة مشوّقة تخلو من الأمر والنهي(هدى الناشف، 1998). وتقول نجلاء علي في هذا السياق: “إذا كان الهدف الأوّل من القصص هو التّرويح عن الصغار، والتّنفيس عن رغباتهم المكبوتة، وتحريرهم بعض الوقت من القيود الاجتماعيّة التي تفرضها الحياة العصريّة؛ فإنّ للقصص أهدافًا تربويّة وثقافيّة، فكثيرًا ما يلجأ إليها المربّون لنشر معلومة أو تدعيم قيمة أو لإثارة التفكير وتنميته لدى الأطفال(د.نجلاء علي،2011).
ويحدّد الدكتور علي الحديدي عناصر القصّة للأطفال بقوله: “وأهمّ عناصر القصّة الّتي يجب أن تراعى عند التأليف للأطفال يمكن تلخيصها فيما يلي:
الحبكة- بيئة القصّة الزّمانيّة والمكانيّة- الموضوع- الشّخوص- الأسلوب- الشّكل والحجم.(د. الحديدي، 1996).
والآن إلى قصّة”احذر يا جدّي”
فكرة القصّة
حوادث السّير وخاصّة دهس الأطفال الّذي يقع في ساحات بيوتنا، ومثل هذه الحوادث الّتي يمكن أن نمنعها بقليل من الحذر.

ملخّص القصّة
تدور أحداث القصّة حول شخصيّة “تامر” طفل الثّالثة، المشاكس الشّقيّ وبنفس الوقت المحبوب من الجميع، والّذي يستغلّ ساحة البيت للّعب بالكرة مع أصدقائه. وحول شخصيّة الجدّ “سامي” ابن الستّين الّذي يحقّق حلمه بحصوله على رخصة سياقة، ويقتني سيّارة ويوقفها في ساحة البيت ليحجز مكان لعب تامر وأصدقائه. وحدث أن قام الجدّ، من غير قصد، بدهس الحفيد ولكن كانت الإصابة طفيفة، وأنّ الله لطف. فيتأثّر الجدّ كثيرًا، وفي اليوم التّالي للحادث يقرّر إيقاف سيّارته بجانب الرّصيف ليخلي السّاحة لحفيده وأصدقائه.

الحبكة القصصيّة
المقدّمة (البداية): تبدأ القصّة بوصف شخصيّة الطّفل تامر، ابن الثّالثة المشاكس الشّقيّ. ولم يقتصد الكاتب في ذكر كلّ ما يمكن أن يقوم به طفل الثّالثة من عبث في جميع محتويات البيت وممارسة لهوايات وفعّاليّات عديدة، إضافة إلى اللّعب مع أصدقائه في ساحة البيت. وعلى الرّغم من شقاوة تامر إلّا أنّ الجميع كان يحبّه من خلال القبلات الّتي كانوا يطبعونها على خدّه رغمًا عنه. فكان الوصف لسلوك تامر شاملًا متعدّدًا.
ثمّ ينتقل الكاتب إلى الجدّ سامي، ويفاجئنا بأنّه يحصل على رخصة سياقة وهو ابن الستّين الّذي يفرح كثيرًا ويرقص قلبه طربًا بتحقيق حلمه وحلم زوجته، ثمّ يقوم بعد أسبوع بشراء سيّارة ذهبيّة اللّون والّتي يوقفها أمام عتبة البيت. ويتذكّر بعض محطّات من حياته الماضيّة حين كان يسير على قدميه إذا أراد سفرًا إلى المدن القريبة، والحمار الّذي اشتراه له والده وكان ينقل عليه القمح والطّحين وعندما تزوّج زفّ على صهوة حصان.
العقدة (التّأزّم): يفرح أفراد العائلة جميعهم عندما يشتري الجدّ سيّارة إلّا تامر؛ لأنّ الجدّ أوقفها أمام عتبة البيت ولم يعد باستطاعته اللّعب مع أصدقائه في ساحة البيت، فالسيّارة احتلّت المكان. لكنّ الجدّ يعوّض تامر عن ذلك باصطحابه في سفرات قصيرة بالسيّارة.
الذّروة (قمّة التأزّم): في أحد الأيّام وعند محاولة الجدّ إيقاف السيّارة بجانب مدخل البيت، لم يسمع صراخ الأمّ من الشّرفة لأنّ نوافذ السيّارة كانت مغلقة وكان يستمع إلى أغنية تراثيّة، إضافة إلى السمع الضّعيف بسبب تقدّم السنّ، لكنّه بحدسه يشعر بأنّ شيئًا ما حدث، يتوقّف ويفتح باب السيّارة فيرى أنّ الحفيد ممدّد على الأرض غائب عن الوعي. فيتأثّر الجدّ كثيرًا ويكاد يغمى عليه، ويسرع في أخذ حفيده إلى الطّبيب. وهناك تتوارد الأفكار في نفسه فيما لو حدث مكروه لحفيده.

الحلّ(النهاية): أفاق الحفيد تامر من غيبوبته في العيادة وقد كانت إصابته طفيفة، فقامت الممرّضة بتضميد الخدوش في يده اليسرى، والطبيب منحه إجازة للرّاحة ومنعه من اللّعب والشقاوة لمدّة ثلاثة أيّام، ويعودان إلى البيت. وفي اليوم التّالي يقوم الجدّ بإيقاف سيّارته بجانب الرّصيف ليترك ساحة البيت للعب تامر وأصدقائه.

فالحبكة في قصّتنا مفكّكة وهي كما تقول د. عالية صالح: “هي التي تبنى على سلسلة من الحوادث أو المواقف المنفصلة الّتي تكاد لا ترتبط برباط ما، ووحدة العمل القصصيّ فيها لا تعتمد على تسلسل الحوادث، ولكن على البيئة الّتي تتحرّك فيها القصّة، أو الشخصيّة الأولى فيها، أو على النتيجة العامّة الّتي تنتظم الحوادث والشخصيّات جميعًا(د.عالية صالح،2005 ص274). وهي أيضًا حبكة مركّبة وهي الّتي تكون مركّبة من حكايتين أو أكثر(نجم، 1966ص73) وقصّتنا مبنيّة على حكايتين مترابطتين واحدة للحفيد تامر والأخرى للجدّ سامي.

العنوان
وهو أوّل ما يقع عليه نظر المتلقّي عند إقباله على شراء كتاب أو قراءته، فالعنوان قد يكون سببًا في الإحجام أو الإقدام، وهو يكثّف النصّ ويدلّ عليه. وله عدّة وظائف منها: الجماليّة من حيث إبراز الحروف، أو كتابته بخطوط جماليّة مختلفة ذات أحجام وأشكال مختلفة، أو تركيز محدّد. والوظيفة الأخرى هي الترويحيّة أو الإغرائيّة قصد إغراء القارئ بشرائه، فيكون التّركيز على شكله الفنّيّ من حيث الرّسومات والألوان المناسبة له(د.عالية صالح،2005 ص243).
فالعنوان “احذر يا جدّي” يبدأ بفعل طلبيّ “احذر” الّذي يوجّه الخطاب فيه إلى الجدّ، وهنا يثير التساؤل: من هو الّذي يطلب الحذر من الجدّ؟ وممَّ يحذّر الجدّ؟ وكلمة الجدّ تثير تداعيات قصص الأجداد، فما هي قصّة هذا الجدّ؟ ولذا فالعنوان مشوّقٌ لقراءة الكتاب ولمعرفة مضمونه. إضافة إلى أنّه مكتوب بخطّ كبير الحجم وملوّن باللّون الأخضر. وكنت أفضّل كتابته باللّون الأحمر لأنّ فيه تحذير.
والعنوان في هذه القصّة مرتبط بالمغزى والهدف الّذي يقصده الكاتب وهو زيادة وعي السّائقين في البيوت والحذر الشّديد عند قيادة السيّارة خاصّة في الأماكن الّتي يتواجد فيها الأطفال.
الشخصيّات
إنّ الشّخصيّة هي عنصر أساسيّ في بناء القصّة لأنّها تساهم في صنع الأحداث وتتأثّر بها سلبًا أو إيجابًا، ولا يمكن تخيّل قصّة دون شخصيّات(نور الدين الهاشمي،2006). ومن أنواع الشّخصيّات: الرّئيسيّة(المحوريّة/المركزيّة) والثّانويّة والهامشيّة.
وفي قصّتنا نجد شخصيّتين رئيسيّتين(محوريّتين) وهما:
تامر: معظم أحداث القصّة تدور حوله. نتعرّف عليه من خلال وصف الكاتب لسلوك هذه الشّخصيّة الطفليّة ابن الثّالثة، فلم يقتصد الكاتب في وصف هذا السّلوك الّذي يقوم به طفل في سنّه من شقاوة ومشاكسة وعبث بمحتويات البيت والخربشة على الجدران والاختباء وتقليد الكبار وإمطار الزوّار بالأسئلة واللّعب بالكرة مع الأصدقاء، ولكن على الرّغم من ذلك فالجميع يحبّونه ويطبعون القبل على خدّه عنوة. فهي شخصيّة مألوفة في كلّ بيت، فيمكن أن يكون أيّ اسم آخر غير تامر. ولكن لماذا اختار الكاتب هذا الاسم بالذّات؟ ربّما لأنّ هذا الاسم أكثر انتشارًا، أو ربّما لأنّ معناه الكثير التمر، أي الكثير الخير والرزق.
ولم يذكر لنا الكاتب الصّفات الجسديّة (الشّكل الخارجيّ) لشخصيّة تامر، ربّما قصدًا لتكون شخصيّة عامّة وليست خاصّة، فلا أهميّة لهذه الصّفات فالتّركيز هو على السّلوك. وربّما حتّى لا تنطبق هذه الصّفات على أحد التلاميذ أو الأطفال الّذين يقرأون أو يستمعون لهذه القصّة فيشعر بالإحراج.
يمكن أن نعتبرها شخصيّة مسطّحة وثابتة إذ لم يحدث عليها أيّ تغيير خلال أحداث القصّة.
الجدّ: نتعرّف على هذه الشّخصيّة الرّئيسيّة أيضًا من خلال وصف الكاتب لنفسيّتها وسلوكها. فاسمه سامي وهو ابن الستّين الّذي يفرح كثيرًا ويرقص قلبه طربًا عندما يبشّره معلّم السّواقة باجتيازه الامتحان العمليّ، وبهذا يحقّق حلمه وحلم زوجته. وبعد أسبوع يشتري سيّارة ذهبيّة اللّون ويوقفها أمام عتبة البيت اعتزازًا بها وحماية لها- دون علم بالأضرار الّتي لحقت بحفيده تامر الّذي لم يعد باستطاعته اللّعب مع أصدقائه في ساحة البيت- يعود الجدّ بذاكرته إلى أيّام الصّبا حين كان يسير على قدميه ليصل إلى بعض المدن القريبة مثل شفاعمرو وحيفا والنّاصرة، ونقل القمح والطّحين على الحمار، وحين زفّ على صهوة الحصان يوم زواجه. يحبّ الجدّ حفيده ويعبّر عن هذا الحبّ بعد شراء السّيّارة من خلال احتضان الحفيد وطبع القبلات الحارّة على وجهه وأخذه معه في سفرات قصيرة بالسيّارة. وحين يدهس حفيده يخاف كثيرًا ويصفرّ وجهه ويسرع في أخذه إلى الطّبيب وهناك يدخل في شبه غيبوبة وتتضارب الأفكار في رأسه فيما لو أصاب الحفيد أيّ مكروه فلن يستطيع أن يسامح نفسه أبدًا. لكن عندما يستفيق الحفيد من غيبوبته وتبيّن أنّ الإصابة كانت خفيفة وأنّ الله لطف، يتنفّس الجدّ الصّعداء وتنفرج أساريره. وفي اليوم التّالي يوقف السيّارة بجانب الرّصيف ويترك ساحة البيت لحفيده وأصدقائه، وكأنّه يعترف بخطئه.
هذا السّلوك من الجدّ (حبّ الأحفاد والخوف عليهم) ينطبق على جميع الأجداد ويمكن أن نختار أيّ اسم. ولكن لماذا اختار الكاتب اسم سامي؟ ربّما لأنّه اسم شائع وسهل على اللّفظ، أو لأنّه يحمل معنى السموّ في الأخلاق والمشاعر.
لم يذكر الكاتب إلّا بعض الصّفات الجسديّة للجدّ ليظهر فارق السنّ فقط، مثل: ضعف السّمع حين لم يسمع صرخات الأمّ، ضعف النّظر من خلال النظّارات السّميكة الّتي تسقط على الأرض حين يرى أنّه دهس حفيده. فكان التّركيز أكثر على نفسيّة الجدّ وهو الأهمّ.
يمكن اعتبارها شخصيّة مسطّحة ولكن إلى حدّ، فالتّغيير الّذي حدث له أنّه استطاع أن يحصل على رخصة سياقة وهو ابن السّتّين، وأن يشتري سيّارة ذهبيّة اللّون، وهذا ما عرفناه في بداية القصّة، وفي النّهاية شعر بذنبه في دهس حفيده ولذلك قام بإيقاف سيّارته بجانب الرّصيف وترك السّاحة لتامر وأصدقائه.
الشّخصيّات الثّانويّة
الأمّ: من الشّخصيّات الثّانوية والّتي تظهر فقط عندما يدهس الجدّ ابنها والّتي حاولت أن تنبّه الجدّ بصراخها من الشّرفة، لكن دون جدوى. وحين هزّت جسد تامر الممدّد على الأرض.
الأب: من الشّخصيّات الثّانويّة أيضًا، لم يكن له أيّ دور في القصّة إلّا في البداية أنّه كان ينهى ابنه تامر من اللّعب بجانب سيّارة الجدّ في ساحة البيت. ويظهر في نهاية القصّة حين تفحّص ساحة البيت ولم يجد سيّارة الجدّ فيقلق ويأخذ ابنه تامر ليتفقّده.
الطّبيب: الّذي يعالج تامر بعد إصابته ويقرّر أنّ الإصابة طفيفة وأنّ الله لطف، ويمنح إجازة لتامر لمدّة ثلاثة أيّام ويمنعه من اللّعب والشّقاوة ممّا يثير ضحك الجميع.
الشّخصيّات الهامشيّة
وهي الشخصيّات الّتي تذكر في القصّة ولكن لا دور لها في مجرى الأحداث ولا تأثير. ومنها: الزوّار لأسرة تامر، أصدقاء تامر الّذين يلعبون معه الكرة في ساحة البيت. والممرّضة الّتي لا تقوم إلّا بتضميد الخدوش في يد تامر اليسرى.

البيئة الزّمكانيّة
من العناصر الهامّة في القصّة تحديد زمان ومكان وقوع أحداثها. وكما تقول سيزا قاسم:
“يمثّل الزّمن عنصرًا من العناصر الأساسيّة الّتي يقوم عليها فنّ القصّ، فإذا كان الأدب يعدّ فنًّا زمنيًّا فإنّ القصّ هو أكثر الأنواع الأدبيّة التصاقًا بالزّمن”(سيزا قاسم،1984).
وفي قصّتنا:
الزّمان:لم يحدّد الكاتب زمنًا لوقوع الأحداث إلّا أنّنا نستطيع أن نستنتج أنّ هذه الأحداث واقعة في وقتنا الحاضر الّذي نعيشه من خلال ذكر بعض الشّواهد الحيّة في حياتنا اليوم، مثل: وجود السيّارة، والهاتف النقّال، والعيادة والطّبيب والممرّضة. إضافة إلى استخدام الفعل المضارع بكثرة في السرد.
وبالمقابل حدّد الكاتب بعض الأزمنة العامّة غير المحدّدة، مثل: ذات مساء، لم يمض أسبوع، في أحد الأيّام، إجازة لمدّة ثلاثة أيّام، أطلّت الشّمس برأسها تبشّر بيوم جديد… إضافة إلى تذكّر الجدّ لماضيه.

المكان
“عنصر من عناصر البناء القصصيّ الّذي تدور فيه الأحداث وتتحرّك الشخصيّات، ويقوم بدور المناظر الخلفيّة في المسرح، كما يلعب دورًا أساسيًّا في إظهار المضمون الاجتماعيّ أو السياسيّ للقصّة، وقد يجعل الكاتب المكان مقدّمة للقصّة وتمهيدًا لها”. (إيفلين فريد جورج يارد،ص217 – 218)
في قصّتنا يختار الكاتب وقوع معظم أحداث القصّة في ساحة بيت أسرة تامر، حيث يلعب تامر وأصدقاؤه الكرة ولعبة الاختفاء. وحين يشتري الجدّ سيّارة يوقفها أمام عتبة البيت فتستحوذ على هذا الملعب الأمر الّذي أغضب تامر. والسّاحة هي مسرح العقدة والذّروة حيث يتعرّض تامر للدّهس بسيّارة الجدّ.
وهناك بعض الأماكن الثّانويّة مثل: داخل بيت أسرة تامر، وما كان يقوم به تامر من شقاوة وعبث بمحتوياته.
يذكر الكاتب بعض المدن الفلسطينيّة عندما يتذكّر الجدّ أيّام صباه والّتي كان يصل إليها سيرًا على الأقدام، مثل: شفاعمرو، حيفا والنّاصرة. كذلك يذكر عيادة الطّبيب الّتي عولج فيها تامر بعد إصابته.
ونستطيع أن نستنتج، من خلال استذكار الجدّ لماضيه، أنّ أحداث هذه القصّة تدور في بيت ريفيّ لأسرة فلّاح في إحدى قرى منطقة الشمال القريبة من المدن الفلسطينيّة الّتي ذكرها الكاتب.

الأسلوب واللّغة
* استخدم الكاتب أسلوب السّرد بضمير الغائب، وقد انتدب له راويّا عليمًا والّذي يعرف كلّ شيء، والرّاوي هو: “ذلك الشّخص الّذي يروي الحكاية، أو يخبر عنها، سواء كانت حقيقيّة أم متخيّلة، ولا يشترط أن يكون الرّاوي اسمًا متعيّنًا، فقد يكتفي بأن يتقنّع بصوت أو يستعين بضمير ما، يصوغ بوساطته المرويّ”(عبد الله إبراهيم، 2000، ص19)، يسرد ظاهر الأمور وخافيها، ويصف ماضي الشخصيّات ودواخلها، ويعمد أحيانًا إلى التّعليق أو الوصف، مثل: فرح جميع أفراد العائلة بشراء السّيّارة إلّا تامرًا الصّغير، تذكّر الجدّ محطّات من حياته، تمتم بكلمات مبهمة، لم يسمع الجدّ صرخات الأمّ لكنّه بحدسه شعر أنّ شيئًا ما يحدث، على الرّغم من شقاوة تامر فإنّ الجميع يحبّونه، أحسّ أنّ الدّنيا تموج، تضاربت أفكار عديدة في رأسه الحائر، اصفرّ وجهه كالليمونة من شدّة الارتباك، طار الجدّ فرحًا وتراقص قلبه طربًا، كاد قلب الجدّ يسقط من شدّة الخوف، وكأنّ لسان حالهم يقول…

* استخدم الكاتب الحوار ولكن بشكل قليل جدّا، فقط في نهاية القصّة بين الحفيد والجدّ حول السيّارة الّتي لم تكن في مكانها في ساحة البيت، وهناك الحوار من طرف واحد، حين تصرخ الأمّ لتنبّه الجدّ: انتبه، وحين تصرخ لتقول له: صدمتَ، دهستَ تامر، وصراخ تامر في العيادة: ماما ماما حين أفاق من غيبوبته، وما قال طبيب الأطفال لتامر في العيادة.

* استخدم الكاتب المونولوج (الحوار الدّاخليّ) ليكشف نفسيّة الشّخصيّة، مثل: وقال الجدّ في نفسه: نجحت وأنا ابن الستّين! لقد تحقّق حلمي وحلم زوجتي. وحين تضاربت الأفكار العديدة في رأس الجدّ ليبيّن نفسيّته من خوف وارتباك وندم بعد أن دهس حفيده. وكأن لسان حالهم (الأسرة) يقول: ربّنا كبير، الحمد لله.

* استخدم الكاتب أسلوب الاسترجاع الفنّيّ وهو “الارتداد إلی الماضي أو الاسترجاع (فلاش بك) القطع المكانيّ والزمانيّ والمراوحة بين الحلم والواقع وتيار الوعي، والمونولوج الداخليّ أي الحوار الأحادي الّذي يتّصل بالشعر من حيث إنّه ذلك الكلام الّذي لا يسمع ولا يقال وبه تعبّر الشخصيّة عن أفكارها المكنونة دون تقيّد بالتنظيم المنطقيّ فتعتبر من أحدث التطوّرات في فنّ القصّة”. (نجم، محمد يوسف. 1979) فالجدّ في قصّتنا حين يشتري سيّارة يتذكّر محطّات من حياته: كيف كان يسير على قدميه أيّام صباه حتّى يصل شفاعمرو وحيفا والنّاصرة، وعندما اشترى له المرحوم والده حمارًا لينقل على ظهره القمح والطّحين، وعندما تزوّج زُفّ على صهوة حصان…

* اللّغة
“تُعدّ اللّغة عاملًا‌ أساسيًّا‌ في بناء العمل الأدبيّ إذ تنبع أهميّتها من سيطرتها علی الشّكل الخارجيّ للعمل الفنّيّ فهي ليست مجرّد ناقل أو مادّة خام تقدّم عناصر العمل الفنّيّ بل هي المصدر الأساسيّ الّذي يكشف العالم الداخليّ ويوحّد بينه وبين العالم الخارجيّ. كما أنّ اللّغة تختلف من بقية العناصر الفنّيّة بأنّها الوعاء الحامل لفكر الإنسان وهي القادرة على جعل الماضي واقعًا‌ معاشًا، كما أنّها تمتدّ بالحاضر إلی رؤية مستقبليّة مشحونة بالتوقّعات وتمتاز كذلك بالدّيناميّة في بنائها فتشكّل تجاسًّا في العمل من خلال أدوارها وعليها أن تكون منسجمة مع أسلوب الكاتب في رسم شخصيّاته”. (السعافين،1989)
وفي قصّتنا:
* استخدم الكاتب اللّغة الفصيحة في السرد والحوار، ونستطيع القول إنّه استخدم بعض الكلمات والتّعابير الصّعبة للمستوى اللّغوي لمتلقّي هذه القصّة “جيل 10-13″، مثل: يقلب الأشياء رأسًا على عقب، انتزاع قبلة منه عنوة، أحجم عن السياقة قطعيًّا، تضاربت أفكار عديدة في رأسه الحائر، زفّ على صهوة حصان، استحوذت، أتراب، تنفّس الصعداء وانفرجت أساريره، بحدسه، سيل الأسئلة العارمة…

* كما أنّ الكاتب لجأ إلی اللغة الثالثة التي تقع بين العاميّة والفصحی والتي تقرب من الاستعمال العاميّ إذا قُرئت بتسكين أواخر كلماتها، مثل: اصفرّ وجهه كالليمونة، مِنْ أوّل غَزواته كَسَر عَصاته، يخربش، تخدش، لا سمح الله، بسحْب رخصة السياقة، هل نعود أصدقاء كما كنّا، فهو لا يترك شاردة ولا واردة، ربّنا كبير، الحمد لله، عتبة البيت…

* الكلمات والألفاظ جاءت جميعها مشكولة شكلًا تامًّا حتّى اسم العلم تامر الّذي يجوز أن لا يشكّل آخره.

* استخدم الكاتب النّعوت الكثيرة، مثل: طفلٌ مشاكسٌ وشقيٌّ، ويمطرُهُم بالأسئلة البريئة، صار خدّه الأحمر مسرحًا، يقلّد لاعب كرة ماهر ومشهور، قام الجدّ بشراء سيّارة ذهبيّة اللّون، يفتح ذراعيه الصّغيرين لاحتضان السّيّارة الكبيرة، على جبينه الغضّ، أغنية تراثيّة، سقطت نظّارته السّميكة، تمتم بكلمات مبهمة، ضحك الجميع بصوت عال، الشّمس تُبشّر بيوم جديد…

* طعّم الكاتب قصّته ببعض الأمثال والأقوال الشّعبيّة الفصيحة المتداولة في مجتمعنا الفلسطيني في الدّاخل مثل: من أوّل غزواته كسر عصاته، لا يترك شاردة ولا واردة، إنّ الله لطف، لا سمح الله، حبيب قلبي يا روحي، ربّنا كبير… وذلك ليدلّ على واقعيّة القصّة وبيئتها المحليّة.

* حسنًا فعل الكاتب في استخدام بعض الكلمات والتّعابير العربيّة بدل الكلمات والتّعابير العبريّة الّتي تطغى على لغتنا في هذه الأيّام، مثل: الهاتف النّقّال، اجتاز الامتحان العمليّ، حاوية القمامة، حزام الأمان، فرامل السّيّارة، رخصة السّياقة، العيادة، إجازة للرّاحة، بجانب الرّصيف… الأمر الّذي يساهم في رفع مستوى لغتنا ويحافظ عليها في كتاباتنا وقراءاتنا وحديثنا.

* استخدم الكاتب الجمل القصيرة والمتوسّطة الطّول، وجاءت معظم الجمل معطوفة على ما قبلها بأداة عطف وخاصّة الواو، وأحيانًا بدون أداة. كذلك استخدم الجمل الفعليّة بكثرة وهذا ما يميّز النّصّ السّرديّ ولكنّه استعمل الفعل المضارع كثيرًا(70 فعلًا مضارعًا مقابل 52 فعلًا ماضيًا) ليؤكّد على الزّمن الحاضر وأن الأحداث لا زالت مستمرّة حتّى اليوم، إضافة إلى أنّه استخدم الجمل الاسميّة ولكن بشكل أقلّ(25 جملة).

* استخدم الكاتب بعض الأساليب البيانيّة كالتّشبيه والاستعارة(التّشخيص) ممّا يميّز الكتابة الأدبيّة، مثل:
“يمطرهم بالأسئلة البريئة”ص2، “صار خدّه مسرحًا لقبل متشابكة”، “تخرج الكلمات من ثغره كحلاوة شرقيّة”، “وقع خطواته موسيقى”ص4، طار الجدّ فرحًا وتراقص قلبه طربًا”ص8، “اصفرّ وجهه كاللّيمونة”ص18، “تضاربت أفكار عديدة في رأسه الحائر”ص20، “وكأنّ لسان حالهم يقول…”ص22، “أطلّت الشّمس برأسها تبشّر بيوم جديد”ص24.
ولم يستخدم السّجع والتّكرار، ربّما لأنّه راعى الأفكار والمضمون، أو ربّما لأنّها موجّهة لجيل الطّفولة المتوسّطة وما بعدها.
وفي هذا السّياق يجب أن نلفت الانتباه إلى بعض الأخطاء اللّغويّة الّتي وردت في القصّة:

الأخطاء اللّغويّة
_ كلمة “بِنَشَوَةٍ” ص4، والصّحيح “بِنَشْوَةٍ” بتسكين حرف الشّين.
– كلمة “وإحداثِ” ص12، والصّحيح “وإحداثَ” بفتح الآخر لأنّها معطوفة على كلمة اللّعب فهي منصوبة.
– كلمة “تامرُ” ص14، والصّحيح “تامرٍ” بتنوين الكسر لأنّها مضاف إليه(كما يجوز عدم تشكيل اسم العلم).
– كلمة “السِّيّارة”ص14، والصّحيح “السَّيّارة” بفتح السّين وليس بالكسر.
– كلمة “يحاولَ” ص16، والصحيح “يحاولُ” بالضمّ لأنّها فعل مضارع مرفوع.
– التعبير”سيل الأسئلة العارمة”ص22، والصّحيح هو سيل الأسئلة العارم؛ لأنّ صفة العارم هي للسّيل.
الهمزة:
-كلمة “إِحْذَر” في العنوان وفي الصّفحة الأولى والصّحيح “اِحْذَرْ” لأنّها همزة وصل (أمر الثّلاثيّ).
– كلمتي “الكتروني، ايوب”ص1، والصّحيح “إلكتروني، أيوب” لأنّها همزات قطع(أسماء).
– “تَمْلاُ”ص4 بدون همزة، والصّحيح “تملأُ” مع همزة.
– كلمة “ايقافها”ص16، والصّحيح “إيقافها” لأنّها همزة قطع (مصدر الرباعيّ على أفعل).
– كلمة “واحْجِمُ” ص20، والصّحيح “وأُحْجِمُ” لأنّها همزة قطع (مضارع المتكلّم).
الشدّة:
-كلمة”مَحَطات”ص10، يجب أن توضع شدّة على الطّاء، فالصّحيح هكذا”مَحَطّات”.
– كلمة”الذّي”ص16، يجب أن تكون الشّدّة على اللّام، فالصّحيح هكذا”الّذي”.
– كلمة”كلاّ”ص24، يجب أن تكون الشّدّة على اللّام، فالصّحيح هكذا”كَلّا”.
علامات التّرقيم:
_ الفاصلة: “إلّا تامرًا الصّغير، لأنّ سيّارة…”ص12، يجب أن تستخدم الفاصلة المنقوطة؛ لأنّ الجملة الثّانية سببًا للجملة الأولى.
– النقطتان المتتاليتان: “تامر خلف سيّارتك..”ص16، إضافة إلى عدم استخدام أيّ علامة ترقيم بعد جملة”تامر خلف سيارتك” الثّانية. “صدمتَ تامرًا..”، “دهستَ تامرًا..”ص18، فقد استخدم النقطتين المتتاليتين، فلا وجود لمثل هذه العلامة.
– علامتا ترقيم: “لا سمح الله؟!”ص20، استخدام علامتي ترقيم معًا واحدة للسؤال والثّانية للانفعال، فليس جائزًا هذا الاستعمال.
– ثلاث علامات ترقيم:”ماما ماما ماما!!.” ص22، تكرار علامة الانفعال ونقطة، وهذا أيضًا غير جائز.

الشّكل
يقول أحمد نجيب: “من الضّروريّ أن تتأكّد أهميّة ” التكامل” بين الشّكل والمضمون، بحيث لا يتمّ كلّ منهما بمعزل عن الآخر بأيّ حال من الأحوال، وإنّما يجب أن تربط بينهما معايير أدب الأطفال السّليم” (نجيب، 1982).
والعلاقة بين الكتابة والرسم، فإنّها واحدة، حيث يجسّد التصوير والرسم، ما يقوله النص، والنصّ بدوره يشرح الصورة ويكمّلها.‏)حنان درويش،2009).
وفي قصّتنا، الغلاف مصنوع من ورق مقوّى سميك، والأوراق الدّاخليّة من النّوع الصّقيل “خرومو” ناعمة الملمس. الكلمات والألفاظ جميعها جاءت مكتوبة بحجم كبير وباللّون الأسود المشدّد يستطيع ابن الطفولة المتوسّطة (6-8 سنوات) قراءتها بسهولة، بينما العنوان مكتوب بحجم أكبر من الكلمات في الدّاخل وباللّون الأخضر، وكان من المفروض أن يكون باللّون الأحمر، بحسب رأيي، لأنّه تحذير.

* على غلاف الكتاب تظهر رسمة بالألوان، تمتدّ إلى الغلاف الخلفيّ، توحي إلى مضمون القصّة، لكن بعد قراءة النّصّ يتبيّن أنّ هذه الرّسمة لا تلائم المضمون تمامًا، مثلًا: السّيّارة الواقفة في ساحة البيت كبيرة وباللّون الأبيض وغير ملائمة لسيّارة الجدّ الصّغيرة وذهبيّة اللّون كما يظهر في ص10، ورقم السّيارة غير موافق للأرقام الّتي نراها اليوم على لوحات أرقام السّيّارات. إضافة إلى أنّه يظهر في الرّسمة الأطفال الّذين يلعبون بالكرة في ساحة البيت الّتي حرموا من هذا اللّعب بوجود سيّارة الجدّ. كما يظهر أحد الأطفال أكبر سنًّا من صديقيه، يلبس بلوزة مخطّطة وبنطالًا طويلًا ويحمل العدد10، ربّما يشير إلى اللّاعب المشهور “ميسي”.

* تظهر في الكتاب 12 رسمة ملوّنة داخل الكتاب أي مقابل كلّ صفحة من فقرات النّصّ، وبعضها في خلفيّة الفقرات المكتوبة. وهذه الرّسومات تظهر وكأنّها من رسومات الأطفال وليس لفنّان، وربّما هذا ما يجعلها أقرب إلى خيال الأطفال وعالمهم، وكذلك هذه الرّسومات توحي بالمضمون في معظم هذه الفقرات.
ولكن هناك بعض الرّسومات لا تعبّر عن المضمون تمامًا:
– كما نرى في ص21، حيث تظهر الأمّ تحمل تامر في سيّارة الجدّ حين ينقله إلى العيادة.
– وفي ص23 تظهر الممرّضة تحمل تامر، وهناك طفل مضمّد وممدّد على السّرير، إضافة إلى أنّ الطّبيب يظهر بصورة طفل يمسك بسماعة وإبرة كبيرة.
– رسمة ص7 وص13 لا تدلّ أرضيّة السّاحة على أنّها ساحة بيت وملائمة للّعب بالكرة وكما يظهر مكان وقوف السّيّارة، وكما تظهر ساحة البيت في رسمة الغلاف.
* وبالمجمل نستطيع القول إنّ الرّسومات التي قامت بها الفنّانة أروى أيوب كانت منسجمة إلى حدّ كبير بين الشّكل والمضمون فعبّرت الرّسومات بحسّ مرهف عن المضمون. وهذا التّوافق بين شكل الكتاب الخارجيّ والدّاخليّ وبما فيه من كلمات ورسومات جيّد ويلائم جيل الطّفولة المبكرة، لكنّ اللّغة تلائم جيل الطّفولة المتوسّطة وما بعدها.

أبعاد القصّة
* تطرح القصّة موضوع حوادث السّير البيتيّة والّتي تحدث نتيجة عدم الانتباه وعدم الحذر حين نسوق في ساحة البيت أو بالقرب من أماكن لعب الأطفال. فنحن نسمع ونقرأ الكثير في مجتمعنا عامّة وفي قرانا خاصّة عن هذه الحوادث والّتي تؤدّي في كثير من الأحيان إلى الفاجعة وموت الأطفال الأعزّاء. فهذه منظّمة “بطيرم” لأمان الأولاد في البلاد تبعث برسالة عاجلة إلى كافّة أعضاء الكنيست تدعو فيها العمل على وجه السّرعة من أجل الحدّ من حوادث إصابات الأطفال والحفاظ على حياتهم وعدم تكرارها مستقبلًا. وقد أوردت في الرّسالة إحصائيّة مفادها أنّ 500 طفل يتعرّضون لإصابات في حوادث مختلفة كلّ يوم، وفي إحصائيّة لعام 2013 أنّه تمّ رصد 117 حالة وفاة لأطفال جرّاء إصابتهم بحوادث مختلفة من بينهم 65 طفلًا عربيًّا(فصل المقال7/2/2014).
ولذا فالكاتب يهدف من قصّته هذه زيادة وعي السّائقين في البيوت وليس الجدّ فقط، إنّما الأب والأمّ والأخ والأخت وكلّ من لديه رخصة سياقة أو سيّارة أن يحذر وينتبه لئلّا تقع مثل هذه الحوادث والّتي بمقدورنا أن نمنعها بشيء من الحذر والانتباه.
وفي هذا السّياق تعرض “بطيرم” قصّة “الدبدوب عزيز” من تأليف ميخال زوهر شمشي، ترجمة: نزيه أبو سنينة، رسوم: إيفان تشوبيتس، تحرير وإعداد: جودت عيد. يعرض الكتاب موضوع الحذر على الطرق ووسائل السلامة والوقاية من خلال شخصية “الدبدوب عزيز” الذي يلعب مع صديقه وأثناء اللعب والاختباء خلف السّيّارة يتعرّض لحادث عند رجوع السّيّارة إلى الخلف.

* تعرض القصّة العلاقة الحميمة والمحبّة بين الجدّ والحفيد من خلال الاحتضان وطبع القبلات والمرافقة بالسّيّارة، والمثل العاميّ يقول:”ما أغلى من الولد إلّا ولد الولد”، وهذه العلاقة يمكن أن نلمسها في حياتنا اليوميّة وأنّ الأجداد يدلّلون الأحفاد ويعطونهم ما يشاؤون دون تردّد على الرّغم من اعتراض الآباء لهذا الأمر لأنّه سيضرّهم مستقبلًا.

* في القصّة إشارة إلى بعض مظاهر من التّراث العربيّ الّتي تضيف نكهة على الوقائع المرّة الّتي نشهدها هذه الأيّام، مثل: حين تذكّر الجدّ صباه وكيف اشترى له والده حمارًا لينقل عليه القمح والطّحين، وحين تزوّج زفّ على صهوة حصان، كذلك حين كان يستمع إلى أغنية تراثيّة، أو من خلال بعض الأمثال والأقوال الشّعبيّة، ولعبة الاختفاء بين اللّصوص ورجال الشّرطة، إضافة إلى بعض الألفاظ التّراثيّة، مثل: عتبة البيت…

* القصّة تطرح ميزات الأطفال في جيل الطّفولة المبكرة(3-5)، فالأطفال هم أشقياء ومشاكسون وعابثون بكل ما يقع بأيديهم، ولكن في نفس الوقت هم محبوبون من الجميع. والكاتب يشير في هذا السّياق عدم رغبة الأطفال في القبل الّتي تنهال عليهم حين يقومون بحركات أو أعمال أو بلفظ كلمات يفرح بها الكبار، من خلال قوله: “ويحاولون انتزاع قبلة منه عنوة”ص4، ولكنّ الكبار لا يراعون هذا الشّعور.

* يشير الكاتب إلى بعض السّلوكيّات غير المحبّذة والّتي يجب الابتعاد عنها لنمنع مثل هذه الحوادث، مثل: هرولة الأطفال في استقبال السّيّارة عند العودة إلى البيت “يهرول تامر ويفتح ذراعيه الصّغيرتين لاحتضان السّيّارة الكبيرة”ص14، كذلك أخذ الأطفال في جولات قصيرة بالسّيّارة دون التزام وسائل الحذر ومنها: جلوس الطفل(ابن الثّالثة) في المقعد الأماميّ بجانب السّائق دون جلوسه في مقعد خاصّ ثمّ ربطه بحزام الأمان، فهذه الأمور خطرة. إضافة إلى إيقاف السّيّارة في ساحة البيت حيث يلعب الأطفال، فيجب إيجاد مكان خاصّ بعيد عن ساحة البيت لإيقاف السّيّارة.

* القصّة واقعيّة: فمن خلال الأحداث، حيث نقرأ ونسمع عن وقوع مثل هذه الأحداث في حياتنا اليوميّة، ومن خلال الشّخصيّات والأسماء الحفيد تامر والجدّ سامي، ومن خلال الأماكن وخاصّة المدن الفلسطينيّة الّتي ذكرت في القصّة، فهي ما زالت قائمة حتّى اليوم.

* الجوّ العامّ في القصّة: في البداية يسود جوّ المرح والفرح واللّهو والسّرور والسّعادة والمحبّة في الأسرة من خلال أعمال وشقاوة الحفيد تامر في البيت ومن خلال الجدّ الّذي يتراقص قلبه طربًا بعد أن يحصل على رخصة سياقة ويشتري سيّارة. ولكن ينقلب هذا الجوّ إلى جوّ من التّوتّر والحزن والألم والتّرقّب حين يدهس الجدّ حفيده، ثمّ في النّهاية يعود الجوّ إلى سابق عهده ولكن بعد تعلّم العبرة، حيث يقوم الجدّ بإيقاف سيّارته بجانب الرّصيف ويخلي ساحة البيت لتامر وأصدقائه.

* لم يحدّد الكاتب لأيّ فئة عمريّة معدّ هذا الكتاب أو ملخّص المضمون وهذا يعتبر من المآخذ في أدبنا للأطفال كما يقول د. فاروق مواسي:
“من المآخذ التي أراها في أدبنا للأطفال أنه لا يحدد على أغلفة الكتب المستوى المعدّل أو معدّل المستوى، كأن يُكتب على الغلاف – معد لأبناء الرابعة-السادسة -. مثلاً، بل يتركون للآباء أن يتصفحوا وأن يقرءوا، وأن يقرروا، بينما كان من المفروض تبيان الفئة العمرية من جهة، وتظهير الكتاب ببضعة سطور تبين المضمون/ الملخص الذي يعالجه الكاتب. وبهذا نوفر على الآباء جهد التصفح والقرار، ذلك لأن القرار السريع من قبلهم قد يكون غير موفق”(فاروق مواسي 2006، ص67).
يوسف حمد سعيد- نحف

المصادر:
_ إبراهيم، عبدالله.(2000). السّرديّة العربيّة. ط2، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت.
– د. أحمد، نجلاء محمد علي.(2011). أدب الأطفال. دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة.
_ (بطيرم) في رسالة عاجلة للكنيست، فصل المقال، 7/2/2014.
_ د. الحديدي، علي. (1996). في أدب الأطفال. ط7، مكتبة الأنجلو مصرية.
_ درويش، حنان. (2009). دراسات في أدب الطفل.
_ السعافين، إبراهيم. (1989) “لغة السفينة”، مجلة الأقلام 24.
_ د. صالح، عالية محمود.(2005). البناء السّردي في روايات إلياس خوري. أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان- الأردن.
_ عيساوي، سهيل إبراهيم.(د.ت). احذر يا جدّي.
_ قاسم، سيزا.(1984). بناء الرّواية، دراسة مقارنة في ثلاثيّة نجيب محفوظ. الهيئة المصريّة العامّة للكتاب.
_ د. مواسي، فاروق. (2006). “لغة الأطفال” من كتاب: مؤتمر أدب الأطفال لفلسطينيي الداخل. مركز ثقافة الطفل، الأسوار عكا.
_ الناشف، هدى. (1997). إستراتيجيّات التّعلّم والتّعليم في الطّفولة المبكّرة. القاهرة، دار الفكر العربي.
_ نجم، محمد يوسف. (1979). فنّ القصّة. ط7، بيروت، دار الثقافة.
_ نجيب، أحمد.(1982). فنّ الكتابة للأطفال. ط5، مصر.
_ الهاشمي، نور الدين. 2006)). قصّة الأطفال في سورية في التسعينيّات، “الشخصيّة في القصّة الطفليّة”، اتّحاد الكتاب.
_ يارد، إيفلين فريد جورج.(1988). نجيب محفوظ والقصة القصيرة. دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان.

يوسف حمد سعيد- نحف
محاضر ومرشد- قسم اللّغة العربيّة
كليّة سخنين لتأهيل المعلّمين

Untitled-1

‫7 تعليقات

  1. جميله جداااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبراكاته
    انه جميل ومدهشه ولقد لخصته
    بحمد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة